البحوث الإسلامية: الإسلام قدم الكثير من الحلول لمواجهة كورونا
شارك الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية الدكتور نظير عيّاد في فعاليات ندوة البركة في دورتها الحادية والأربعين، والتي عقدت بعنوان: "الدروس الاقتصادية المستفادة من جائحة فيروس كورونا المستجد من وجهة نظر الاقتصاد الإسلامي"، وذلك عبر تقنية الفيديو كونفرانس.
وقال الأمين العام خلال كلمته التي ألقاها: إن عنوان الندوة هو اختيار موفَّق، جاء في وقته وحينه؛ إذ إنه جاء ليعبر عن الآلام ويشير إلى الآمال، فضلًا عن أنه يكشف عن دور الهيئات والمؤسسات والمنظمات تجاه قضايا أُمتها؛ بل وقضايا العالم الذي نعيش فيه بشكل عام، ثم تزداد أهميته من خلال البحث عن دروس مستفادة من هذا الفيروس على ضوء الاقتصاد الإسلامي، والذي يتميز عن غيره من ألوان وأنواع الاقتصاد الأخرى، ولا غرابة في ذلك، إذ إنه يراعي أصول الشرع الثلاثة، أعني العقيدة والشريعة والأخلاق، فهو ينطلق منها ويعود إليها.
وأضاف «عيّاد» أن الاقتصاد الإسلامي يحقق العدالة والتوازن في حماية مصالح الأفراد والمجتمع؛ بل بين المادية والروحانية، بجانب هذا، فقد تميَّز عن غيره بأنه النظام الوحيد الذي اشتمل على معظم أفكار الأنظمة الاقتصادية الإيجابية مع غربلة الرديء منها ونبذه، فضلًا عن قيامه على أسس نبيلة وأصول قويمة تهدف إلى ترسيخ معنى العبودية لله، والاستجابة لأوامره والعمل على التيسير وفق منهجه الحكيم في جميع شئون الحياة، وما يحقق السعادة والرخاء للجميع، ولا غرابة في ذلك، خصوصًا إذا ما وضع في الحسبان أنه أهم سماته أنه رباني المصدر، فهو يستمد نظامه وأسسه ومبادئه من هذا الدين، الذي جعله الله تعالى سببًا للصلاح في الأُولى والفلاح في الآخرة، بجانب واقعيته؛ إذ هو يدرك رغبات الإنسان الخاصة فيوازن بينها وبين رغبات الجماعة، فضلًا عن الإنسانية والعالمية.
وأوضح الأمين العام أن العالم يمر حاليًا بظروف استثنائية لم تعاصر الأجيالُ الحالية مثيلًا لها، بدليل تلك الإجراءات والتدابير التي قامت بها جميع الدول، وكان لهذه التدابير آثار سيئة وسلبية في كل الأنشطة، وتشير التقديرات إلى أن العالم يعيش أزمة اقتصادية مؤثرة؛ بل هناك من يتحدث عن ركود اقتصادي عميق يشبه الكساد العظيم الذي عانى منه العالم مطلع القرن الماضي، وعلى رغم ما خلفته أزمة كورونا من كوارث اقتصادية أرهقت كاهل الجميع بما فيها كبريات الدول في العالم والتي لم تستطع الصمود أمام تأثيرات هذا الوباء، إلا أننا تعلَّمنا من الشريعة الإسلامية أنه من المحن تأتي المنح، وأن المسلم الفَطِن لا بد وأن يستفيد مما يواجهه من أزمات فلا يُلدغ المؤمن من جحر مرتين.
ولفت إلى أنه إذا كان اقتصاد الدول قد وقف عاجزًا أمام هذا الوباء العالمي، فإن الإسلام ومفاهيمه في مجال الاقتصاد قد قدَّمت الكثيرَ من الحلول لمواجهة تلك الأزمات، بل وعدم إتاحة الفرصة لها لتنفيذ تأثيراتها على الدول والمجتمعات، وبالعودة إلى ما نادى به الاقتصاد الإسلامي نجد أن كورونا وما خلفته من دروس لفتت انتباه الكثير من المجتمعات إلى أهمية وضرورة تبني هذا النوع من الاقتصاد خلال المرحلة القادمة، وهو ما يمكن تبريره من خلال الوقوف على الجوانب الآتية، عدة جوانب أولها: يتعلق بدعم ثقافة التكافل الاجتماعي داخل كل مجتمع، وهو ما يمكن تحقيقه بتوعية الناس بأهمية التكافل للجميع وهو ما لمسناه جميعًا خلال فترة أزمة كورونا، عندما اضطرت الحكومات والدول لدعوة الناس للتكافل واحتواء غيرهم من الفقراء من أجل مواجهة هذه الأزمة، وهو ما يدعونا جميعًا للاستفادة من ذلك والعمل على تفعيل دور مؤسسات الوقف والاهتمام بالمؤسسات الخيرية وتوسيع نطاق عملها وتشجيع الناس على المساهمة في دعمها.
أما الجانب الثاني: الاعتماد على الذات في الإنتاج وخاصة ما يتعلق بالأمن الغذائي، خاصة وما للاعتماد المباشر على الاستيراد من الخارج وخاصة الغذاء والصحة، من مخاطر تظهر آثارها بشكل أكبر في أوقات الأزمات والأوبئة، وهو ما يمكن مواجهته بتحفيز الجهاز الإنتاجي للدول ودعم المشروعات الصغيرة والحِرَفية، والتنويع في مصادر دخل الدول، وهي استراتيجية اقتصادية لها بالغ الأثر في القضاء على البطالة وتحسين مستوى المعيشة وتحقيق الأمن الغذائي للدول، ولا غضاضة في ذلك أن تكون تلك الأزمة سببًا في تعاون مشترك بين الدول العربية والإسلامية وتفعيل السوق العربية المشتركة بما يحقق استفادة حقيقية لشعوب المنطقة خلال المرحلة المقبلة، فالتكامل والتعاون ضرورة مجتمعية ودينية.
وفيما يتعلق بالجانب الثالث فإنه من بين الدروس كذلك التأثيرات الإيجابية من الناحية الفقهية الاجتهادية، حيث استنهضت الهمم وأعملت العقول للبحث عن أحكام فقهية للواقعة على كل المستويات والجوانب؛ مثل تعطيل الجماعات والجُمُعَات، وإحراق الجثث كما في بعض الدول، والدفن بدون تغسيل للميت.
أما الجانب الرابع فيمثل أهم الجوانب التي يمكن الاستفادة منها نتيجة تأثيرات أزمة كورونا، وهي تتعلق بالاستثمار في التعليم والبحث العلمي، وتخصيص ميزانية أكبر لهذا القطاع، فالإسلام اهتم بصحة الإنسان أيما اهتمام بل ودعا للحفاظ عليها وحمايتها من الهلاك، ولتحقيق ذلك دعت الشريعةُ الإسلامية إلى العلم والتعلم، فلعلَّنا لاحظنا جميعًا ما حدث في هذه الأزمة نتيجة عدم الاهتمام بشكل كافٍ بالبحث العلمي في مجال الصحة، ما أدى إلى تأخر الوصول إلى لقاحات تستطيع مقاومة هذا الوباء الذي تفشى في جميع ربوع الأرض.