فكرى داود: لم أر دموع والدى إلا فى يوم وفاة عبدالناصر
نصف قرن على الرحيل لكنه مازال باق في الوعي الجمعي المصري٬ مازالت صوره تزين حوائط بيوت ومحلات المصريين٬ حتى من اختلفوا معه أو مع سياساته مازالوا يحملون له الود والمحبة. إنه الزعيم جمال عبد الناصر والذي يمر اليوم خمسين عام علي مفارقته عالمنا.
استطلعت الــ"الدستور" آراء الكتاب والمثقفين حول حضور "ناصر" رغم غياب الجسد٬ ولماذا هذا الوهج ساري حتى الآن.
وفي هذا الصدد يقول الروائي فكري داود: "سيبقى عبد الناصر في وجدان التاريخ حيا لايموت، حتى بين معارضيه، فهو شئنا أوأبينا سيظل أيقونة الحلم الذي بات مستحيلا ربما، حلم القومية العربية، لما يكتنف المشهد العربي الآني من تفسخ وتشرذم، نتيجة انتفاخ بعض الأنظمة العربية، التي لايعرف أحد من أين أتاها هذا الشعور بالأهمية، ونتيجة ما أصاب البعض الآخر مما سمي بالربيع العربي، أعتقد أن عبد الناصر لو كان موجودًا، ما تجرأت تلك الأنظمة على رفع رأسها عن الأرض".
وأردف:" سيظل جمال عبد الناصر في وجدان كل منصف مصري عاصر أوتأثر بمردود رؤيته وقراراته – ومن معه – التي لازال أثرها ساريا حتى اليوم، والتي أحدثت انقلابا جذريا في بنية المجتمع المصري قاطبة لاسيما الفقراء والمشتغلين بالزراعة، وقد تناولت ذلك إبداعيا في رباعية روائية بعنوان (دروب الفضفضة)، وكذلك في روايتي (الشوك والياسمين، وخلخلة الجذور)".
وتابع:" سأكتفي هنا بالإشارة إلى قرارين هامين ضمن قرارات عديدة أعقبت ثورة 1952، أقصد قرار تحديد ملكية الأرض بالنسبة للإقطاعيين وملاك الأرض والوسايا والأبعاديات، وتوزيع أفدنتها على العاملين فيها من الشغيلة والعاملين بها من طلعة الفجر حتى غطسة الشمس، بلا مقابل سوى القليل من بقايا طرح الأرض من حبوب أو غير ذلك، وبهذا القرار صار الشغيلة ملاكا للأرض، بموجب خمسة أفدنة لكل شغيل، برع غالبا في زراعتها واستغلالها، فتحسنت حاله وبنى البيت الجديد وزوج أبناءه واسترد كرامته شيئا فشيئا".
وأشار إلى أن القرار الثاني الذي اختار الإشارة إليه فهو مجانية التعليم حتى الجامعة، فأتيح للفلاح البسيط ولكل فئات المجتمع من العمال والفقراء تعليم أبنائهم حتى الجامعة، فصار بينهم الطبيب والمهندس والمحامي والمعلم وغير ذلك، فتغيرت خريطة المجتمع واتسعت مساحة التطلعات لدى الجميع.
وتابع: "رغم أن والدي كان تاجرا وعاملا بسيطا آنذاك، ولم يكن من مفلحي الأرض، ولم ينل نصيبا من توزيعتها الجديدة، فإن أعمامه وأخوته نالوا أنصبة جعلتهم لاحقا من الأعيان، لدرجة أن أحد أعمامي ظل يرد دائما بأن عبد الناصر هو والده الذي ورَّثه وملَّكه، فوالده الحقيقي الفقير وقتها لم يورثه شيئا".
وأكد: "بقى وسيبقى عبد الناصر، لأنه كان قادرا على جمع الأمة حول مشاريع قومية محلية كالسد العالي، أوعربية كالوحدة العربية – الجمهورية العربية المتحدة نموذجا".
وعن ذكرى وفاة الزعيم الراحل قال:" لقد كنت طفلا عندما توفى عبد الناصر، لكنني لن أنسى أبدا الجنازة الشكلية، التي نظمتها المدارس لعبد الناصر وهي تجوب شوارع قريتنا٬ ولن أنسى أيضا أنني لم أر دموع والدي أبدا إلا في هذا اليوم".