«في الجنازات والمناسبات الدينية».. هكذا قدس المصريون القدماء الرقص
في مقدمة كتابه يذكر بيجاد سلامة مؤلف كتاب "الرقص بين أهل الدين وأهل السياسة": ما كان في مصر القديمة من الرقص، وكيف كان مقدسا، وان اختلفت الانواع ما بين الرقص الجنائزي والرقص لطلب الفيضان وغيرها، ولكن يظل الرقص طقسا مهما من طقوس مصر القديمة، وكتب بيجاد سلامة التالي:
يقول الحكيم المصرى آنى: "الغناء والرقص والبخور هى وجبات الإله، وتقبل العبادة هى من حقوقه.. اعمل على أن يُبارك اسم الإله".
كما قال لوسيان: «ان الرقص والغناء كانا مقدسين عند قدماء المصريين، ومن لوازم احتفالاتهم الدينية فكانت حركات الرقص عندهم تشبه فى السرعة انحدار الماء، وتماوج لهيب النار فى الهواء، وخيلاه الأسود وغضب الفهود وترنح الغصون فهو أبدع ما يكون.
يقول أيضًا العلامة ويلكنسون المؤرخ الإنجليزى فى كلام له عن الحضارة المصرية: «إن نساء قدماء المصريين كن يرقصن فى الفرح والترح على السواء وتوجد فى المقابر المصرية فى بنى حسن بمديرية المنيا صور عديدة تمثل الراقصات وهن يتمايلن طربًا وسرورًا على نغمات الدفوف والعيدان ولا يختلف رقص بعضهن عن رقص البطن المعروف عند المصريين الآن.
وأضيف إلى ذلك أن لباس الرقص عند بعضهن كان عبارة عن نسيج رفيع من القطن مفصل بشكل الجسم ومنه يرى النحر والبطن والساقان وكان بعضهن يرقصن بهيئة قبيحة وفى أيديهن الدفوف والصاجات.
نستخلص من ذلك أن الرقص عند المصريين ثقافة شعبية تعود بجذورها لأيام الفراعنة، الذين مارسوا الرقص رجالًا ونساء كوسيلة تعبيرية ولأغراض متنوعة، منها الدينى والحربى والرياضى، قبل أن يرتبط الرقص حديثًا بالإغراءات الجسدية.
فالرقص فى مصر القديمة كان ركنًا مهمًا من أركان الحياة الدنيوية والدينية على حد سواء، وكانت تتنوع ما بين رقصات للترفيه ورقصات تقام فى الجنازات ورقصات تقام فى المعابد ورقصات خاصة بالأعياد والمواسم المختلفة.
وبلادنا مصر مهد الرقص، والمصريون القدماء بل وجميع الشرقيين من معاصريهم لم يتخذوا الرقص للخلاعة واللهو بل كان عندهم خدمة للشعائر الدينية ونموذجًا للحركات الفلكية فأحدثوه اظهارًا لسرورهم وقيامًا بشكر النعم الإلهية وتمثيلاً للعبودية والخضوع لمقام الربوية لذلك كان الرقص جزءًا جوهريًا من ديانتهم تحترمه الكهنة وتعتقد أن الآلهة لا تقبل الصلاة ولا القرابين إلا إذا سبقها الرقص لذلك كانوا يسمحون به ويشجعون عليه.
ليس هذا فقط بل ارتبطت بعض رموز الموسيقى بالمعبودات المصرية القديمة، مثل معبودة تسمى «حتحور» وهى ربة الأمومة والسرور كانت ترتبط بـ«الشخاليل»، وأيضًا ارتبطت الآلهة نفسها بمجموعة كبيرة من الرقصات الخاصة التى كانت تقدم لهم.
وقد عرفت مصر الرقص منذ عصور ما قبل الأسرات، وصورة المصرى القديم على أوانى الفخار تثبت ذلك.
وبداية من عصر الأسرات تطور الرسم وانتقل إلى المقابر، وكانت النساء تقوم برقصات خاصة بعد الانتهاء من تحنيط الجسد لاسترضاء آلهة العالم الآخر لضمان حياة ميلادية جديدة للمتوفى، وسجلوا كل ما يحدث على الجدران.
وكانت الرقصات تختلف فى كيفية الأداء الذى يقوم على حركات الأيدى أو الأذرع، أو السيقان أو تحريك الوسط والأقدام، ومن الحركات الراقصة التى تبوأت مكانة عظيمة، الحركات الاستعراضية التى لا تستعمل أية أداة، والغرض منها إظهار كمال واتزان الحركات وخفتها، وتمارس فيها الأوضاع المختلفة للذراعين، والصور العديدة على جدران القبور وخاصة فى بنى حسن وسقارة، تدل على شغف هؤلاء القوم بفن الرقص.
وكانت الفتيات يقمن بحركات تعبيرية تثير الإعجاب، وهناك صورة فريدة من الأسرة الـ"19"، لفتاة شبه عارية، لا يُستر من جسدها إلا عورتها، وهى تنحنى على ظهرها انحناءة رائعة، بينما رأسها وشعرها المسترسل يلامسان الأرض، وهى تتطلب مرونة جسمانية كبيرة، وتحتاج إلى تدريب طويل شاق.
المصريين أيضًا أقاموا مدارس لتعليم الرقص، والكثير من الجداريات والشواهد بمدينة الكرنك بالأقصر وإدفو بأسوان وأبيدوس بسوهاج تقول ذلك، وهو أمر سبقت به مصر دول العالم فى هذا المجال.
لا يتوقف الأمر عند ذلك، إذ عرفت مصر القديمة أنواعًا مختلفة من الرقص، فكان هو أحد أساليب التأمل الحركى، الذى يهدف للوصول إلى التوازن، بين الأجسام الأربعة "المادى، العقلى، الروحى، العاطفى".