ناصر عراق: جمال عبدالناصر يمثل أيقونة ذهبية مصرية
عن الذكرى الخمسين لرحيل جمال عبدالناصر، قال الروائي ناصر عراق في تصريحات خاصة لــ"الدستور": في ظني أن جمال عبدالناصر يمثل أيقونة ذهبية مصرية اكتسبت حضورها الطاغي من قرن إلى آخر لسبعة أسباب رئيسة هي: طرد الاحتلال الإنجليزي الذي دام 72 سنة. طرد الملك فاروق من عرين السلطة، وهو آخر سلسلة أسرة محمد علي الألبانية. أنجز عبدالناصر قدرًا كبيرًا من العدالة الاجتماعية بعد مئات من القرون التي عاشها معظم المصريين في ظلم وفقر وجهل واضطهاد من قبل حكامهم الأجانب وحاشيتهم. إتاحة التعليم الجيد حتى الجامعة لملايين المصريين بالمجان.
وأردف: تعزيز الفنون والآداب بكثافة وتوفيرها لملايين الناس بأسعار زهيدة جدًا (على سبيل المثال... أنتجت السينما المصرية في عهد عبدالناصر نحو 700 فيلم جيد وممتاز من نحو 3000 آلاف فيلم تقريبًا تم تنفيذها في القرن العشرين، أي ثلث الإنتاج السينمائي المصري تقريبًا، فضلًا عن آلاف الأغنيات العاطفية والوصفية الراقية التي ترنم بها عشرات المطربين المتفردين من عبدالحليم وشادية ونجاة وصباح حتى محمد رشدي ومحرم فؤاد وفايزة أحمد وشريفة فاضل وماهر العطار وغيرهم، ولن نتكلم عن أم كلثوم وعبدالوهاب، دعك الآن من الأغنيات الوطنية حتى لا يزعم أحد أنها نفذت بالأوامر! علاوة على مئات المسرحيات الجميلة التي كتبت وعرضت في عهد جمال... ولا تنس تأسيس وزارة الثقافة وأكاديمية الفنون ومعاهد السينما والباليه والفنون الشعبية... إلى آخره).
تكريس مفهوم الاستقلال الوطني القادر على تحقيق نهضة اجتماعية شاملة. العمل بدأب على تشييد المشروعات العملاقة وعلى رأسها السد العالي الذي مازال يحمي المصريين من جبروت الطبيعة وجنونها إذا فاض النيل أكثر مما ينبغي.
هذه الإنجازات المدهشة لا تنفي أن تجربة عبدالناصر شابتها عيوب كثيرة مؤسفة أخطرها تأميم الحياة السياسية وإلغاء الأحزاب، الأمر الذي جعل من جاءوا بعده لا يتورعون عن تبديد هذه الإنجازات الواحد تلو الآخر بدون مقاومة شعبية تذكر، لأن الحزب السياسي الناضج هو أمضى سلاح توصل إليه الإنسان للتعبير عن مصالحه الاجتماعية والاقتصادية، وهكذا عاش المصريون بدون أحزاب سياسية ذات شأن في زمن عبدالناصر وما تلاه.
صحيح أننا امتلكنا تجربة حزبية في العهد الملكي، لكنها كانت تجربة محدودة للغاية لم تؤثر كثيرًا في عقول الملايين ووجدانهم، وإلا ما استطاع ضباط يوليو إلغاءها بجرة قلم!
ومع مرور الأيام ينسى الناس سلبيات عبدالناصر ويتذكرون بكل حب وإجلال إيجابياته الكثيرة، خاصة عندما يصبح الواقع الحالي بالغ المرارة على المستويات كلها.
واختتم: يبقى عامل آخر مهم يعزز حضور الزعيم في الوجدان الجمعي للملايين ويتمثل في جسده العملاق المهيب بملامحه الطيبة الجادة غير المتجهمة، فضلًا عن نزاهته وزهده في المال وهيلمان السلطة، فلم يستغل منصبه المرموق في (الاستمتاع بلذائذ الحياة) فعاش مثل الملايين في الملبس والمأكل، فلم يقطن القصور ولم يتفاخر بالثياب، لذا بكته الملايين بحرقة عند رحيله، ووضعوه في أكرم ركن في قلوبهم ليتذكروه بكل مودة وتقدير واحترام كلما هلّ يوم الثامن والعشرين من سبتمبر من كل عام.