د. إبراهيم مجدى حسين يكتب: كيف يعبد المراهقون الله؟
لكي نجيب على هذا السؤال يجب أن نعرف أولا من هم المراهقون، فهم وفقا لتعريف الأمم المتحدة، من تتراوح أعمارهم بين 10 و19 سنة، ويبلغ عددهم 1.2 مليار يمثلون 16% من سكان العالم.
يتزايد أعداد الشباب المصري بسرعة، ويشكل المراهقون 17 مليون نسمة يمثلون 19% من مجموع السكان، يضاف إليهم 9 ملايين في الفئة العمرية من 20 إلي 24 عاما، أى حوالى ثلث مجموع السكن.
أما مفهوم العبادة في اللغة فهي الخضوع لله تعالى. واصطلاحا: العبادة هي كل ما يشترط فيه نية القربة، كالصلاة والصوم والزكاة والحج.
البعض يتساءل عن أسباب ودوافع طرح سؤال عن كيفية عبادة المراهقين. الدوافع والأسباب نابعة من خلال لقاءاتي مع مجموعة من المراهقين الذين يأتون بصحبة أهلهم إلي العيادة النفسية خلال الخمس سنوات الأخيرة وتكون شكوى الأهل هي تمرد أبنائهم وامتناعهم عن العبادات كالصلاة والصوم وأنهم أصبحوا يسألون أسئلة فلسفية ووجودية تتعلق بالغيب والعقيدة ويدخلون على مواقع على الإنترنت تدعو إلي الإلحاد.
يقول لي الأهالي نصًا: "عايزين العيال تعقل يا دكتور، لأن شكلهم اتجننوا وألحدوا".
ورغم أن مراجع الطب النفسي لا تعتبر الإلحاد مرضًا لكن أجد نفسي مضطرا للتعامل مع هواجس ومخاوف الأهل، أطلب من الأهل تركي مع المراهق منفردا حتى أتعرف على الجانب الخفي من شخصيته بعيدا عن الأهل.
وفي منتصف الجلسة نبدأ نتطرق للحديث عن الجانب الديني والروحاني في حياة هؤلاء المراهقين فأبدأ في سماع إجابات من نوعية أنا مش عايز أكلم في الدين لأني غير مؤمن أو قررت ألحد.
فأبدأ أسأله عن دوافعه للإلحاد أو عدم الإيمان فأجد إجابات تدخلني في حالة جدل وربما ااشتباك يصل بي إلي متاهة.
فأضطر أن أغير دفة الحوار في إتجاه أخر كي لا أفقد ثقة المراهق الذي أمامي والذي بطبيعته لديه نزعة التحدي والتمرد وإثبات أنه على صواب ودائما ما يحاول تصيد أخطاء الأكبر منه.
دعونا نتكلم بلغة الأبحاث والأرقام
"بالله نثق" قد يكون الشعار الرسمي للولايات المتحدة، ولكن يبدو أن المعتقد الديني في البلاد في حالة تدهور.
وجد مركز بيو للأبحاث أن 4٪ من البالغين الأمريكيين تم تحديدهم على أنهم ملحدون و5٪ على أنهم لا أدريين في 2018 و2019، مقارنة بـ 2٪ ملحدين و3٪ لا أدريين في عام 2009. وصف 17٪ من الأمريكيين دينهم بأنه "لا شيء على وجه الخصوص" في الاستطلاع، ارتفاعا من 12٪ في عام 2009 (مركز بيو للأبحاث، 2019).
اللاأدرية أو إلأغنوستية[2] (بالإنجليزية: Agnosticism) مصطلح مشتق من الإغريقية (α-γνωστικισμός)، حيث الـ «α» تعني «لا» و«γνωστικισμός» تعني «المعرفة أو الدراية»، وهي توجه فلسفي يؤمن بأن القيم الحقيقية للقضايا الدينية أو الغيبية غير محددة ولا يمكن لأحد تحديدها، خاصة تلك المتعلقة بالقضايا الدينية وجود الله وعدمه وما وراء الطبيعة، والتي تعتبر غامضة ولا يمكن معرفتها. وتختلف الأغنوستية عن الغنوصية، فالأولى تعني نفي وجود يقين ديني أو إلحادي، بينما الثانية هي نزعة فكرية صوفيةـ عرفت في القرنين الأولين من العهد المسيحي بخاصة، تمزج الفلسفة بالدين، وتستند إلي المعرفة الحدسية العاطفية للوصول إلي معرفة الله.
ووفقا للفيلسوف ويليام ليونارد روي، فإن اللاأدري هو هذا الشخص الذي لا يؤمن ولا يكفر بالذات الإلهية، بينما المؤمن هو الذي يؤمن بها، والملحد هو الذي يكفر بها وتختلف اللاأدرية عن الإلحاد؛ حيث اإن إلإلحاد هو الكفر بالإله، في حين أن اللاأدرية هي مجرد تعليق إلإيمان.
قد تقلل استطلاعات الرأي من العدد الحقيقي لغير المؤمنين، لأن الملحدين غالبا ما يواجهون وصمة العار وقد يحجمون عن تعريف أنفسهم، كما يقول ويل جيرفايس، دكتوراه، عالم النفس التطوري والثقافي في جامعة كنتاكي. يشير تحليله إلي أن الانتشار الحقيقي للإلحاد قد يكون أقرب إلي 26٪، ومن المؤكد تقريبا أنه أكبر من 11٪ ونشر هذا (علم النفس الاجتماعي وعلوم الشخصية، المجلد 9، العدد 1، 2018).
رغم أن الأعداد المتزايدة، فإن الملحدين واللاأدريين ليسوا مفهومين جيدا. بالنسبة لجميع الأبحاث حول الدين والروحانية، لم تنطلق الدراسة المنهجية لملحدين إلا في السنوات العشر أو الخمس عشرة الماضية. يقول ميغيل فارياس، أستاذ علم النفس ورئيس مجموعة الدماغ والمعتقدات والسلوك في جامعة كوفنتري في إنجلترا: "منذ مائة عام، كان [علماء النفس] ينظرون إلي الإيمان في الغالب من خلال عدسة المسيحية البروتستانتية". "في الآونة إلأخيرة فقط أدركنا أن هناك كل هؤلاء الأشخاص الذين لم ننظر إليهم حقا. للنظر في الإيمان فعليا، يجب أن نأخذ في الاعتبار جميع الأشياء المتنوعة التي قد يعتقدها الملحدون أو اللاأدريون ".
أعود مرة أخري للإجابات التي أسمعها من المراهقين واسمحوا لي أن أقولها بالعامية، كما سمعتها منهم بالنص:
- "إحنا زعلانين من ربنا"
- "إحنا بنصلي ونصوم وبندعي ورغم كده حياتنا كلها مشكلات "
- "في غيرنا مش بيصلي وحياته أحسن منا"
- "إحنا مظلومين وحياتنا صعبة رغم إن إحنا بنعبد ربنا وبنصلي "
- "في ناس بتقتل وتكذب وتسرق رغم إنها بتصلي وتصوم وتحج وتزكي"
الاستنتاج من الإجابات أن هؤلاء المراهقين ينتظرون مقابلا للعبادة وأنهم ينطرون مدعي التدين كنماذج للعبادة.
أغلبنا كأطباء نفسيين ليست لديه إجابات واضحة للتساؤلات هؤلاء المراهقون وأغلبنا يجد نفسه في موقف حرج عندما يواجه مراهقا لديه أفكار إلحادية أو خلل في العقيدة.
في بعض الأحيان تفكر في اللجوء إلي رجال الدين للتفاعل مع هؤلاء المراهقين ولكن للأسف قليل جدا من رجال الدين من يستطيع النقاش مع هؤلاء المراهقين وإقناعهم، لأن هؤلاء المراهقين يتعاملون بآليات العولمة وتكنولوجيا العصر فتحدث فجوة فكرية عندما يبدأ معهم المشايخ النقاش.
نحتاج إلي تجديد الخطاب الديني أو الاستعانة بالخطاب الصوفي الوسطي الذي يتكلم عن مفهوم العشق الإلهي والعبادة غير المشروطة العبادة الصافية النابعة من حب الذات الالهية.
هذا الموضوع يحتاج إلى بحث ورصد وفريق عمل مكون من رجال الدين وخبراء علم النفس والاجتماع.
وللأسف الأبحاث عن المراهقين في العالم العربي مقتصرة فقط على أروقة الجامعات أو المناقشات العلمية ولكنها لا تخرج إلي العامة.
ورغم أن المراهقين عدد ضخم ويمثل طليعة المستقبل وشباب الغد، إلا أن الاهتمام بمشاكلهم ياخذ حيزا صغيرا.
يجب علينا أن نهتم بكيفية توصيل مفهوم العبادة الصحيحة لهؤلاء المراهقين لأننا لو أغفلنا أو صغرنا من حجم المشكلة لا ندري العواقب.
وأختتم مقالي بمقطع من قصيدة للعارفة بالله رابعة العدوية، تتكلم فيها عن العشق والحب الإلهي غير المشروط.
عرفت الهوى مذ عرفت هوا
وأغلقت قلبي علىٰ من عاداك
وقمت أناجيك يا من تـرىٰ
خفايا القلوب ولسنا نراك
أحبك حبين حب الهـوىٰ
وحبا لأنك أهـل لـذاك
فأما الذي هو حب الهوىٰ
فشغلي بذكرك عمن سـواك
وأمّـا الذي أنت أهل له
فلست أرىٰ الكون حتىٰ أراك
فلا الحمد في ذا ولا ذاك لي
الذي أنت أهل له
فلست أرىٰ الكون حتىٰ أراك
فلا الحمد في ذا ولا ذاك لي
ولكن لك الحمد في ذا وذاك
ولكن لك الحمد في ذا وذاك