خبير آثار يرصد تاريخ «مدفع رمضان» بمناسبة عودته ليطلق من جديد
تنطلق مع آذان المغرب، اليوم، "أول أيام شهر رمضان" بعد فترة توقف قاربت الثلاثين عاما، أول طلقة من مدفع رمضان من ساحة متحف الشرطة بقلعة صلاح الدين الأيوبي بالقاهرة، وذلك بعد انتهاء وزارة السياحة والآثار من أعمال ترميمه واستخدام تقنيات حديثة عن طريق إطلاق شعاع ليزر بجوار المدفع ليصل لمسافة بعيدة.
ومن المقرر أن يضرب المدفع من جديد لحظة غروب الشمس وعند موعد الإفطار، وذلك كل يوم طوال شهر رمضان، وفقا لما أعلنته وزارة السياحة والآثار.
وعن تاريخ مدفع رمضان، قال الدكتور عبد الرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمي بمناطق آثار جنوب سيناء بوزارة السياحة والآثار- في تصريح لوكالة أنباء الشرق الأوسط، اليوم الثلاثاء - إن القاهرة هي أول مدينة إسلامية تستخدم هذه الوسيلة عند الغروب إيذانًا بالإفطار في شهر رمضان.
وعرض ريحان أبرز روايات ظهور المدفع في القاهرة، منها الصدفة ففي أول يوم رمضان عام 859هـ / 1455م كان والي مصر في هذه الفترة الوالي المملوكي "خوشقدم" قد تلقى مدفعا كهدية من صاحب مصنع ألماني فأمر بتجربته، وتصادف ذلك الوقت مع غروب الشمس فظن سكان القاهرة إن ذلك إيذانًا لهم بالإفطار، وفي اليوم التالي توجه مشايخ الحارات والطوائف إلي بيت الوالي؛ لشكره على هديته لسكان القاهرة.
وأضاف أنه لما عرف الوالي الحكاية أعجب بذلك، وأمر بإطلاق المدفع عند غروب الشمس في كل يوم من أيام رمضان، واستمر هذا الأمر إلى يومنا هذا.
وتابع ريحان لما توقف المدفع عن الإطلاق ذهب العلماء والأعيان لمقابلة السلطان لطلب استمرار عمل المدفع في رمضان فلم يجدوه والتقوا زوجة السلطان التي كانت تدعى (الحاجة فاطمة) التي نقلت طلبهم للسلطان فوافق عليه فأطلق بعض الأهالي اسم (الحاجة فاطمة) على المدفع.
وأوضح أن من بين الروايات قيام والي مصر محمد علي الكبير بشراء عدد كبير من المدافع الحربية الحديثة في إطار خطته لبناء جيش مصري قوي، وفي يوم من الأيام الرمضانية كانت تجرى الاستعدادات لإطلاق أحد هذه المدافع كنوع من التجربة، فانطلق صوت المدفع مدويًا في نفس لحظة غروب الشمس وأذان المغرب من فوق القلعة فتصور الصائمون أن هذا تقليد جديد واعتادوا عليه وسألوا الحاكم أن يستمر هذا التقليد خلال شهر رمضان في وقت الإفطار والسحور فوافق.
وأكد الدكتور ريحان أن المدفع استمر يعمل بالذخيرة الحية حتى عام 1859م، ولكن امتداد العمران حول مكان المدفع قرب القلعة وظهور جيل جديد من المدافع التي تعمل بالذخيرة "الفشنك" غير الحقيقية أدى إلى الاستغناء عن الذخيرة الحية، كما كانت هناك شكاوى من تأثير الذخيرة الحية على مباني القلعة الشهيرة، ولذلك تم نقل المدفع من القلعة إلى نقطة الإطفاء في منطقة الدراسة القريبة من الأزهر الشريف، ثم نقل مرة ثالثة إلى منطقة مدينة البعوث قرب جامعة الأزهر.
وكشف عن وجود ٦ مدافع في القاهرة حتى وقت قريب موزعة على أربعة مواقع (اثنان في القلعة)، و(اثنان في العباسية)، و(واحد في مصر الجديدة)، و(آخر في حلوان)، تطلق مرة واحدة من أماكن مختلفة بالقاهرة حتى يسمعها كل سكانها.
وأشار إلى أن هذه المدافع كانت تخرج في صباح أول يوم من رمضان في سيارات المطافئ لتأخذ أماكنها المعروفة، ولم تكن هذه المدافع تخرج من مكانها إلا في خمس مناسبات وهي (رمضان والمولد النبوي وعيد الأضحى ورأس السنة الهجرية وعيد الثورة) وكان خروجها في هذه المناسبات يتم في احتفال كبير، حيث تحمل على سيارات تشدها الخيول، وكان يراعى دائما أن يكون هناك مدفعان في كل من القلعة والعباسية خوفا من تعطل أحدهما.
وعن توقف المدفع، قال الدكتور ريحان إن إطلاق المدفع توقف في بعض الأعوام بسبب الحروب (الاستنزاف وأكتوبر) مما أدى إلى إهمال عمل المدفع حتى عام 1983م عندما صدر قرار من وزير الداخلية المصري بإعادة إطلاق المدفع مرة أخرى، ومن فوق قلعة صلاح الدين الأثرية جنوب القاهرة، ولكن استمرار شكوى الأثريين من تدهور حال القلعة وتأثر أحجارها بسبب صوت المدفع أدى لنقله من مكانه، خصوصًا أن المنطقة بها عدة آثار إسلامية مهمة.
وأضاف أنه حتى رمضان الماضي كان يطلق المدفع من فوق هضبة المقطم، وهي منطقة قريبة من القلعة، ونصبت مدافع أخرى في أماكن مختلفة من المحافظات المصرية.
وأوضح ريحانأنه يقوم على خدمة المدفع أربعة من رجال الأمن الذين يعدون البارود كل يوم مرتين لإطلاق المدفع لحظة الإفطار ولحظة الإمساك، ومن اليوم سيطلق المدفع من قلعة صلاح الدين بالقاهرة قلب العالم الإسلامى بعد ترميمه واستخدام تقنيات حديثة لعدم تأثيره على القلعة.