«طوق نجاة».. قانون يحمي الفتيات من الزواج القسري ويدعمه من ذاق مره
عدد كبير ممن يعملن في المجال الحقوقي المناهض للزواج القسري، كانوا قد عانين من هذه الآفة المجتمعية إما بشكل شخصي أو لمسن إياه في الدوائر المحيطة الضيقة، ومن بين هؤلاء "زينة.ع " والتي قام والدها بتزويجها في سن الـسادسة عشر خوفًا من شبح العنوسة الذي طارد أختها الكبرى لتزوجها بعد الثلاثين، وسن العريس الذي كان يكبر والدها بنحو خمس أعوام لم يشغل بال أسرتها، حيث وعدهم أن تعيش في رخاء وسيمنحهم ٥ أفدنة كمؤخر صداق، لكن تحول الأمر فعاشت حالة من الخوف، حيث تروي "زينة" أنه من اللحظة الأولى لدخولها المنزل معه وحدهما تملكتها حالة من الرعب والتوجس.
تذكر أن الخوف بلغ ذروته بعد إجبارها على معاشرته، الشيء التي لم تكن تفهمه ولا تفهم كيف يتم، لذا حاولت بعد مرور سنة على تزويجها الانتحار، للتخلص من منزل الزوجية فهي لم تتقبل زوج أرمل يكبرها سنا، ولم تتمكن من العيش كسيدة منزل، تتحمل مجموعة من المسؤوليات، فحاولت الانتحار وعندما فشلت محاولتها انتظرت حتى وصلت للسن القانوني وتقدمت برفع قضية خلع ضد زوجها، وبعد الحكم لها أكملت تعليمها الثانوي ثم درست الحقوق، لتكافح وتثبت حق الفتاة في الزواج عند سن مناسب بقرار منها، وتتعامل بشكل مباشر مع خط نجدة الطفل كي يتدخلوا مباشرة في إغاثة عدد من الحالات.
وتوضح أن أكثر عقبة تعرقل نشاطها وتحول دون إنقاذ الفتيات في بلدتها _العياط بالجيزة _ هو وجود آراء دينية تحض من تحديد سن الزواج سواء للشاب أو الفتاة، بحجة أنه سنة كونية يحددها القدرة والنضج البدني وليس تاريخ.
أستاذ الشريعة والقانون: دعوات رفض قانون تحديد تمسك بجهل يسمح بنخاسة المرأة
الأصوات التي بدأت تعلو كي تعارض مشروع القانون الذي نحن بصدده الأن تستخدم الدين كذريعة، لذا تواصلنا مع الدكتور محمد دويدار الأستاذ بكلية الشريعة والقانون، جامعة الأزهر، والذي أوضح أن الشرع في مقاصده يقدم حفظ النفس على كل أموره، والخبرة المتراكمة لدينا من تزويج القصر أثبتت مما لا شك فيه أنه يضر بالصحة الجسدية والنفسية للأنثى، وإهن كنا نستخدم العرف للتشريع، فهذا ليس مقتصرًا على العرف الخاص لكل قبيلة أو عزبة أو قرية أو نجع أو تجمع على حدة، إنما هو العرف العام الذي تعارف عليه القوم، وإن لم يسنوه قانونًا، فما بالكم إذا تعارف عليه القوم وسنوه قانونًا أو أقرته مجالسهم النيابية، في ضوء الدستور الذي اصطلحوا عليه وارتضوه لتسيير شؤون حياتهم وتنظيم حركتها، ناهيك عما قرره الشرع من حق الحاكم في تقييد المباح للمصلحة المعتبرة بما لا يتعارض مع نص صريح قطعي الثبوت والدلالة، ومن هنا فأي دعوات لإبطال فهي تشبث بجهل وباطل.
وأكمل " دويدار" أن هناك وقائع وقصص كثيرة لا يكون الغرض من تزويج الفتاة جبرًا هو سترتها أو تأسيس حياة خاصة بها، لكن هناك الكثير من يتاجر بحياة ابنته للحصور على مهر كبير وفي حال فشل الزيجة يتربح بمؤخر الصداق آي " نخاسة مقننة" وهو ما نهت الأديان عنه، وحتى الشاب من الواجب ألا يسمح له بالزواج دون سن معينة، ومن يستخدم الباءة كحجة للقدرة على الوفاء بحق الزواج، فإن الأمر بلا شك لا يمكن أن يحصر أو يقصر في القدرة والطاقة الجنسية، إنما هو القدرة العامة على الحياة الزوجية، بما تفتضيه وتطلبه من تبعات اقتصادية ومسئوليات اجتماعية نظلم أبناءنا وبناتنا ظلمًا كبيرًا إن حملناهم إياها دون احتمالهم لها أو قدرتهم على هذا الاحتمال أو حتى مجرد إدراكهم لما يقتضيه واجب كل من الزوجين تجاه الآخر من حقوق وواجبات ومسئوليات، والاخلال بذلك هو سر حالات الطلاق المرتفعة بين الشباب المتزوجين حديثًا لعدم تأهيلهم وتهيئتهم بالقدر الكافي وإدراك كل منهم لما تتطلبه وتقتضيه حقوق بناء الأسرة السوية كأساس لبناء مجتمع سوي متماسك قادر على صنع الحضارة واقتحام عباب الحياة الصعبة.
نجاة: كفنت ابنتي بدلًا من تزينها بالفستان الأبيض
مآساة زواج القاصرات لا تنتهي عند العيش الضنك أو إقحام الفتاة في حياة لا تناسب سنها لكن قد تؤدي بها إلى الوفاة، وهذا ما أصاب " حنان.م"، صاحبة الخمس عشر عاما، والتي تروي والداتها حكايتها، والتي بدأت بإصرار عمها على تزويج الطفلة مبكرًا لوفاة الأب وعدم رغبته في تحمل نفاقات تعليمها، وبالفعل قد نهت علاقتها بالمدرسة بعد الصف الأول الإعدادي.
تروي " نجاة" _الأم_ أن إجراءات الزواج تمت بشكل عرفي غير موثق وقد مضى الزوج صاحب ال45 عاما على إقرار بتوثيقه بعد بلوغها السن القانونية، لم يمض عام حتى حملت في طفلها الأول.
لم تخضع لمتابعة طبية في فترة الحمل، خوفًا من إبلاغ أي طبيب بالواقعة عند ترددهم عليه، لكن لوهن جسمها حدث معها مضعافات عديدة، تجلت لحظة الولادة، فأصيبت بنزيف حاد وانفجار في الرحم أدى للوفاة، ما أشعر " نجاة" بالذنب.
الأن تجوب والدتها القرى لتوعية الأهالي بأضرار تكرار ما حدث مع بناتهن حاملة شعار" ما يحسش بالنار غير كابشها"، ويستنجد بها الفتيات حينما يجبرن على الزواج، وأحيانًا تنجح والغالبية تفشل لعدم امتلاكها سلطة قانونية لتفعيل ذلك رغم أنها تصطحب عمدة البلد، لكن الأن بعد إعلان الرئيس السيسي عند إصدار قانون بتحديد سن الزواج ستعمل على التوعية المجتمعية بين الأهالي.