«السعادة كانت قليلة فى حياتى».. كيف أثرت طفولة يوسف إدريس على حياته الأدبية؟
94 عاما مرت على ميلاد الأديب ورائد القصة القصيرة الدكتور يوسف إدريس، الذي ولد في 19 مايو لعام 1927، بقرية البيروم التابعة لمركز فاقوس بمحافظة الشرقية، لأب كان متخصصا في استصلاح الأراضي، وكان لتنقل والده تأثير كبير على حياته، إذ جعله يعيش بعيدا عن المدينة، بعد أن أرسله ليعيش مع جدته في القرية.
في حوار ليوسف إدريس بمجلة "المجلة" بعددها رقم 169 الصادر بتاريخ 1 يناير 1971، تحدث فيه عن تجربته الأدبية، ابتداء من طفولته وصباه وشبابه، وأثرها في تشكيل قدراته الإبداعية، قائلا: لقد كنت أؤمن أن الظروف هي التي تخلق الموهبة أو الطاقة، ولكني بدأت أؤمن شيئا فشيئا أن للوراثة دورا أخطر، وأن تجمع عناصر وراثية معينة عبر الأجيال دائما ما ينتهي بشخص تلتقي عنده هذه العوامل الوراثية، وتفجر فيه نبع الطاقة.
وتابع: ومن هذه الزاوية أستطيع القول إن أبي كان نبعا إنسانيا لا ينضب، لقد كان عصاميا في تثقيف نفسه، إنسانيا حتى في عداواته، بينما كانت أمي تتمتع دونه بإرادة قوية جدا، وأنا أعتبر أن الإنسانية وحدها لا تكفي، بل لا بد أن تكون لديك الإرادة الإنسانية، ومن هذين العنصرين أحس أني أدين بالكثير للأجيال التي أنتجتني.
واستطرد: ولقد كانت طفولتي تعسة، عشت بلا طفولة، نشأت في بيت جدتي الفقيرة في قرية البيروم بمحافظة الشرقية، وكان جميع أهل البيت من الكبار، وكنت الطفل الوحيد، ولم يسمح لي أن أزاول طفولتي، لأنهم كانوا يعاملونني على أني كبير مثلهم، مسئول، والعقاب ينتظره لو أخل بمسئوليته.
وأوضح: كان صباي حافلا بالكفاح الدءوب من أجل أن أتعلم، حتى كان منتهى أملى أن أقطن حجرة تضاء بالكهرباء، أو أستعمل حنفية الماء للاغتسال، فقد كنت دائما أقطن حجرات بلا ماء ولا كهرباء، غريبا، بعيدا عن عائلتي، في وسط مجتمع من الكبار الغرباء، يعاملونني أيضا على أني مسئول، وكان شبابي الأول كله موهوبا للحركة الوطنية، لا وقت فيه لسعادات الشباب الصغيرة، ولا للحب، كان حبي آنذاك صامتا، مكتوما، أخرس. ومن الحركة الوطنية إلى الكتابة، إلى المهمة الأشق.
وأضاف: السعادة كانت قليلة جدا في حياتي، حتى ما يسمى النجاح لا أستطيع تذوقه، ولذلك فمعجزة أن أظل محتفظا بطاقتي على الحب، رغم كل ما ذقته من مرارات، معجزة أن أهب نفسي لإسعاد الإنسان أنا الذي حرمت من السعادة، ولقد كان مفروضا أن أتحول إلى عدو للمجتمع، أو خارج على القانون، أو إلى النقيض، متطرف في حبي للناس وللآخرين.