في ذكرى ميلاده.. كيف قدم يوسف إدريس الشخصية المصرية لأول مرة؟
يعد الكاتب يوسف إدريس، الذي تحل اليوم الذكرى الرابعة والتسعين لميلاده، أحد أعمدة القصة القصيرة المصرية بل والعربية، ناهيك عن أعماله المسرحية التي شكلت الجانب الأكبر من العصر الذهبي للمسرح المصري في الستينيات، لتبقي أعماله الروائية شاهدة على موهبة أديب عالمي لا يقل موهبة عن عمالقة الأدب العالمي.
وعن الأثر والبصمة التي تركهما إدريس على فن القصة القصيرة المصرية تحديدا٬ يذهب الروائي خيري شلبي إلي أن في قصص يوسف إدريس يبدو لنا الواقع المصري وكأنه جديد علينا٬ كأننا لم نعشه من قبل، لم نره، لم نلمسه٬ ومن هنا تنشأ لذه الاكتشاف عند القارئ٬ وإكتشاف واقعه الذي لم يكن من قبل يعيه جيدا كما يعيه من خلال هذه القصص٬ تصل لذة الاكتشاف إلي حد النشوة بتعاظم الوعي . هذا أدب يوسع المدارك٬ يفتح العيون٬ يدير الأفئدة يشحن القلوب والصدور بتجربة إنسانية حية تسهم في دفع الإنسان إلي الأمام في تغييره إلي الأفضل٬ في قيادته إلي المشاركة الإيجابية في معترك الحياة٬ في بناء نفسه وتأسيس شخصيته٬ في تقوية روح المقاومة عنده٬ وتنمية غريزة الإرادة في نفسه. قدم يوسف إدريس الشخصية المصرية الحقيقية في قصصه لأول مرة٬ وفيما سبق كانت مجرد شبح لا يتعرف عليه القارئ جيدا.
ويردف خيري شلبي عن يوسف إدريس في كتابه "عناقيد النور": لأول مرة في الأدب المصري نري الريف علي حقيقته٬ القرية المصرية بكل زخمها وطينها وروثها وعاداتها وتقاليدها. إستقام في أنظارنا عالم القرية الحق٬ الذي كان غالبا من قبل عن الأدب القصصي٬ رأينا الفلاح الحق٬ رأينا مصر في أصفي مرآة٬ الفلاح والموظف والجندي والطالب والعامل ورجل الشارع والمثقف والخفير والمدير والطبيب وكل أنماط البشر المصريين كما لم نرهم من قبل. رأينا حياتنا٬ جذورنا٬ واقعنا الراهن بلا زيف بلا تجميل بلا تجهيل٬ بلا تضليل٬ رأينا المكونات التاريخية لشخصيتنا الإنسانية٬ فأحببنا ما يستحق الحب فيها٬ ورفضنا ما يجب رفضه٬ عرفنا كيف يكون معني الوطن٬ والحرية والإرادة.
سرعان ما انتشر يوسف إدريس انتشار النار في الحطب الجاف٬ سري في شرايين القراء سريان النيل في أحشاء مصر٬ أحبه القراء حبا كبيرا٬ في زمن قصير٬ أصبح علما علي القصة القصيرة في الثقافة العربية المعاصرة٬ وأحد أبرز أدبائها في العالم. بفضله قامت أمجاد القصة القصيرة في مصر٬ حيث شهدت أزهي عصورها وأروع نماذجها علي يديه وحده٬ حتي الذين أبدعوا فيها كانوا يستمدون منه الإشعاع٬ ينسجون علي منواله٬ يستشرفون رؤاه٬ يستخدمون أدواته التي رسخها وطورها٬ ومفرداته التي أوجدها تقريبا من العدم ــ طغي مذاقه الخاص علي كل من يكتبون القصة القصيرة من حوله٬ أما الذين حاولوا الخروج من سيطرته فكان أدبهم يبدو اصطناعيا٬ كالسمن الاصطناعي٬ يخلو من القيمة الغذائية٬ يخلو من النكهة الحريف.
ويشدد خيري شلبي علي أن يوسف إدريس: في أعماله: "أرخص ليالي"٬ "جمهورية فرحات"٬ "آخر الدنيا"٬ "أليس كذلك"٬ "لغة الآي آي"٬ "العسكري الأسود"٬ "البطل"٬ "أنا سلطان قانون الوجود"٬ "بيت من لحم"٬ "الحرام"٬ "العيب"٬ "البيضاء"٬ "نيويورك ٨٠" كل هذه المجموعات القصصية٬ والقصص الطويلة وغيرها٬ أصبحت علامات ومدارس يتخرج فيها الأجيال من الكتاب٬ أصبحت أبنية راسخة في الثقافة العربية المعاصرة هيهات أن تفقد جدتها أو يخفت تأثيرها القوي٬ إن عالم يوسف إدريس القصصي أصبح دما يجري في عروق الكتابة العربية بوجه عام٬ قلما نجد كاتبا معاصرا غير متأثر بهذه الموهبة الحوشية بشكل أو بآخر٬ بقدر أو بآخر.