مجازاة عاملين بمستشفى جلبوا فرقة موسيقية ورقصوا تشفيًا في نقل مديرتهم
حسمت المحكمة الإدارية العليا قضية الرقص فى المجال الوظيفى، فى أغرب قضية عن الرقص داخل مرفق الصحة، وقضت المحكمة الإدارية العليا بوقف مراقب صحي بوحدة كوم تقالة بأبوحمص والمحقق القانونى بالإدارة الصحية بأبوحمص وآخرين من المراقبين الصحيين وفنى أشعة وممرض بوحدة العشرة- عن العمل لمدة شهرين مع صرف نصف الأجر؛ لما نُسب إليهم بالإدارة الصحية بأبوحمص باستحضارهم فرقة موسيقية شعبية إلى داخل مقر الإدارة الصحية بأبوحمص والرقص في الحفل المقام بساحة المستشفى احتفالًا وتشفيا فى نقل الطبيبة مديرة الإدارة الصحية بأبوحمص مستأجرين مكبرات الصوت، مما أدى إلى تجمهر العاملين والأهالي وتوقف العمل في المركز الطبي طوال اليوم دون تقديم الخدمة الطبية إلى المواطنين.
صدر الحكم برئاسة المستشار عادل بريك نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية المستشارين سيد سلطان، والدكتور محمد عبدالوهاب خفاجى ونبيل عطا الله وشعبان عبدالعزيز نواب رئيس مجلس الدولة.
- الحيثيات والمبادئ التى أوردتها المحكمة عن تأثيم الرقص في المجال الوظيفى:
وقد أكدت المحكمة فى حيثياتها مجموعة من المبادئ بشأن تأثيم الرقص في المجال الوظيفى، موضحة أنها تتبوأ أعلى منصة في مصر تحفظ للوظيفة العامة هيبتها وقدسيتها من الانحراف أو العبث، وأن الرقص على أنغام فرقة موسيقية بالطبل والمزمار داخل المستشفى تحقير من شأن مرفق الصحة، وأنه لا يجب أن تكون الأهواء سببًا لهتك هيبة أستار مرفق الصحة والسخرية منه وتعطيل حق المواطنين الدستورى في العلاج، كما أن الرقص بفرقة موسيقية داخل المستشفى يتعارض مع الأصول الإدارية في توديع الرؤساء احترامًا للوظيفة العامة، فلا يسوغ في المجال الوظيفى خلط الجد بالهزل أو التدني إلى الرقص داخل العمل بما يحمل معاني الهزل أو الاستهزاء، وأن السلوك الإنساني للموظف العام يتأبى على معانى التشفى والسخرية من رئيس العمل عند مغادرته الوظيفة، ويجب أن تكون وسائل التعبير عن مشاعر الفرحة أو الغضب في الحدود التي لا تخل بالعمل وإلا انقلب الأمر إلى المهاترة.
وقالت المحكمة إن المشرع الدستورى ارتقى بالوظيفة العامة وجعلها حقا للمواطنين على أساس الكفاءة، ودون محاباة أو وساطة، وفى ذات الوقت جعلها تكليفا للقائمين بها لخدمة الشعب، وهو ما يوجب على الموظفين العموميين أن يحافظوا على كرامة وظيفتهم طبقًا للعرف العام وأن يسلكوا في تصرفاتهم مسلكًا يتفق والاحترام الواجب للجهات الإدارية التي يخدمون بها، ولرؤسائهم ولزملائهم ولأفراد الشعب المتعاملين معهم، فالموظف العام يجب أن يمارس الوظيفة العامة مستهدفًا غاية الصالح العام بما يحقق حسن سير الوظيفة الإدارية، وهذا يستلزم على المرءوسين توقير واحترام رؤسائهم ورعاية كرامتهم وهيبتهم كواجب أساسي تحتمه طبيعة النظام الإداري والسلطة الرئاسية القائمة عليه باعتبارها المسئولة عن قيادة العاملين لتحقيق أهداف الصالح العام المنوط به، فطاعة الرؤساء واحترامهم واجب يضمن للسلطة الرئاسية فاعليتها ونفاذها، وفي مقابل ذلك يتعين على الرؤساء احترام كرامة وحقوق العاملين تحت رئاستهم.
- تفاصيل القضية
وأضافت المحكمة أن الثابت فى الأوراق أنه عقب نقل السيدة الطبيبة مديرة الإدارة الصحية بأبوحمص استأجرالمحقق القانوني بالإدارة الصحية بأبوحمص فرقة موسيقية شعبية تستخدم آلات الطبل والمزمار، ورقص فى الحفل المقام فى ساحة تلك الإدارة، وذلك بالاشتراك مع الطاعن المراقب الصحي بالوحدة الصحية بكوم تقالة بأبوحمص وممرض بوحدة العشرة وفنى الأشعة وغيرهم من الرقباء الصحيين بالوحدة، ورقصوا جميعا داخل ساحة الإدارة الصحية على أنغام فرقة موسيقية شعبية داخل مقر الإدارة ورقص المحقق القانونى بالعصا أعلى مكتب المديرة المنقولة، وكان ذلك الاحتفال من الطاعن وزملائه المذكورين ابتهاجا بسبب نقلها من وظيفتها بالإدارة الصحية بأبوحمص، واستمر الرقص فى حوش مقر الوحدة الصحية وصعود الجميع مع فرقة الموسيقى الشعبية إلى الطابق الثاني مما تسبب فى توقف العمل بالإدارة الصحية بأبوحمص طوال يوم الاحتفال دون تقديم الخدمة الطبية والعلاجية إلى المواطنين، مما يعد خروجا من الطاعن وزملائه عن واجبات وظيفتهم لا يتفق والاحترام الواجب، مما يتعين مجازاتهم على ما اقترفوه من المشاركة فى هذا الإثم الوظيفى.
وأوضحت، في حكمها، أنها تجد لزاما عليها وهى تتبوأ أعلى منصة في مصر أن تحفظ للوظيفة العامة هيبتها وقدسيتها من الانحراف أو العبث، وإزاء ما تكشف لها من الطعن الماثل من القيام داخل مقر وحدة الإدارة الصحية بأبوحمص بالرقص على أنغام فرقة موسيقية شعبية تستخدم آلات الطبل والمزمار ابتهاجا من العاملين بالوحدة الصحية المذكورة بنقل مديرة الإدارة الصحية بها، فرحا بنقلها وتشفيا فيها، وأنه يتعين على العاملين واجب الطاعة نحو الرؤساء بما يقتضيه الاحترام الواجب حفظا لحسن سير المرفق العام وعدم العبث به أو التحقير من شأنه على نحو ما كشف عنه الطعن الماثل، فضلا عن تعطيل حق المواطنين في تقديم الخدمات الصحية والعلاجية، فلا يجب أن تكون الأهواء سببًا لارتكاب أفعال تهتك هيبة أستار مرفق الصحة والإساءة إليه والسخرية منه والتشفى في رئيستهم السابقة وتعطيل حق المواطنين الدستورى في العلاج، ذلك أن علاقات العمل يجب أن تقوم على أسس موضوعية متجردة عن النوازع الشخصية، كما يجب أن يسود علاقة المرءوسين مع رؤسائهم الاحترام المتبادل مع الطاعة في تنفيذ توجيهات وإرشادات الرئيس الإدارى لتحقيق الأهداف المنشودة لتسيير المرفق بما يخدم المواطنين، فلا يشعرون بالنقص أو الإحباط عندما لا تكون الخدمة ملبية لسد احتياجاتهم العامة خدمة وطنية وتكليف للقائمين عليها، هدفها خدمة المواطنين، تحقيقا للقوانين واللوائح المعمول بها، ذلك أن نطاق المخالفات التأديبية وإن لم تتشابه مع الجرائم الجنائية في أنها قد وردت على سبيل الحصر إلا أنها بوصفها نظامًا للتأثيم والتجريم يتعلق بالسلوك الإنساني الذى يتأبى على معانى التشفى والسخرية من رئيس العمل عند مغادرته الوظيفة، ذلك أن استحضار فرقة موسيقية شعبية تستخدم آلات الطبل والمزمار ورقص الموظفين داخل المستشفى ابتهاجا بنقل مديرة المستشفى وهى مكان تقديم العلاج للمواطنين، هو أمر غير مألوف ويتعارض مع الأصول الإدارية التي يجب مراعاتها في توديع الرؤساء احترامًا للوظيفة العامة، بما يحفظ لها والعاملين فيها كرامتهم وبما يتفق مع الاحترام الواجب طبقًا للعرف العام، ذلك أن وسائل التعبير عن مشاعر الفرحة أو الغضب يجب أن يكون في الحدود التي لا تخل بالعمل وإلا ينقلب الأمر فيها إلى المهاترة والخروج بها إلى التعرض بأحد من الرؤساء أو الزملاء مما يعد معه إخلالا جسيما بالواجب الوظيفي.
وأشارت المحكمة إلى أنه لا يسوغ أن تكون مشاعر الفرح أو الغضب متجاوزة لما يجب أن يسود جو العمل الوظيفي من احترام متبادل ومحافظة على كرامة العاملين، سواءً أكانوا رؤساء أو مرءوسين، فلا يجوز أن تتخذ مظهرا ماسا بكرامة الرؤساء أو تحمل معاني الاستهزاء أو الهزء بهم، ولا يسوغ في مجال أداء الواجبات الوظيفية خلط الجد بالهزل أو التدني إلى تصرف الرقص داخل العمل بما يحمل معاني الهزل أو الاستهزاء أو النيل من احترامهم وكرامتهم طوال الخدمة، سواء كانوا فى العمل أم بعد نقلهم منه إلى جهة أخرى أم انتهاء الخدمة، فكل ذلك يعد إخلالًا بما أوجبه المشرع على الموظف العام من واجبات للمحافظة على كرامة الوظيفة العامة، وما من ريب في أن استحضار فرقة موسيقية شعبية إلى داخل مقر الإدارة الصحية بأبوحمص والرقص فيها، إنما يحمل في طياته ووفقًا للعرف العام معنى الهزل والاستهزاء بشخص مدير المستشفى ويتعارض مع ما يجب أن يسود العمل الوظيفي من احترام متبادل بما يحفظ للوظيفة العامة جلالها وللعاملين فيها كرامتهم وللرؤساء احترامهم.
وانتهت المحكمة أنه لا يقدح في ذلك تذرع الطاعن بأن الاحتفال باستحضار فرقة شعبية موسيقية والرقص داخل مقر العمل من الأمور التى تعارفوا عليها على سبيل المداعبة حتى يكون ذلك دافعًا لحسن سير العمل، فذلك مردود بأنه لا يسوغ عند أداء الواجبات الوظيفية خلط الجد بالهزل أو تضمين التصرفات ما يحمل معنى الهزل أو الاستهزاء، فكل ذلك لا محل له في مقام ممارسة الاختصاصات والواجبات الوظيفية، وإنما ما يؤدي في الحقيقة إلى حسن سير العمل هو توفير الاحترام المتبادل بين جميع العاملين رؤساء ومرءوسين بما يحفظ كرامتهم حتى ينصرف كل منهم إلى أداء واجباته الوظيفية مطمئن النفس موفور الثقة والكرامة، وصولًا إلى حسن أداء الأعمال الموكولة إليهم على خير وجه بما يحقق صالح المرفق العام، فلا تتدنى تصرفاتهم أو تتهاوى أفعالهم، فيسود مناخ سلبى للحياة الوظيفية على نحو ما كشفت عنه وقائع الطعن الماثل.