تاريخ الخونة.. رحلة إرهابيي «الإخوان» من معسكرات التدريب إلى العمليات
سلط مسلسل «الاختيار ٢» الضوء على التدريبات العسكرية التى تتلقاها عناصر جماعة الإخوان الإرهابية فى الأماكن الصحراوية، أو ما يعرف بـ«التربية الجهادية»، حيث يتدرب شباب «الإرهابية» على التكتيكات العسكرية والقنص عن بُعد، وصنع المتفجرات والأحزمة الناسفة، واستهداف الأكمنة الأمنية، واختراق حواجز التأمين وضرب الكنائس.
وتستغل «الإرهابية» التضاريس الجغرافية الوعرة، أو ضعف الرقابة الأمنية فى بعض الدول المجاورة، أو حتى فى مناطق صحراوية بالداخل، لنصب معسكرات التدريب لعناصرها، حيث يتولى تدريب الشباب بعض الخونة من العناصر الأمنية المنشقة أو التكفيريين الذين سبقت لهم المشاركة فى الحرب الروسية الأفغانية، وتلقوا تدريبات عسكرية احترافية، أو بعض العناصر المنتمية للتنظيمات الإرهابية الناشطة فى سوريا أو ليبيا مثل «داعش» و«القاعدة».
وبعد أن يجتاز العنصر الإخوانى التدريبات يجرى الدفع به إلى وسط المدنيين لتنفيذ هجوم إرهابى يستهدف رجال الأمن أو المواطنين الأبرياء.
ومثال لذلك الإرهابى الذى استهدف تمركزًا أمنيًا أسفل كوبرى الجيزة المعدنى بالقرب من مسجد الاستقامة بعبوتين ناسفتين، فى ١٥ فبراير ٢٠١٩، ليسفر الحادث عن إصابة مواطنين.
وبدأت أحداث الواقعة حين تلقت غرفة النجدة بلاغًا من قادة تشكيل أمن مركزى متمركز بميدان الجيزة بإلقاء مجهول عبوة «قنبلة» من أعلى كوبرى الجيزة المعدنى الذى تتمركز القوات أسفله، وفر هاربًا، ولم تنفجر القنبلة.
انتقل على الفور خبراء المفرقعات من إدارة الحماية المدنية بالجيزة، مزودين بالروبوت المخصص للتعامل مع الأجسام الغريبة، وتولى ضباط قسم شرطة الجيزة فرض كردون أمنى حول العبوة وإخلاء المكان وإيقاف حركة السيارات لحين الانتهاء من عملية التفكيك.
وأفادت التحريات بأن المجهول أنزل العبوة بسلك من أعلى الكوبرى، وعندما اقتربت من الأرض قطع السلك وفرَّ هاربًا، فتعامل معها خبراء المفرقعات بمدفع المياه لمحاولة إبطال مفعولها، إلا أنها لم تنفجر فى لحظتها، وبعد فترة قليلة انفجرت القنبلة لتتسبب فى إصابة مواطنين اثنين بإصابات طفيفة نتيجة اختراق شظايا جسديهما.
على الفور جرى نقل المصابين إلى أقرب مستشفى، وتمت إعادة الحركة المرورية فى الميدان لطبيعتها، بينما شكّل اللواء الدكتور مصطفى شحاتة، مساعد وزير الداخلية لأمن الجيزة، آنذاك، فريق بحث لتحديد هوية الجانى، وأرسل عدة مأموريات لملاحقته فى خطوط السير المتوقع هروبه بها.
وبلغ وزن القنبلة وقتها قرابة ٢ كيلو جرام، وتولى خبراء المفرقعات جمع ما تبقى منها لفحص محتوياتها ومكوناتها.
وعقب الانتهاء من رفع آثار الانفجار وتأمين المنطقة والتأكد من عدم وجود متفجرات أخرى، شكّلت وزارة الداخلية فريق بحث رفيع المستوى من قطاع الأمن الوطنى ومباحث الجيزة للتوصل إلى هوية ملقى العبوة الناسفة، وعلى مدار نصف اليوم الثانى من الجمعة ١٥ فبراير بدأ فريق البحث فى تنفيذ بنود خطة البحث التى استمرت حتى يوم ١٨ فبراير، حيث نجح الضباط خلال ٧٢ ساعة فى رصد خط سير الإرهابى بالكامل منذ ظهوره أعلى كوبرى الجيزة المعدنى، حيث ألقى العبوة الناسفة تجاه القول الأمنى، حتى هروبه.
وبتقنيات عالية للغاية وطريقة فحص دقيقة ومميزة وبأسلوب معين اتبعه ضباط الأمن الوطنى، تم تتبع مسار الإرهابى من الجيزة وصولًا إلى محطته الأخيرة بمنطقة الدرب الأحمر، حيث أظهرته كاميرات مراقبة على طول خط السير بملامحه الجسدية المحددة رغم إخفائه وجهه بـ«كمامة طبية»، مستقلًا دراجة هوائية، حاملًا حقيبة متوسطة الحجم على ظهره.
وفى التاسعة من مساء ١٨ فبراير، كانت المحطة قبل الأخيرة لتحديد مكانه وهويته بما رصدته كاميرات مراقبة المتحف الإسلامى المواجه لمديرية أمن القاهرة، بمرور الإرهابى بدراجته متوجهًا إلى داخل منطقة الدرب الأحمر، ومن تلك النقطة تولى ضباط قطاع الأمن الوطنى بالقاهرة وقسم شرطة الجمالية والدرب الأحمر التعامل مع تلك المعلومات والصور، حيث بدأوا بالتوغل داخل دروب المنطقة من الداخل لتحديد الشارع أو المنزل الذى لجأ إليه الإرهابى.
ونجحت التحريات وخطة البحث فى التوصل إلى آخر محطة للإرهابى بمنطقة الكحكيين، فتحركت مأمورية، ترأسها المقدم رامى هلال، ضابط الأمن الوطنى، مدعومًا بضباط وأفراد شرطة من قسمى الدرب الأحمر والجمالية، وأثناء فحص كاميرا مراقبة أمام محل «حلاق» شاهد الضباط المتهم المستهدف يخرج من أحد المنازل بذات الهيئة التى رصدته الكاميرات بها.
وأسرعت القوة الأمنية تجاه المتهم لضبطه، لكنه فجّر نفسه لحظة أن شاهدهم، ليتسبب فى استشهاد المقدم رامى هلال، وأمينى الشرطة محمود أبواليزيد، من قوة قسم الدرب الأحمر، وعمرو محمد السيد، من قطاع الأمن الوطنى، بخلاف مصابين طبقًا لما أوردته وزارة الداخلية فى بيانها حول الحادث.
وجاء فى بيان الوزارة أنه فى إطار جهود وزارة الداخلية للبحث عن مرتكب واقعة إلقاء عبوة بدائية لاستهداف تمركز أمنى أمام مسجد الاستقامة بالجيزة، عقب صلاة الجمعة، أسفرت عمليات البحث والتتبع لخط سير مرتكب الواقعة عن تحديد مكان تواجده بحارة الدرديرى بالدرب الأحمر.
وحاصرت قوات الأمن الإرهابى، وحال محاولة ضبطه والسيطرة عليه انفجرت إحدى العبوات الناسفة التى كانت بحوزته، ما أسفر عن مصرع الإرهابى، واستشهاد المقدم رامى هلال، وأمين شرطة من الأمن الوطنى، وأمين شرطة من مباحث القاهرة، وإصابة ٣ ضباط من الأمن الوطنى ومباحث القاهرة والأمن العام.
عقب تفجير الانتحارى نفسه تحوّلت المنطقة إلى ثكنة عسكرية تولت تأمين فرق النيابة العامة من نيابة أمن الدولة العليا ونيابة حوادث جنوب القاهرة خلال إجراء المعاينة التصويرية لموقع الحادث.
وتولى خبراء الأدلة الجنائية رفع بقايا الانفجار لتحديد ماهيته وما إذا كان ناتجًا عن عبوة أو حزام ناسف، وأثناء الفحص فتشت أجهزة الأمن منزل المتهم ليتم العثور على كمية ضخمة من المتفجرات، وبحلول الساعة الواحدة صباحًا عمدت أجهزة الأمن إلى إخلاء المنزل والمنطقة بالكامل وسحب القوات لمسافة بعيدة، ليتوجه خبراء المفرقعات بمفردهم إلى المنزل لتفكيك وتأمين تلك المواد المتفجرة خشية انفجارها فى المنطقة والتسبب فى كارثة.
وخلال ٨ ساعات متواصلة، استعان خبراء المفرقعات بـ«روبوت» لتفكيك قنبلة بمؤقت أعدها الإرهابى قبل تفجير نفسه، إضافة إلى تأمين المواد المستخدمة فى تصنيع المتفجرات.. وفى الساعات المبكرة من صباح اليوم التالى غادرت منطقة الدرب الأحمر معدات خبراء المفرقعات بعد الانتهاء من تمشيط المنطقة بالكامل، وتأكيد خلوها من المتفجرات.
وأجرت نيابة أمن الدولة العليا، بمعاونة نيابة جنوب القاهرة، معاينة لموقع الحادث، بناءً على تعليمات النائب العام المستشار نبيل صادق، الذى أصدر تعليماته عقب وقوع الحادث مباشرة، بحضور فريق من خبراء الأدلة الجنائية، والمعمل الجنائى وخبراء المفرقعات، الذين تحفظوا على مواد كيميائية وعبوات تم إيجادها داخل منزل المتهم تستخدم فى صناعة العبوات الناسفة.
وباشر فريق من النيابة الاستماع إلى أقوال شهود العيان بالمنطقة، والمصابين، ومناقشتهم حول طبيعة الإرهابى الحسن عبدالله العراقى، والأماكن التى يتردد عليها.
وطالبت النيابة الأجهزة الأمنية بإجراء تحريات واسعة حول المتهم الحسن عبدالله، نجل طبيب مقيم بأمريكا، وعلاقة المتهم بأهالى المنطقة والأماكن التى يتردد عليها خلال الآونة الأخيرة، وكيفية حصوله على المواد المتفجرة، وصناعتها داخل منزله، وكتابة تقرير وافٍ حول السجل الأمنى للمتهم.
وكلفت النيابة الطب الشرعى بفحص أشلاء الانتحارى لتحديد سبب الوفاة، ونوع المادة التفجيرية التى استخدمها فى تفجير نفسه، إضافة إلى تشريح جثامين الشهداء الثلاثة.