بدأ بالتقليد.. هكذا اتجه صلاح عبد الصور لكتابة الشعر
«أنا رجل من غمار الموالى.. فقير الأرومة والمنبت.. فلا حسبي ينتمي للسماء، ولا رفعتني لها ثروتي.. ولدت كآلاف من يولدون.. بآلاف أيام هذا الوجود.. لأن فقيرا بذات مساء.. سعى نحو حضن فقيرة.. وأطفأ فيه مرارة أيامه القاسية»، بهذه السطور القليلة من مسرحيته "مأساة الحلاج" وهو يتحدث في المرافعة.
استشهد بها الشاعر الراحل صلاح عبد الصبور أثناء حديثه عن نفسه، الذي يوافق اليوم ذكرى ميلاده التسعين، إذ ولد في 3 مايو لعام 191، بإحدى قرى محافظة الشرقية، لأسرة من صغار الموظفين والمزارعين، وتعلم في المدارس الحكومية، وتخرج من كلية الآداب بجامعة القاهرة عام 1947، وأصبح أحد رواد الحركة الشعرية في الوطن العربي.
وفي آخر حوار لصلاح عبد الصبور بمجلة "الدوحة" بعددها رقم 10 الصادر بتاريخ 1 أكتوبر 1981، قال: وهكذا يمضي الحلاج عن سعيه وراء المعرفة ما أذكره الآن من طفولتي، ربما كان أنني كنت طفلا ثقيل الحركة، أنا كنت طفلا لا يغريني اللعب، ولكني كنت مهتما أكثر بأن التقط أي ورقة، وأحاول أن أقرأ ما فيها، ولعل هذا الكسل البدني، هو ما جعلني قارئا، فكنت أبحث ببعض الكتب ووجدت بالمصادفة في بيتنا أعدادا قديمة من مجلة كانت تصدر في أواخر العشرينيات في مصر، هي مجلة "السياسة" الأسبوعية، وكان من كتابها طه حسين، ومحمد حسين هيكل، وغيرهم.
وتابع: ثم وجدت أيضا نسخا من كتب المنفلوطي، وروايات أعجبت بها إعجابا شديدا، وقرأت لجبران خليل جبران، ولعلي فتنت به فتنة لا حد لها، ثم حاولت الشعر تقليدا لما أقرأ في كتاب المطالعة، وكثيرا ما كنت أقرأ القصيدة، ثم أحاول أن أضع كل قوافيها في سطر أو صفحة من كراس، ومضت الأمور بي قارئا ومحاولا الكتابة ومقلدا لما أقرأ من شعر الأعلام، موضحا أنه يتصور أن الشاعر يتكون من الشعر، والشاعر يتخرج في الشعر ذاته، وما يصنعه هو ما يقرأه من شعر، وهذا الأمر ينسحب على جميع الفنون، إذ يبدأ الفن بالتقليد، حتى بالنسبة للفنون التشكيلية؛ فالرسام حين يبدأ الرسم، لا يرسم من الطبيعة، ولكنه يرسم مستوحيا لوحة جميلة قد رآها فهو لا يقف أمام الطبيعة ليرسمها أو يرسم شجرة الطبيعة، ولكنه يرسم الشجرة التي رآها في لوحة جميلة، حتى تتكون لديه حاسته الفنية، فيستطيع بعد ذلك أن يواجه الطبيعة وحده.