أعمى يقود المبصرين.. الاعترافات الكاملة لعمار الشريعي
الله عادل، فحين يأخذ منك إحدى الحواس يمنحك بدلًا منها الكثير، فـ طه حسين الكفيف هو عميد الأدب العربي، ومحمد رفعت الكفيف هو إمام المقرئين، وعمار الشريعي الكفيف هو قبلة الموسيقيين، وهو الذي قال عنه سيد حجاب: "هو واحد من تلك الفصيلة النادرة الرائعة من المجانين العظام، حزمة من المتناقضات المرعبة التي تناغمت وتفاعلت لتعطي ذلك النسيج الإنساني والموسيقي الفريد والمتميز والمدهش".
هو عمار الشريعي الذي درس الأدب الإنجليزي وحمل الأكورديون خلف الراقصات والمطربين والمطربات، وكان يعشق من هاملت وحتى مجاذيب السيدة، ومن الموسيقى القبطية إلى صوت العندليب محمد رفعت، ومن سميفونيات بيتهوفن إلى تواشيح علي محمود، ومن موسيقى موزارت إلى عبقرية سيد درويش ومحمود الشريف.
- كانت أمي تخاف أن أتزوج راقصة أو أشرب مخدرات
يحكي عمار الشريعي فيقول: "كل الناس عندها نظر، لكن الأهم مَن يملك وجهة النظر، في البدء كانت المحنة كانت عائلتي ترى أن الله ما دام منحهم طفلًا أعمى فلا بد أن يكون مثل طه حسين، وكنت أرى شيئًا آخر، واختلفت مع عائلتي كلها عدا والدي، لأنه كان يتمتع برؤية أعمق ربما لأنه درس في الخارج".
كان الوالد أنفذ بصيرة من الكل، وكان يرى أن العمى في ابنه ما هو إلا شيء استثنائي، فقط يحتاج إلى التشجيع والموهبة، وأن الولد قادر على رؤية الطريق برغم كفاف عينيه، يقول الشريعي: " كان أبي إذا حدث لي موقف يتعلق بفقد بصري تباينت ردود الفعل أما والدتي فتبدأ بالبكاء، وأما والدي فيناقشني مناقشة صريحة وودودة، وهذه المناقشات هي التي فتحت لي طريق الحلم.
تختلف الأحلام وتصطدم بجدران الواقع، فالولد الصغير نشأ وأحب أن يكون وكيل نيابة، ولكن الظلام الذي يحيط به ويلفه من كل اتجاه جعله يعدل عن هذه الرؤية، يقول: " في البداية كنت أريد أن أكون وكيل نيابة، إلا أن ذلك كان مستحيلًا، فقررت أن أكون محاميًا، ورغم ذلك درست الأدب الإنجليزي وانتهت ملحنًا".
تحمل الأمهات قلبًا يتوجع على عكس قلوب الآباء التي تقيس الأمور بروية وصبر، وعمل الابن في الفرق والعزف كان يخوف الأم من مصير مجهول يحمله القدر للابن يقول الشريعي:" كانت أمي تعيش حالة رعب ولا تنام وكانت تخشى أن أتزوج راقصة أو أضبط في قضية مخدرات ولكنها رفعت حظرها عني وخوفها عندما تأكدت من اهتمام الناس بألحاني وحبهم لي.
- تعلمت العزف في المدرسة
الموهبة مثل طوف يركب البحر، وحتما حتما ستصل بصاحبها لبر الأمان، فالشريعي الذي عزف على البيانو وعمره عامين هو الذي كسر الكمان لصعوبته، يحكي الشريعي عن هذه الفترة فيقول:" كان عندنا بيانو عريق، وكنت أعزف عليه السلام الوطني بإصبع واحدة وعمري سنتان، وبعد ذلك تعلمت العزف على الاكورديون في المدرسة، ثم علمت نفسي العزف على العود.
- لا شيء اسمه مصادفة.. إنما هو ترتيب إلهي
لا شئ اسمه مصادفة إنما هو ترتيب إلهي والترتيب الإلهي هو الذي جعل هاني مهنى يغيب يوما واحدا ليعزف الشريعي على الأورج، يقول:" عزفت على الاورج مصادفة، وانقاذا للموقف عندما تغيب هاني مهنى ، أما آلة الكمان فقد جلست 12 ساعة متواصلة أحاول العزف عليها فلم اصل لنتائج مرضية فكسرتها.
- إن كان "علي زعلان" فلدينا الحجار ومنير والحلو
مثلما يوجد الخير والشر، والموت، والأبيض والأسود، توجد الأغاني التافهة والأغاني ذات القيمة، ورصد عمار الشريعي تلك الأغاني وذكرها في حوار مع هشام ابو مندور في جريدة الأهالي، يقول الشريعي:" استمعت لأغنية "علي مبسوط.. علي زعلان.. خد مراته وسافر اسوان"، ولا أعرف كيف يكون باقي يومي وقد استمعت إليها في أول النهار، هي ظواهر مقلقة ولكنها موجودة، ورغم ذلك فهناك علي الحجار ومحمد الحلو ومحمد منير وهي أصوات قوية وقادرة وهناك مدحت صالح يغني في منطقة خاصة به كما ان هناك سوزان عطية صوت كفء وقادر.
- قالوا في عمار الشريعي
تحدث الكثيرين من عباقرة الموسيقى والشعر والتأليف عن الموهبة الاستثنائية عمار الشريعي فقال حسين كمال: "أنا أشعر أن عمار "يرى" موسيقاه"، وقال كمال الطويل:" عمار حقيقة فنية مؤكدة، ولا تحتاج إلى شهادة من أحد"، وقال سيد حجاب:" حينما يلحن الشريعي أشعاري أحس كأنني أسمعها لأول مرة حسه الأدبي الرفيع ينفذ إلى أسرار الشعر فيصنع له الثوب التعبيري على القد والمقاس.