محمد عفيفي: كتبت خطابات كثيرة إلى الله.. ورأيت رسوله في المنام (حوار)
هو ليس شيخاً صوفياً يدور بمسبحته الخشبية في رحاب مسجد، وليس ناسكاً متعبداً ملازماً لصومعته ينظر إلى الفضاء ويقول «يا الله»، وليس راهباً يرى الدنيا من قلايته التي يتعبد فيها، لكنه يحب الله مثل الشيخ الصوفي والناسك المتعبد والراهب في قلايته، عرف الله صغيراً ودعاه كثيراً فتوطدت معرفته.
حين التقته «الدستور» في حوار كان الدكتور محمد عفيفي، أستاذ التاريخ المعاصر بكلية الآداب جامعة القاهرة، لا يتكلم وإنما كأنه يتهجد وراح يطوف في أنحاء ذاكرته، هنا كان صغيراً يكتب خطاباً لله، وهنا كان نائماً يحلم برسول الله، وهنا كان طفلاً يتلقى معرفته لله عن طريق شفاه الكبار، وعن كل هذه المواقف تحدث «عفيفي»، وعن كل هذه المواقف راح يحكي.
بأنامله الصغيرة كتب الدكتور محمد عفيفي الكثير من الخطابات إلى الله، كان طفلاً في بداية مراهقته، لذلك لم يخرج الخطاب عن كونه شكلاً من أشكال العتاب، أو أحياناً لفرحة شديدة جعلت قلبه يتقافز بين ضلوعه مثل طير، وأحياناً أخرى لغير ذلك، وإلى نص الحوار:
الله في الكنيسة وفي المسجد وفي صوامع المعتكفين وقلايات الرهبان
كانت أسرته تتكون من الأب والأم والجد والعم والعمة، وهؤلاء هم مَن شكّلوا العالم المعرفي الكامل للدكتور محمد عفيفي في طفولته، كلهم يعيشون في بيت واحد ومن خلال تعاملهم فيما بينهم والصفات التي كانت تغلف ذلك التعامل كل ذلك جعل عفيفي يعرف الله مبكراً، رآه في تعاملاتهم، أليس الدين هو المعاملة، يقول الدكتور محمد عفيفي: «الله موجود في كل مكان، وليس هناك مكان لا يوجد به الإله، في المسجد والكنيسة، وفي كل مكان، ألا ترى حين يرى أحدهم شيئاً يحبه أو منظراً يعجبه فيقول بالفطرة ( الله)، وحين يرى بنتاً صغيرة حلوة فإنه يقول (الله)، الله يوجد في كل شيء جميل».
الله عند عفيفي ليس حكراً على أناس بعينهم لكنه سبحانه موجود في كل مكان قد يذهب إليه الانسان يكمل: «الله في المدينة وفي الصحراء وفي صوامع المعتكفين، وفي قلايات الرهبان، وحتى حين يجلس الإنسان مع نفسه فإنه في الحقيقة لا يكون وحيداً لأن الله يكون معه، الله مع المسافر ومع الجالس ومع الماشي، في كل شيء ترى الله».
عفيفي هو واحد ممن يناجون الله كثيراً وفي كل وقت، وفي كل اللحظات، في الضعف والوهن والقوة يقول: «مناجاتي لله تكون موجودة بقوة في فترات الضعف، أو حين يكون في حاجة إلى مدد وأحياناً تأخذ هذه المناجاة شكل العتاب أو الدعاء، أنا أنظر إلى الله لأنني أعلم أنه أقرب إليّ من حبل الوريد، وحين أفكّر في الله لا أفكّر في الشكل الذي أتحدث فيه مع الله، صدقني، يكون خروج كل شيء منك طبيعياً حتى أنك لا تدرك ما هي الوسيلة بقدر ما تدرك أنك الآن في هذا الموقف، أنت حينها تكون متأكداً تماماً أن من خلقك لا يحتاج إلى التكلف في الحديث معه».
في الحقيقة المناجاة تكون موجودة خاصة في فترات ضعف الإنسان أو الحاجة إلى مدد تأخذ شكل العتاب أو طلب المدد أو الدعاء لأننا ننظر إلى الله على أنه كما يقولون أقرب إليك من حبل الوريد، فلا تفكر في الشكل الذي تتحدث فيه مع الله.
وحين يكبر الإنسان تكبر معرفته عن الله، كمن يرشده على طريقه من خلال دلالات وإشارات، وهنا تظهر بعض العبارات التي وإن دلت فغنما تدل على وجوده سبحانه، مثل كلمة «يا فرج الله»، وهي التي يقولها الإنسان عفوياً وتخرج منه بدون ترتيب لها، والكلمة نفسها وفي حد ذاتها دليل دامغ على معرفة الله، يكمل: «رأيت هذا الفعل كثيرًا في حياتي، أن تضيق وتستحكم ويفرجها الله من حيث لا يحتسب الإنسان، وأقول إن كل اللحظات الحلوة في حياتي جاءت فى وقت الضيق والشدة وحين انسداد الأبواب، حيث فجأة وبلا مبرر يجد الأمور انفرجت بلا أدنى جهد منه، وهو ما حدث كثيرًا، ليرى الله يتصرف بحكمته، ويرتب المواقف لتحدث الانفراجة الكلية التي تجعل الإنسان يرفع الأكف بالحمد».
كتبت خطابات كثيرة إلى الله في مراهقتي ورأيت رسوله في المنام
حين كان صغيراً كان يتلمس معرفة الله من بين شفاه أقاربه، أبيه وأمه وعمه وعمته، وعرف عفيفي الله صغيراً وكانت له مواقف كثيرة وطدت هذه المعرفة، يقول عفيفي: «في حياتي كان لي الكثير من المواقف التي تعلقت فيها بالله، وعندما كنت صغيراً كنت أفكر كثيراً في رسول الله، وحلمت به عدة مرات، وكلنا حلمنا به على هيئة نور هادي، صحيح أني لا أتذكر تفاصيل الحلم، لكني حلمت به كثيراً، وفي مسقط رأسي في المنوفية كنا نسمع المديح النبوي، وكان لا بد للأفراح أن تحتوي على مديح رسول الله في ذلك الوقت».
وفي تلك الفترة كتب عفيفي الكثير من الخطابات إلى الله، كانت كلها بحسب الموقف الذي يكتب فيها، فتارة يكون الخطاب كعتاب، وتارة يكون لطلب المدد والعفو، وتارة يكون غير ذلك، يقول عفيفي: «في الحقيقة كتبت الكثير من الخطابات إلى الله، كان ذلك في فترات الطفولة وبدايات المراهقة، وكانت تأتيني في أحيان متفرقة، وكل ما افعله هو أنني كنت أحضر ورقة وقلمًا، وبرغم معرفتي بان الله يكون حاضراً للموقف الذي أحكي عنه لكنني أكتب، حدث ذلك معي كثيرًا بالطبع».
قصص كثيرة تكون هي الدافع لكتابة خطاب إلى الله، فمرة يكون حزناً على موت عزيز، وهنا الخطاب يأخذ شكل العتاب، ويكن التعبير فيه صادقا جدا، وأحيانا يكون شكرا على نجاح كبير والخطاب هنا يأخذ سمت الحمد مثل سجدة طويلة، وأحيانا يكون دعاء بالتوفيق مثل الإقبال على سفر أو غيرها، يحكي عفيفي عن هذه الأمور وأشكال الخطابات فيقول: «في الحقيقة هناك مناسبات عدة لكتابة كل خطاب إلى الله، وبالفعل يكون الخطاب تعبيرا قويا وصادقا عن مرحلة بعينها، بالطبع بعد كل ها السنين فأنا لا أتذكر ماذا كتبت خصيصا، ولكني أعلم تماما بان كل خطاب كان وراؤه حدث ما كان باعثا لكتابة هذا الخطاب».
يواصل: «لن يخرج الخطاب عن كونه طلبا للمدد من الله سبحانه وتعالى، أو شكوى تأخذ سمت العتاب، أو فرحة كبيرة وفي منتصف الخطاب أتلو قصتي».
الإنسان في حوار دائم مع الله.. والحوار معه –سبحانه- وسيلة للطمأنينة
يرى عفيفي أن الله أختص أناسًا لتفريج الأمور، وهؤلاء ربما لا يدركون ذلك والله هو المفرج في الحقيقة ولكن الله جعلهم أسباب لذلك، «هناك الكثيرون ممن خلقهم الله ليفرجوا الأمور، ومن خلالهم يمكننا أن نرى الله، والأسماء المنتشرة في مصر مثل (عبد الرحمن، وعبد الرحيم)، وكل هذا ليس اعتباطًا، ولكنهم وكأنهم يعبرون عن إرادته ورحمته سبحانه»، ويقول عفيفي: «هناك الكثيرون ممن خلقهم الله ليفرجوا الأمور، ومن خلالهم يمكن أن نرى الله، وكأنهم يعبرون عن إرادته ورحمته، وفى مصر لدينا أسماء عبدالرحيم وعبدالرحمن منتشرة، وهو ما يختلف عن كثير من الدول التى تنتشر بها أسماء عبدالقوي وعبدالجبار».
وعن هؤلاء الذين قربوه من الله، تذكر «عفيفى»: «بالنسبة لى هناك أبى وأمى وجدى ومعلمى، الله خلقهم لرعايتى، وهم من علمونى كل شىء، مثل الصلاة وحب الناس والقرب من الله».
وأكمل عفيفي أن الإنسان منا في حالة تواصل دائم لا ينقطع مع الله، هو في حوار دائم معه سبحانه، وليس يقظة فقط، وإنما يقظة ومنامًا، يواصل عفيفي: «أتصور أن الإنسان وأنا شخصياً في حالة حوار دائم مع الله حتى الحوار من الممكن أن يكون في حالة اليقظة والحلم أيضا ويدور عن كل شيء والحديث مع الله يكون بدون أي قدر من التكلف أو الموانع، فالحديث معه سبحانه موجود في تراث الأديان السماوية مثل حديثي إبراهيم وموسى مع الله، وليست هناك قيود فلو أنني سأتحدث معه سبحانه فسيكون في كل شئ، وأتذكر الآية الكريمة التي تقول «وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۖ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن ۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ۖ قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا ۚ وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ»، إذا الحوار مع الله هو وسيلة للطمأنينة.
لو قدر لي أن أكتب خطابًا لأحد الراحلين فسأقول لأبي: كان نفسي تفضل معانا
حين توجهت بالسؤال للدكتور محمد عفيفي لو قدر لك أن تكتب خطاباً لأحد الراحلين عن عالمنا فلمن تكتب، وما تقول في الخطاب؟، فلم يكن اعتباطاً أن تكون إجابته أبي، فكيف لا يقول أبي وهو الذي تتلمذ على يديه وعرف الله عن طريقه وكان هو العين الكبيرة التي يبصر بها الولد الصغير، وهو الذي كان يزيح بيديه القويتين للظلمة فيبددها أمام الولد الصغير من حوله فيتجلى النور، قال عفيفي: «سأكتب خطابًا إلى أبي يرحمه الله وسأقول له (نفسي أشوفك وكان نفسي تفضل معانا)».
وينتقل عفيفي إلى الموت، الحقيقة الوحيدة على هذا الكون الرحيب، وكيف أن فكرة الموت لا زالت عصية على الأفهام والمدارك، ما هو الموت وكيف يتقبل الإنسان عدم رؤية ذويه فجأة وأن يخلو هذا العالم من المحبين، يكمل عفيفي: «أنا شخصيا لا أحب الموت وفكرة الموت فكرة صعبة جداً عندي، الموت أريد أن أقول له يا ليت نلتقى في الآخرة أو في الحياة لا أعرف ولكنها فكرة كسر الموت بحياة أخرى أو بأي شيء».