قصة 43 يومًا صارعت فيها رجاء الجداوي الموت "رحلة سفيرة الأناقة"
رحيل رجاء الجداوي ليس مجرد وفاة لفنانة قديرة، بل هو غياب لزمن إبداعى كامل وقيمة إنسانية وحضارية من الطراز الأول.. فما بين صعودها الفنى قبل عقود طويلة ورحيلها المأساوى متأثرة بالإصابة بفيروس كورونا فى مستشفى العزل بالإسماعيلية، مشوار طويل من العبقرية والتمثيل المشرف لبلدها على المستويات الفنية والاجتماعية، حتى صارت تُلقب بين الأوساط المختلفة بـ«سفيرة الأناقة».
رجاء الجداوي
قصة الرحيل بدأت فى الرابع والعشرين من شهر مايو الماضى، حين تم اكتشاف إصابة الفنانة القديرة بالفيروس، عقب شعورها ببعض أعراضه، وتم نقلها داخل عربة إسعاف مجهزة إلى مستشفى عزل أبوخليفة، وكانت حالتها حينها غير مستقرة، وتم حجزها بغرفة فى قسم الـ«vib»، حسب مصادر خاصة داخل المستشفى.
وقالت المصادر إن الطاقم الطبى استعد لاستقبالها قبل وصولها، واتخذ جميع الإجراءات الطبية اللازمة، وحين وصلت كانت تعانى من ارتفاع درجة الحرارة وضيق فى التنفس، وتم إخضاعها إلى عدة فحوصات وتحاليل، وبعد ٣ ساعات من مكوثها داخل المستشفى، استقرت درجة حرارتها.
وذكرت أن المستشفى أجرى فحوصات لها بعد اختفاء بعض الأعراض، حيث تراوحت حرارتها بين ٣٨ و٣٧ درجة، لكن بعد مدة تدهورت حالتها مرة أخرى، وخضعت لتحليل أثبت استمرار إيجابية الإصابة، مشيرة إلى أن الفنانة انتقلت لغرفة العناية المركزة فى الرابعة من صباح اليوم الثانى من شهر يونيو، بعدما تدهورت حالتها الصحية أكثر، حيث شعرت بضيق فى التنفس وألم فى الصدر وصداع فى الرأس، ودوخة، وعانت من نقص فى نسبة الأكسجين فى الدم، حيث تراوحت نسبته بين ٨٧ و٨٩.
رجاء الجداوي
وأضافت أنه تم وضع الفنانة على جهاز تنفس صناعى موصل بجهاز ضخ الهواء المستمر الإيجابى للرئتين، والذى يدخل من الأنف أو الفم حتى بداية الحنجرة لضخ الأكسجين للرئتين، وليس عن طريق أنبوبة حنجرية.
وبعدما أعلن الأطباء عن نجاح بلازما المتعافين من الفيروس فى شفاء بعض الحالات، حصلت الفنانة الراحلة على جرعتين من بلازما المتعافين وشهدت حالتها استقرارًا وبدأت فى التحسن التدريجى، إلا أنها ظلت على جهاز تنفس صناعى، موصل بجهاز ضخ الهواء.
وأثبتت نتائج التحليل الثانى الذى أجرته الفنانة داخل المستشفى استمرار إيجابية إصابتها، بعدما أجرت المسحة الأولى فى ٢٧ مايو الماضى، لتدهور حالتها فجر الثانى من يونيو الجارى، وتنتقل بعد ذلك للعناية المركزة.
وكشف عدد من الأطباء المعالجين للفنانة الراحلة عن دخولها فى حالة نفسية سيئة بعدما أثبتت نتائج المسحة الثالثة التى أجرتها استمرار إيجابية الإصابة، موضحين أن الفقيدة كانت تنتظر نتائج تلك المسحة، لتكون دافعًا قويًا فى علاجها، إلا أن نتيجتها أثرت على روحها المعنوية ونفسيتها، ما أثر بدوره على علاجها.
وبعد إجراء المسحة الثالثة، قال الطاقم الطبى المعالج إنه لن تجرى مسحات جديدة للفنانة، وإن شفاء «الجداوى» من الفيروس ليس ما يشغل بالهم حاليًا، لكن الأهم بالنسبة لهم هو استعادة الرئة عملها بشكل طبيعى.
وقال الطاقم الطبى إن حالة الفنانة فى تدهور مستمر، وإنها لا تستطيع أن تتنفس دون الأنبوبة الحنجرية الموضوعة فى رئتها، وحال فشل الرئة فى استعادة عملها، سيكون الموت نهاية حتمية.
وفى الخامسة والنصف فجر أمس الأحد، توفيت الفنانة القديرة عن عمر يناهز ٨٦ عامًا، بعد صراع دام نحو ٤٣ يومًا مع المرض داخل مستشفى العزل بأبوخليفة.
وأقيمت عملية تغسيل الفنانة داخل الرعاية المركزة بمستشفى عزل أبوخليفة عن طريق إحدى الممرضات، التى كانت تتابع حالتها الصحية خلال الأيام الماضية، وأقيمت صلاة الجنازة عليها داخل فناء المستشفى بحضور الطاقم الطبى، وتم نقل الجثمان فى صندوق معدنى عبر سيارة إسعاف إلى مثواه الأخير بمقابر الأسرة بالبساتين فى القاهرة، رفقة ابنتها أميرة مختار، وسط إجراءات احترازية مشددة من قبل إدارة الطب الوقائى، وأقيمت الجنازة متبوعة بعزاء حضره عدد قليل للغاية، من أصدقاء وأقارب الفقيدة.
ونعت السيدة انتصار السيسى قرينة رئيس الجمهورية وفاة الفنانة القديرة، وقالت فى تدوينة لها على مواقع التواصل الاجتماعى: «أنعى ببالغ الحزن والأسى وفاة الفنانة القديرة رجاء الجداوي التى رحلت عن عالمنا تاركة خلفها تاريخًا من الأعمال الفنية الراقية والصادقة، التى ستبقى باقية وخالدة فى وجداننا وذاكرتنا للأبد. رحم الله الفنانة الكبيرة رجاء الجداوي وتغمدها بواسع رحمته».
كما نعت الدكتورة إيناس عبدالدايم، وزيرة الثقافة، وجميع الهيئات والقطاعات، الفنانة الكبيرة.
وقالت «عبدالدايم» إن الراحلة إحدى نجمات الزمن الجميل وكانت نموذجًا للفن الجاد، مضيفة أنها نجحت بحسها الراقى فى خلق شكل مميز للأدوار التى لعبتها طوال تاريخها الفنى الممتد، مؤكدة أن أعمالها ستبقى علامات خالدة فى ذاكرة الإبداع.
يذكر أن رجاء الجداوي هى ابنة شقيقة الفنانة تحية كاريوكا، تلقت تعليمها الأول فى مدارس الفرنسيسكان بالقاهرة، بدأت حياتها العملية فى إحدى الشركات الإعلانية بقسم الترجمة، تم اختيارها لتكون عارضة أزياء بعد فوزها بلقب ملكة جمال القطن المصرى عام ١٩٥٨ وأصبحت أشهر عارضة أزياء مصرية، فى نفس الوقت عرفت طريقها إلى الفن فتنقلت بين السينما والمسرح.
وفى بداية سبعينيات القرن العشرين تزوجت بلاعب الكرة حسن مختار وأنجبت ابنة واحدة، كما شاركت فى الكثير من الأعمال الفنية الناجحة إلى جانب عدد من من البرامج التليفزيونية والإذاعية الشهيرة.
اقرأ أيضا: