طبيبات المنيا.. أليس للقدر أحكام؟
أحداث متسارعة شهدتها مصر بعد حادث تصادم سيارتين، عند مدخل بوابة الكريمات بزمام محافظة الجيزة والذي خلّف طبيبتين وسائق قتلى، و12 مصابا، جميعهم من محافظة المنيا.
حزن اعتصر القلوب، لكن المشهد كان ضبابيا بعد أن غضب الجميع، وتفاعلوا مع محادثات الطبيبات التي دارت داخل مجموعة خاصة على برنامج المحادثة «واتساب»، وتناسى الجميع أنه لا صوت يعلو على صوت القدر.
عندنا يتفاعل الإنسان مع موقف ما؛ يتخيل نفسه مكان الضحية، ينتفض لمهاجمة أي شخص ويحمله المسؤولية، يحد من قوته في تقديم الدعم للآخرين ويحولها إلى طاقة سلبية ينشرها في المجتمع. عندما نتصور أنفسنا مكان أي ضحية؛ نشعر بالألم، ونشجع عن غير قصد مشاعر العجز. هذا بالضبط ما حدث في واقعة «طبيبات المنيا».
مجموعة من الطبيبات ذهبن لتأدية الواجب الوظيفي، للتدريب على مبادرة الكشف المبكر عن سرطان الثدي، وكنّ على موعد مع القدر. فانطلقت الأصوات الغاضبة مع أصوات الفتنة، في رحلة بحث عشوائية عن كبش فداء يتحمل مسؤولية الحادث.
هل كان القطار هو الوسيلة الأمثل للسفر؟ هل تحرك الباص مبكرا عن موعده؟ هل أخطأ المسئولين عندما كلفوا الطبيبات بممارسة أعمالهن؟ بالقطع لا.
الحوادث تملأ العالم، وببحث صغير على مواقع التواصل تجد العشرات بمختلف الدول يوميا. لم تكن الطبيبات هن الأول في تأدية التدريب الخاص بالمهنة. وبالقطع ركوب القطار لم يكن لينقذ شخصا انتهى عمره. فماذا حدث؟
دعاة الفتنة وأصحاب نظرية المؤامرة، جعلوا من الحادث قضية رأي عام، كعادتهم في استغلال أي موقف لإحداث بلبلة في الشارع المصري، وبدلا من أن يتركوا الجهات المسؤولة تبحث عن الجاني الحقيقي، أو يعملوا فكرهم في إيجاده ببعض المنطق، انطلقوا مهاجمين الهدف الأسهل من وجهة نظرهم وهو الدكتورة هالة زايد.
لم يجد دعاة الفتنة طريقا لانتقاد المبادرات الرئاسية للصحة، والتي كان من بينها مبادرة "الكشف عن سرطان الثدي"، إلا أنهم وجدوا في الحادث ترابطا بين الطبيبات، اللواتي كن في طريقهن لتأدية تدريبات المبادرة، سبيلا لانتقاد الدولة والمسؤولين، دون نظر لأسباب تكليفهن، أو النتائج المترتبة على انعدام التدريبات المتعلقة بالمبادرة.
ألم يكن من المنطقي إلقاء اللوم على السائق وسلوكه، ألم يكن من الطبيعي أن تؤدي الطبيبات تكليفاتهن كطلاب كلية التربية في الفصول المدرسية مثلا؟ أسباب الحادث لا علاقة لها بعمل الطبيبات أو المسؤولين، لكن الدعايا المضادة والتهويل، جعلت من الواقعة طريق لتفتيت العلاقة بين الشعب والمسؤولين.
طبيبات المنيا شهيدات، انتهت أعمارهن خلال تأدية الواجب الوظيفي، نسأل الله أن يرحمهم ويلهم ذويهم الصبر، ولا عزاء لدعاة الفتنة.