«نعشق سماعها».. مسيحيون تربوا على صوت إذاعة القرآن الكريم
بعد الانتفاضة المجتمعية التي اتبعت الفيديو الذي انتشر لشاب ممثل ومذيع يدعى محمد أشرف إثر سخريته على مقدمي إذاعة القرآن الكريم وطريقتهم بالأداء الإذاعي، والذي أثار موجة عارمة من غضب المسلمين، لما اعتبروه سخرية واستهزاءً بواحدة من أعظم الإذاعات المصرية، والتي تمثل رمزًا من الرموز الباثة للمحتوى الإسلامي، مطالبين بتوقيع أشد العقوبات على هذا الشاب.
يبدو أن ذلك الفيديو لم يثر غضب المسلمين فقط، بل على الجانب الآخر تسبب في انتفاضة كثير من المواطنين المسيحيين الذين كشفوا عن حبهم العميق لإذاعة القرآن الكريم بل وارتباطهم الروحي بها وببرامجها وأصوات مقدميها.
وفي مظاهرة حب لإذاعة القرآن الكريم، تواصلت"الدستور" مع بعض المواطنين المسيحيين، الذين لم يقل غضبهم وغيرتهم على الإذاعة الكريمة من الفيديو الساخر من المسلمين المستنفرين منه.
ـ مينا جرجس: أذوب عشقًا بصوت الشيخ محمد رفعت
صوت الشيخ محمد رفعت الساعة السابعة صباحًا عبر أثير إذاعة القرآن الكريم، هو ذلك الصوت الملائكي الذي اعتدت الاستيقاظ عليه يوميًا، فأصبح سماعه لي أحد الطقوس التي لا أستطيع التخلى عنها، والتي تشعرني بفيض من مشاعر الراحة والطمأنينة غير العادية فأصبحت أذوب فيه عشقًا"، تلك كانت كلمات مينا جرجس- 36 عامًا- موظف بشركة إتصالات ومقيم بحي شبرا بالقاهرة، موضحًا أن إذاعة القرآن الكريم بالنسبة له لا تمثل مجرد إذاعة عادية، ولكنها أصبحت جزءًا لا يتجزأ من نسيج المجتمع المصري بكل طوائفه وليس المسلمين فقط.
يقول: "بشارعنا تستطيع أن ترى التلاحم القوي بين المسيحيين والمسلمين، فبمجرد السير فيه تسمع صوت أجراس الكنيسة مع صوت الآذان من المسجد، وبين هذه الأوقات تخرج أصوات إذاعة القرآن الكريم من هنا وهناك لتضفي على الجو تلك الروحانيات الدافئة التي يشعر بها المسيحي والمسلم على السواء"، موضحًا أن مجاورته هو وأسرته منذ الطفولة للعديد من المسلمين لسنوات طوال في حي شبرا الذي ولد وعاش به جعلته يعشق جميع المظاهر التي تعبر عن الدين الإسلامي، ويكن لها بالغ الاحترام، بما فيها إذاعة القرآن الكريم التي ارتبطت لديه بصوت الشيخ محمد رفعت وتلاوته المعتادة في تمام الساعة السابعة صباحًا، تلك التلاوة التي وصفها بالملائكية.
ليؤكد أن ولعه بها هو حال الكثيرين من المسيحيين الآخرين الذين ارتبطت معهم تلك الإذاعة ببرامجها وأصوات مذيعيها بذكريات جميلة منذ الطفولة، لذا عبر مينا عن أنه من العار المجتمعي أن يتعرض هذا الرمز الإذاعي لفكرة السخرية من قريب أو من بعيد.
ـ مجدي جرجس: ورثت عن والدي عشق النقشبندي
يتذكر مجدي أمين جرجس- 56 عامًا- ابن حي مصر القديمة ذكرياته مع إذاعة القرآن الكريم، وتحديدًا مع تواشيح الشيخ النقشبندي، الذي وصف سماعه بالعشق الذي نشأ في قلبه منذ طفولته نظرًا لعشق أبيه أيضًا له، موضحًا أن أباه اعتاد سماع صوت النقشبندي عبر إذاعة القرآن الكريم، وكان يفتح جهاز "الراديو" ويضبطه على الإذاعة خصيصًا لسماعه، ويظل يستمع له، إلى الدرجة التي فيها كثيرًا ما تترقرق عيناه بالدموع من فرط الروحانيات التي يشعر بها أثناء إلقائه التواشيح في محبة الله.
انتقل إلى الطفل مجدي هذا العشق بالفطرة ليصبح يعيد ما وجد أباه يفعله، فأخذ هو الآخر يحرص على سماع صوت الشيخ عبر هذه الإذاعة التي ارتبطت بذكرياته مع أبيه، ليترقب صوت النقشبندي من خلالها وخاصة في شهر رمضان المبارك الذي فيه تذوب جميع الروحانيات المختلطة بين المسلمين والمسيحيين لتعزف أرقى معاني السمو الديني وتكون فيه إذاعة القرآن الكريم إحدى الوسائل التي جمعت تلك الروحانيات بين مسيحيين الحي ومسلميه.
ـ جانيت عوض: تعلمت اللغة العربية من مذيعيها
"تعلمت اللغة العربية وأصولها من خلال برامج إذاعة القرآن الكريم".. تقولها جانيت عوض- 32 عامًا- إحدى أبناء حي الضاهر بالقاهرة، والتي تعمل معلمة بإحدى المدارس الفرنسية، تقول: "أحببت اللغة العربية من خلال مقدمي الإذاعة ونطقهم السليم الشيق للغة، والذي يتمتع بأرقى أساليب الأداء الإذاعي بل وحفظت كثيرًا من أسمائهم، وأستطيع تمييز كل صوت عن الآخر وتحديد البرنامج الذي يقدمه"، موضحة أنها ولدت بحي الضاهر الشهير والذي يضم بين جنباته الكثير من المواطنين المسيحيين والمسلمين جنبًا إلى جنب، وجاء اكتسابها لإتقان اللغة من سماعها المتكرر للإذاعة بحكم مجاورة أسرتها السكن منذ الطفولة لجيران مسلمين، والذين كثيرًا ما تخرج أصوات الإذاعة من منازلهم مما جعلها ترتبط عشقًا بأصوات مذيعها وطريقة نطقهم للعربية الفصحى أثناء تقديمهم للبرامج.
بل تطور الأمر معها إلى متابعتها لواحد من تلك البرامج التي تعلم النطق السليم للغة من خلال تلاوة القرآن الكريم بالإذاعة، فكانت سورة يس بالنسبة لها واحدة من السور المفضلة لتعلم اللغة فقامت بحفظها، وتعلمت منها قواعد اللغة العربية، تلك اللغة التي مثلت لها يومًا واحدة من أصعب المواد الدراسية ليتحول الأمر إلى عشق هذه اللغة بسبب الإذاعة العريقة.
تتابع جانيت أنها إضافة إلى ذلك فعند سماعها صوت أحد برامج إذاعة القرآن الكريم تشعر براحة وطمأنينة وجو من الروحانيات، لا يوصف يزيد بها الوازع الديني ويقربها أكثر إلى الله قائلة: "كلنا نسيج واحد وكلنا نعبد ربا واحدا، وجميعنا فطر على التدين واحترام جميع الأديان السماوية"، مؤكدة أن الإساءة التي تعرضت لها إذاعة القرآن الكريم تعد إساءة للمجتمع المصري كله وليس لمسلميه فقط، لذا طالبت جانيت بتشديد العقوبة على كل من تسول نفسه بالإساءة إلى هذه الإذاعة التي تمثل أحد الرموز المصرية وليست الدينية فقط.