وائل خورشيد يكتب: مرثية الثلاثين.. عن أحلام جيل ضائع
- نادرة الأوقات التي يشعر فيها الواحد أنه جزء من القدر. بالطبع نعرف طوال الوقت أننا جزء من هذا، لكن أن تشعر بذلك، أنك مخير ومسير وسط حدث أكبر وأعظم. شيء يدعونا للتأمل.
- كل واحد منا يرى العالم من زاوية معينة، ويظن أنها الحقيقة والصواب، ورغم أنه منطق أناني فهكذا هي الحياة، التدافع يخلق الأفكار. من ناحية أخرى إذا أمكنك الاقتراب جدا، سترى التفاصيل وتتوه فيها، وإن ابتعدت جدا، سترى كل شيء صغيرا تافها بلا قيمة.
- أتابع العالم - وأنا واحد منه - يقاتل عدوا لا نراه. أعيش فيلما أمريكيا بينما أؤدي دور أحد المجاميع، الجماهير اللاهثة، الأرقام التي تحصى، ولا أعرف ماذا يمكنني أن أجهز للأيام المقبلة. المختلف عن الأفلام هنا أن الأمريكان لا يبدو أنه يمكنهم أن ينقذوا العالم، يبدو أن أسطورتهم روائية فقط، بينا الحقيقة في قارة أخرى.
• المحتوى التالي عبارة عن كلمات منثورة ومبعثرة قد لا تعني لأحد شيئا.
كنت قد عقدت النية أن يكون عام ٢٠٢٠ هو درة التاج، ولما لا وهو العام الذي سأكمل فيه عمر الثلاثين - في هذا اليوم الذي ينشر فيه المكتوب - وحسبت وأعددت، وقررت أن أنهي فيه كل المسارات المتقاطعة عند نقاط واضحة ومعلومة.
كما أن الثلاثين حجر الزاوية في العمر، فبعده ليس كقبله، حسب ما سمعت ممن سبقوني، فتكون نظرتك للحياة تغيرت، احتياجاتك منها باتت معروفة مسبقا، من الصعب أن يقنعك أحدا بشيء لا تحبه، تتعامل وفق ما يريحك، تبدأ في الانتباه أكثر لنفسك، وتتوقف عن اتباع المسير، لا يلفت انتباهك الكثير، لا يخدعك الضوء الباهر الذي يخفي خبثا، ولا يضرك من رحل ولا يغنيك من بقى، تبدأ في ملاحظة الشعرات البيضاء التي نمت في رأسك، أو اتساع الرقعة الخالية إن كنت أصلعا، وبعده كل شيء يأخذ منحى آخر.
ولكن ما لم أحسب له أن يضرب العالم وباء! وباء. لم يكن هذا الأمر في أعتى أعتى تصوراتي، ربما حربا عالمية يجوز، أو أن أنهي حالة العزوبية.. ممكن، إنما وباء، شيء لم يكن له أي مؤشرات تذكر. وبهذا تحول عامي الجديد لبؤرة بدلا من درّة!
حلت على العالم الجائحة. كلمة جائحة تجعلني أشعر بالاشمئزاز، منفرة، ولكن هكذا هو الحال. وبدا أن كل شيء يذهب في طريق آخر. نحاول أن نتحلى بروح الإيمان والصبر قدر الإمكان، وأن نتكيف مع الحال، لكن الأمر مريب، وعادة الناس أن تشعر بطول الطريق الذي لا تعرفه مسبقا، ولا ترى له نهاية.
الآن أمر بجائحتين، الأولى أني أحمل الآن الرقم ثلاثين، عمري الجديد، بينما أنا لست مقتنعا بهذا الأمر، كما أني أشعر بنوع من القلق لأني لم أجمع مالا، ولم أبن أرضا صلبة، ولم أخرج من حياتي السابقة سوى بالستر وأمور أخرى لا تدعو للتباهي، وبناء عليه لا أعرف إلى أين أنا أمضي، ورغم ضخامة الخيال، فإن الواقع أكثر تعقيدا، وأقل فاعلية، والثانية هي ما يحدث.
أنا من الجيل الذي رأى أشياء، لو كان حدث واحدا منها فقط في الماضي لشعر بالانبهار، الآن لم يعد شيئا يدهشنا، فبعد أن لعبت «ماريو» وصلت للوحش الأخير كبيرا، وشربت شايا باللبن مع الفينو في الصباح، وسمعت «يا حلاوة شمسنا» وأنا أجهز حقيبتي في طريقي للمدرسة، وحاولت قدر الإمكان أن أحافظ على علاقتي ببكار وأن لا ألوث ماء النيل كي لا يخاصمني، وشاهدت مسلسل «هرقل»، وأكلت «كاراتيه ولبان كوكو واوا ولوليتا، وكشري في كيس»، وشاهدت «سلاحف النينجا» و«بوجي وطمطم» و«المغامرون الخمسة»، و«مازنجر»، وقضيت أياما مع «ساكن قصادي»، وربانا الفنان محمد صبحي في «يوميات ونيس»، وجمعت «الكازوز» كطفل مشردٍ في الشوارع، ولعبت بـ«البوكيمون»، ثم ترقيت مع جيلي إلى ألعاب «اليابانية والمصرية والأتاري السيجا»، وما بعدها.
عاصرت هشام عباس وهو «مجنون» وتساءلت «يا ترى؟» أنا وبهاء سلطان، وجربت «الحب الحقيقي» مع محمد فؤاد، وعايشت نجاح عمرو دياب، ودخلت في مرحلة رنات الموبايل، لكي «تنكش» من تحب، وجيلي «الصايع» جاء من الماضي للحداثة، ودخل غرف الشات، شات الياهو «هاي.. ممكن نتعرف؟»، وفتحنا البلوتوث في المدرجات لكي يكون وسيلة لبدء حوار مع فتاة في أول أيامنا بالجامعة، وجربنا «ممكن أصور محاضرة النهاردة؟».
ثم بعد ذلك بدأ كل شيء يأخذ منحى آخر، قامت الثورات، رأيت الطغاة يتساقطون، والعالم يتقلب مثل الماء المغلي، رأيت الزيت يخلط نفسه بالماء، حتى وإن خالف العلم والمنطق، وحين بدأت بعض المعالم تظهر، وقررت أن أنكفئ على حالي، وأدع العالم يسير كما يرغب، وأكتفي بعالمي فقط، وشؤوني الخاصة، استدعاني العالم مرة أخرى، ولم يعد من الممكن أن أتجاهل أكثر.
توقفت عن الكثير من المعارك، لأني شعرت بأنه لا جدوى، ولكن هذه المرة، التجاهل يقتل، والتفاعل يقتل أيضا، والحرص في كل الأحوال يشل. الحقيقة أن كل الطرق باتت تؤدي إلى طريق الهاوية، وهو ما دفعني لأكرر ما يتردد نقلا عن نجيب محفوظ: «إن خرجنا سالمين فهي الرحمة، وإن خرجنا هالكين فهو العدل».
الأذان الآن يقول «صلوا في بيوتكم» صيغة لم أسمعها من قبل، ويبدو أن اتجاهات لأشياء جديدة، جذرها يضرب في الأرض الآن، مثل عادة التحية في العزاء، التي حولها «كورونا» لإشارة باليد من بعيد، سببها الآن الفيروس، ربما فيما بعد تكون سلوكا، وأحدهم صافحني بقدمه!
أيضا قرأت أن بعض الأطفال استحدثوا لعبة «كورونا» وهي عبارة عن ولد يركض خلف مجموعة، وبمجرد أن يلمس أحدهم، يقول «كورونا» وهو ما معناه أن هذا الطفل أصبح خارج اللعبة.
كلما مرت الأيام، أجد الأفكار تتفجر في عقلي كعيون من الماء، وبات تركيزي مشتتا، وذاكرتي ضعفت على ضعفها.
العالم حينما لاحت رايات هدوء بسيطة فيه، وبدا أنه يمضي للأمام قليلا، جاءته جائحة «كورونا»، هذا الفيروس الصغير جدا، كشف مدى ضعفنا.
أرى مثل غيري عالما ينهار وآخر يشيد، ولكن القديم الذي بدأت معالمه بعد الحرب العالمية الثانية، مازال ينازع، كنت أتوقع أن حربا تلوح نذرها في الأفق، حتى تكون كالمطر الذي يغسل الهواء من الغبار، ولكن لم أكن أدرك أنها ستكون فيروسا.
أكثر من مرة كان الصدام الكبير وشيكا، ولكن لأن الذين يحكمون العالم يعرفون جيدا أن آثاره ستكون أعظم منهم وتفقدهم هيبتهم، فكان الجميع يتوقف، ويكتفون بتقسيم الوليمة.. نحن.
أتوقع أن العالم سيتغير بعد تلك الحرب مع كورونا، النظام العالمي القديم ينتهي، أراه يسقط أمامي. يتردد طوال الوقت في عقلي عبارة للرئيس الراحل محمد أنور السادات - مع تصرف مني - وهو يقول: «٩٩٪ من أوراق اللعب في يد الصين»، الفيروس الصغير هذا هو مفتاح قصار القامة إلى الهيمنة على العالم.
بعد انتهاء الحرب على الفيروس، سيدرك الجميع من هي الصين، لن تتمكن أوروبا المنهكة، ولا أمريكا التي تبدو منيعة، من منع هذا الأمر. في غضون الأيام والشهور المقبلة التحالفات ستتغير والمعاهدات ستعقد، العالم رأى كيف نجحت الصين في هزيمة الفيروس ببراعة، ثم هبت لتساعد الآخرين، وهي الدولة التي لم ينذرها أحدا قبل ذلك بالمرض، ومع ذلك، تفوقت على الجميع.
الدول تطلب مساعدة الصين، وليس أكثر دلالة من كلمة الرئيس الصربي ألكسندر فوشيتش، والذي تسعى بلاده لدخول الاتحاد الأوروبي، حينما قال: «ندرك اليوم أن التضامن العالمي أمر غير موجود، التضامن الأوروبي غير موجود لقد كان قصة خيالية على الورق». بينما أكد أن الصين الدولة الوحيدة التي يمكنها مساعدة بلاده، وأجابت طلباته دون شروط! في الوقت الذي كان يرسل فيه الرئيس الصيني رسائل طمأنة وتضامن مع دول أوروبا.
أرى كما يرى كثيرون أن العالم يتغير، أمريكا لم تعد سيدة العالم، وإن كانت ماتزال تملك قوة فتاكة، لكن لن تمكنها من السيطرة على العالم إلى الأبد، سنة الحياة تتحقق، الصين تملك قوة معجزة.
لم يكن ينقصني سوى أن أفكر فيما هو شكل الحياة في ظل هيمنة الصين؟ لا أعرف، غير أننا هذه المرة نتعامل مع قوم لهم إيديولوجيات خاصة وسلوكيات مختلفة، لا أعرف إن كنا سنرتدي «الهانفو» الصيني، أم «الكيمونو» الياباني، ونضح كحلا على جنبتي عيوننا لنجعلها تبدو ضيقة، ونحلق رؤوسنا مثل كيم جونج أون حاكم كوريا الشمالية، أم ماذا؟َ
ربما حتى يكون كورونا وتبعاته الإرهاص الذي ستنشب بعده معركة كبرى مدمرة تعيد ترتيب الأوراق؛ فالذئب لن يترك المُلك إلا محمولا على نعشه.
لا أعرف حقا ما هو مصير العالم المجنون، البعض يتحدث عن الماسونية، والخطط الكونية، وبعض أصحاب الجلابيب القصيرة واللحى يقسمون أهل الجنة والنار، ويناقشون أفضل الطرق للطهارة، وآخرون يؤمنون أن الله سيفعل كل شيء بدلا منهم، وهم كعرائس الماريونت، بينما هناك في آسيا ماكينات تعمل في صمت.
سأحكي مثلا قد يبدو مضحكا للبعض، ولكني مقتنع به جدا. كنت ألعب قبل أعوام لعبة تدعى clash of kings وهي عبارة عن تحالفات تجتمع لتخوض حروبا، والجميع يكون هدفه بناء أكبر تحالف ثم السيطرة على عرش اللعبة، كان الحال يمضي، بتفوق أمريكي وغربي تام، وبالطبع نحن في ذيولهم، ونهاجم الآسيويين طوال الوقت، ونهزمهم، لكنهم لم ييأسوا، نهزمهم فيعيدون البناء بنظام وهدوء، بقواعد ثابتة، حتى جاء اليوم الذي اجتمعت كل التحالفات فيه ضدهم، والمفاجأة.. لم ينجح أحد، فشل الجميع أمامهم، وسيطروا هم على اللعبة، وتفرق الباقون كحبات العنب حينما تترك عودها.
ما أشير له هو إيديولوجية هؤلاء، وصبرهم، وعملهم، هم دؤوبون جدا، ولا يفهمون في الديمقراطية والمصطلحات الأوروبية الكبيرة تلك، والتي هي في الغالب فارغة من مضمونها.
إلى أين يذهب العالم، وأنا معه أمضي لا أعرف، عزاؤنا الوحيد أننا مع الرائجة، ونتعايش في كل الأحوال، كما أننا جيدون جدا في تفريغ أي فكرة من معناها، متحايلين على أفندينا.
لا أفهم، هل أعيد النظر، وأهتم بأمر العالم، أم بنفسي، فالذي يفعل الاثنين غالبا هو منافق يسعى للتربح، أو سياسي، وهو وجه آخر للنفاق.
كيف أخرج العالم من رأسي وهو يحاصرني من ناحية، ويطالبني بالنجاة بمفردي من ناحية أخرى، لأنه لا أحد يملك لنا شيئا.
وحتى في محاولات النجاة، البشرية وصلت للقمر، والعالم أصبح قرية صغيرة كما قال لنا الأوروبيون، ومع ذلك حينما جاء اختبار الإنسانية، هرب الجميع، ورأينا أنها لم تتقدم مع العلم، بل تراجعت لما قبل التاريخ.
يبدو أن هناك جانبا نجسا فينا، لا يصلح معه ماء ولا صابون، لا كتابا ينفع ولا خيرا يبقى، فكل شيء يتحطم أمام لحظة فزع.
الآن أفهم أمرين، أولهما أن هذا العالم لا يدعونا إلا في أوقات الخسارة، والثاني وهو نقطة النور أن العالم ممهد لثورة تكنولوجية أخرى، أو بمعنى أدق التوسع في استخدام المتاح. الآن إشارة البدء والتجربة العملية للانتقال أكثر للعالم الافتراضي، العمل عن بعد، العالم سيختلف كثيرا في السنوات المقبلة؛ فاللحظة التي نعيشها الآن، تشبه في قوتها تصدع الإمبرطوريات والممالك، أو تأسيس مستعمرة «فرجينيا» على يد البريطانيين، والثورة الصناعية في أوروبا، والحربين العالميتين الأولى والثانية وما بينهما، وبدء دعوة النبي محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، وميلاد عيسى عليه السلام، والوقت الذي أكل فيه آدم التفاحة.
حاليا أنا وحدي، لست متزوجا أو أبا، مغامرتي محدودة نوعا ما، ولكن إن قادني قدري إلى خطوات كتلك، ماذا أخبرهم عن العالم الذي يعيشون فيه؟ وعن العمل الذي لا يثمر مالا؟، أو الخير الذي لا يأتي؟، هل أتسبب في مجيء طفل إلى العالم، ثم أهرب به من القصف أو في أفضل الفروض أذهب به إلى خندق إن وجد؟. ماذا أقول لزوجة تطمح في أن تعيش سعيدة هانئة مرتاحة البال ما تطلبه متاح، بينا العالم لا يتيح لأغلبنا إلا الفتات؟ كما أن كثيرا من فتيات اليوم لا يتفهمن فكرة التحمل مع الآخر، وتبحثن لأنفسهن عن ملجأ آمن، حتى وإن نطق لسانهن بعكس ذلك، وأنا وإن كان هذا يغضبني، إلا أني أتفهمه، لأن الجميع غير آمن، ولا أحد يود أن يخوض معارك صعبة مع الحياة، بل سيفعل كما يفعل كثيرون، التعلق في ذيل الناجحين.
عماد العالم امرأة ورجل، وهذا الأمر حاليا يثبت فشله يوما بعد يوم، ونسب الطلاق تؤكد ذلك. والعيب في الطرفين؛ فنحن ننطق ما لا نفعل، نتحدث عن البساطة، ولكن الواقع عكس ذلك، فنقول مثلا عن شبكة الخطبة إنها هدية، ثم نتفاوض على سعرها! أي عقل هذا، كيف يتفق طرفان على سعر هدية؟! الأسر تشتري رجلا.. وأيضا تبيع له أنثى!
الأنثى تبحث عن الأمان مع رجل، معه أيضا المال! والرجل يبحث عن أنثى يمكنها أن تتحول كل يوم لعارضة أزياء مختلفة.
وأنا أخطو لما بعد الثلاثين، فإن خلاصة ما رأيت، أن المال أولا، ثم الوضع الاجتماعي والشكليات، ثم بعد ذلك يمكننا الحديث عن الأشياء الأخرى، التي عادة ما تنطق أولا. أفعال الترابط والتضامن والكفاح والمساعدة والحب والثقة، كلها تسقط غالبا أمام الاختبارات.
أزمة كبرى أن ترى العالم جيدا، وسلوكيات ناسه، ومداهنتهم المقرفة للحصول على منفعة، وأتعجب جدا من اتساع طريق اللعناء نحو المقدمة، ولكن هكذا هو الأمر، فكما يحدث في كل مرة في أوقات الأزمات، ترتفع أسعار أشياء لم نكن نهتم بها مطلقا وليست ذات قيمة، وتتضخم جدا، لتتغلب على أشياء أساسية، ربما هذا نوعا ما يفسر سبب تسلق البعض لأماكن لا يستحقونها؛ لأننا نعيش طوال الوقت في عالم متأزم!
هذا ليس حالي وحدي، ففي هذا أكون كاذبا، أعرف قصصا من حولي من السوء لكي تجعل الشمس تحتجب عن هذا العالم المؤسف. شباب هذا العالم يعيشون أوضاعا سيئة للغاية، لا يمكنهم النهوض، نحاول أن لا نيأس أو نرتكن على الغير، ولكن أين المفر؟، فكل الطرق لا تؤدي لشيء. نسمع قصص نجاح جيدة للغاية، ولكن في مقابلها مئات القصص التي لم ترو أبدا. من السهل أن تحكي حينما تصل، ولكن من الصعب أن تجهر وأنت تائه.
من المفترض أنه بعد الثلاثين، أغلبنا يكون قد رأى بشكل ما طريقه في الحياة، ووضع اللبنة الأولى، لكن الحقيقة كما أرى، ليست كذلك، فأغلبنا بالكاد يعيش، والكثيرون على شفا السقوط، حتى أن البعض لا يملك رفاهية السقوط، فهو ليس في «فيديو جيم» يملك أرواحا متعددة، هو لا يملك إلا روحا واحدة.
لا أعرف حقا أي الطرق عليَّ أن أسلك، فالمبادئ بالتأكيد ستجعلك على هامش الحياة، وخسارتها ستحولك نسناسا في غابة، وفي كل الأحوال المشهد العام منفر.
وسط كل هذا أخطو أولى خطواتي بعد الثلاثين، وفوجئت أني أمضيت سنوات أنتظر حدوث المعجزة، شيء مثل الأفلام، أستيقظ على حدثٍ مفاجئٍ، أو أن يحدث أمرا ما يغير كل شيء، أو أن يعود ما أريد مما فقدت، ولم يحدث أبدا، ومع الوقت، فهمت أن لا شيء سيأتي، وإن كان يحدث ذلك أحيانا، فلا داعي لانتظاره، ولا وضعه في الحسبان.
على أية حال، أتحايل على كل هذا العبث بالسخرية من كل شيء، والتعاطي مع العالم بغير جدية، وفي العام الجديد أنوي التوقف عن الطموح والحلم، ومحاولة الاستمتاع بالمتاح لأنه أقصر الطرق للراحة، وأن أنتهج «الترك» وسيلة بحثا عن السكون.
أتمنى أن يخالف العالم توقعاتي، وأن يصبح أفضل.