ليلة دمار بيروت.. شهادات خاصة من قلب جحيم المرفأ
كان يومًا هادئًا منذ طلّعة الشمس الأولى، يسير المارّة باعتيادية بجانب مرفأ بيروت في لبنان، من بينهم أحمد الأزهري، مواطن لبناني يقطن بالقرب من ميناء رسو السفن، لم يكن يشغل باله في تلك اللحظة سوى نكبة بيروت وما ألت إليه الأوضاع الاقتصادية مؤخرًا.
إلا أن نكبة آخرى كانت تختبأ لأهالي باريس الشرق، إذ فوجىء أثناء سيره باختلال الأرض من تحت قدميه، وموجة عنيفة يصفها «كأن صاعقة من الله شقّت مياه البحر»، لم يدر بنفسه سوى وهو يختبئ في أحد المحال التي تحطمت واجهتها الزجاجية على رأس صاحبها.
انفجار بيروت أول أمس، خلف 100 قتيل وأكثر من 4 آلاف جريح، وفتح جرحًا جديدًا لتلك البلد المنكوب، فالمشاهد المتسربة أقل بشاعة وعنف ممن شاهدوا ما حدث على الأرض، سواء القاطنين بالقرب من موقع الانفجار بمستودع مرفأ أو أصحاب السفن.
قال الأزهري: «أثناء السير بجانب المستودع على بُعد كاف منه، شاهدت دخانا أسود وشفقا أحمر ملتهبا آت من ميناء بيروت يغطي السماء، ظننته قصف إسرائيلي جديد، وظلت الأدخنة ترتفع وبدأت تجمعات من بُعد كاف لمدة دقائق عديدة والجميع في انتظار فرق الإنقاذ».
سمع اللبناني، صوت انفجار ضخم هزّ الأرض بقوة، وحطم المحال وسقط هو على الأرض، من عنف الانفجار: «ظننت في البداية أنه انفجار عاديًا لمستودع المواد المتفجرة هناك، لكن بعدما شاهدت الانفجار داخل مياه البحر خشيت أن يكون هول يوم القيامة قد آتى».
و وصف أحمد المشهد: «الرعب كان صعبًا للغاية، والانفجار كان كارثيا لم نشهد مثله من قبل ولم تشهد دولة عربية انفجارا مثله، فنحن وطن اعتاد على القصف والتفجيرات لكن ذلك التفجير لم يكن اعتياديًا نهائيًا، فمن شدته هزّ البيوت وأنار السماء بلون الدماء».
وتابع: «بدأ كل من في الشارع يحمي الأطفال والنساء ويحاول قدر الإمكان إدخالهم المحال أو العقارات، تحسبًا لانفجارات آخرى متتالية، فقد كانت حقًا ليلة دامية لم نشاهد مثلها من قبل ولن ننساها فالخسائر البشرية والمادية لا تعد ولا تحصى».
فيما كان حال مريم خان، لبنانية تقطن بالقرب من مرفأ بيروت، أصعب إذ أصيبت بالصمم جراء شدة الانفجار، تحكي: «لم أشعر بما حدث إلا بعد صعود أدخنة النيران وتخيلت أنه قصفًا عاديًا، وكنت أوثقه بالتصوير من نافذة منزلي حتى فوجئت بالانفجار العنيف».
وأضافت: «الانفجار هزّ لبنان بأكمله وليس بيروت فقط، بدأ بنور ضخم ساطع يعمي الأعين، ثم انفجار وصل إلى عنان السماء، ثم موجة انفجارية تشبه الانفجار النووي، وسحابة دخان ضخمة ونيران برتقالية غطت السماء».
سقطت مريم على الأرض برفقة أمها في المرحلة الثالثة من الموجة الصوتية للانفجار والتي كانت أعنف بحد وصفها، دمرت زجاج المنزل والسيارات وواجهات المحال والفنادق، وسببت لها صمما مؤقتا من شدة الصوت وقربه.
حميد.أ، شاهد آخر على ليلة بيروت الدامية، وأحد أطقم الباخرة «رؤوف»، التي كانت في مرسى الميناء وقت الانفجار بمرفأ، يقول: «شاهدنا في البداية دخانا متصاعدا من المستودع القديم المتواجد هنا منذ 40 عامًا ويحوي مفرقعات».
وأضاف حميد: «مع الدخان استمررنا في عملنا ولم نأبه به، ولكن فجأة لم أشعر بنفسي إلا وأنا ملقى على الأرض التي اهتزت بشدة، وغبت عن الوعي فترة لا أعلم مداها، استيقظت على هول المشهد بعد الانفجار المروع».
واختتم: «أصدقائي الثلاثة عشر من طاقم السفينة كانوا ملقون على الأرض، منهم من أصبح أشلاء والباقي منهم ينزف بشدة، وأصبت بجرح قطعي في جنبي الأيسر، ووجدت الباخرة مدمرة نهائيًا ولا يوجد منها سوى بقايا فقط».