«الصراع الموريتاني».. الرئيس يحكم سيطرته على الحزب ويقصي سلفه
شهدت موريتانيا في 2019 العام المنقضي حدثًا تاريخيًا، وهو رفض الرئيس محمد ولد عبدالعزيز الترشح لولاية رئاسية جديدة، ليتسابق المرشحون للظفر بكرسي الرئاسة، وكان الفوز من نصيب وزير الدفاع محمد ولد الغزواني في يونيو الماضي، لكن بدأت خلافات بين الرئيس السابق وخلفه تطفو على السطح فيما يتعلق بإدارة الحزب الحاكم "الاتحاد من أجل الجمهورية".
وبدأ الرئيس السابق ولد العزيز خطوات من أجل العودة مجددًا للسيطرة على الحزب الحاكم، إلا أن الغزواني رفض هذه الخطوات، وعقد الحزب مؤتمرًا عامًا أول أمس السبت، اختار فيه محمد ولد الطالب أعمر رئيسًا جديدًا له، بجانب اختيار قيادات الحزب التنفيذية لتكون موالية للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، وإبعاد محمد ولد عبدالعزيز ورجاله من المشهد السياسي.
وكان ولد عبدالعزيز يريد استعادة السيطرة على الحزب الذي أسسه عام 2009 رافضًا تشكيل حزب جديد أو تركه للغزواني الذي رفض هو الآخر ترك الحزب لعبدالعزيز ورفاقه، وفي هذا الشأن التقت "الدستور" بمحللين وسياسين من موريتانيا لكشف تطورات الأوضاع في موريتانيا خاصة فيما يتعلق بالتغيرات الجوهرية بالحزب الحاكم وسياسات الرئيس الجديد.
وفي تصريحات خاصة لـ"الدستور" أوضح الإعلامي والسياسي الموريتاني (بادو محمد فال) أن هناك خلافات في حزب "الاتحاد من أجل الجمهورية"، حول من يقوده في ظل مساعي الرئيس السابق للعودة إلى المشهد السياسي.
يقول محمد فال حول حقيقة الخلاف بين الرئيس السابق والحالي: "الخلاف القائم على الحزب الحاكم هو خلاف حول من يحق له إدارة الحزب الحاكم الذي يمتلك أكثر من ثلثي نواب البرلمان وجميع رؤساء المجالس الجهوية الـ ١٣ وأكثر من ثلثي البلديات، وبالتالي من يملك حق توجيه قيادة الحزب يمتلك سلطة توازي رئاسة الجمهورية".
وأكد أن عودة الرئيس السابق كانت متوقعة لكن عودته بهذه السرعة هي التي لم تكن متوقعة، يقول: "أما أسباب العودة على عجل فتعود إلى تشكيل المعارضة الراديكالية وبعض خصوم الرئيس السابق من داخل الأغلبية الرئاسية لخلايا إعلامية تستهدف سمعة الرئيس السابق وفترة إدارته للبلد بل ووصلت لمرحلة المطالبة بمحاكمته بتهم تتعلق بالفساد".
ولا يتوقع فال أن تؤثر عودة الرئيس السابق على الحزب نهائيا، موضحًا: "البساط سحب من تحته بسلاسة وبدقة متناهية، حيث تنكر له جميع الفاعلين السياسيين بالحزب من اللجنة المؤقتة إلى المنتخبين بعمومهم".
وحول إمكانية أن يطرح الرئيس الغزواني مبادرة سياسية قريبًا لإقامة حوار مع الأحزاب المعارضة قال محمد فال: "حسب تصريح الرئيس غزواني فإنه لا ينوي فتح حوار سياسي مع المعارضة بقدرما يرغب في تحصين الجبهة الداخلية من خلال تقريب وجهات النظر مع المعارضة وإشراكها في المشورة والتعيينات".
أما عن تعامل الرئيس الموريتاني مع ملف الإرهاب خاصة في منطقة الساحل والصحراء بعد انضمام نواكشوط لمجموعة "5G" في ظل تصاعد عمليات داعش بهذه المنطقة خاصة في النيجر ومالي وإمكانية نقل تنظيم "داعش" المتطرف لهجماته في الداخل الموريتاني قال فال: "موريتانيا تعتمد منذ عشر سنوات على مقاربة أمنية أثبتت نجاعتها لحد الساعة، إذ لم تحدث في البلد أي عملية إرهابية منذ اعتماد تلك المقاربة والتي تعتمد أساسا على حماية الحدود وتحديد المداخل، ومواجهة التنظيم في معاقله بدولة مالي للحيلولة دون السماح له بالتقدم تجاه موريتانيا، إضافة إلى فتح باب الحوار العقدي مع المغرر بهم".
من جانبه أوضح "فتى البخاري" الإعلامي والناشط الموريتاني لـ"الدستور" أن محاولات الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز العودة مجددا إلى الساحة السياسية كادت تؤدي إلى خلاف داخلي عميق حول مرجعية الحزب الحاكم هل تكون للغزواني أم مؤسسه ولد عبد العزيز.
يقول البخاري عن كيفية تأثير مساعي الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز العودة إلى المشهد السياسي على عمل حزب الاتحاد من أجل الجمهورية: "شكلت عودة الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبد العزيز إلى البلاد واجتماعه بلجنة تسيير حزب الاتحاد من أجل الجمهورية حراكًا قويًا داخل الحزب الحاكم كاد أن تصل إلى خلاف داخلي عميق حول مرجعية الحزب، فبين من يدعو لاعتبار الرئيس غزواني مرجعية للحزب بوصفه حزبا حاكما وبين من يعتبر الرئيس السابق ولد عبد العزيز هو المرجعية كمؤسس للحزب وهياكله فيما جنحت آخرون إلى اعتبار النصوص المنظمة ومبادئ الحزب هي المرجعية وهو ربما ما أشار إليه الرئيس ولد الشيخ الغزواني بكونه خلاف على السياسات وتباين في الرؤى.
وأكد البخاري إن عودة الرئيس السابق للمشهد السياسي تحمل وجهين الأول ما عبر عنه هو لمقربين منه من كونه مواطنا موريتانيا له الحق في ممارسة السياسة والمشاركة في في بناء مستقبل بلده.
أما الوجه الآخر وهو ما تحدثت عنه صحف محلية فهو محاولة لتنفيذ اتفاق سياسي كان بينه والرئيس الجديد محمد ولد الشيخ الغزواني في كونه سيتولى تسيير الحزب والواجهة السياسية على أن يبقى تسيير الشأن العام لغزواني وهو ما لم يتم تنفيذه حسب من يدافعون عن هذا الطرح".
وأضاف: "حدد المؤتمر العام للحزب الذي عقد السبت الماضي مسار الحزب ومستقبل ولد عبد العزيز السياسي داخله حيث تخلى ولد الغزواني عن إنشاء حزب جديد وحافظ على الحزب حاكم فقد انتقلت "المعركة السياسية" إلى سباق لجمع أصوات مناديب الحزب لأنهم هم من اختاروا رئيس الحزب ومجلسه التنفيذي.
وبشأن الخطط المطروحة من الرئيس الغزواني منذ ترشحه لانتخابات الرئاسة قال الباخري: "يركز الرئيس ولد الغزواني عبر برنامجه الانتخابي "تعهداتي" على مجلات الصحة والتعليم ومحاربة الفقر والتفاوت الاجتماعي وقد بدأ فعلا في تنفيذ أوائل تنفيذ برنامجه عبر تنظيم القطاع الصحي وذلك بتنظيم سوق الأدوية وتطبيق قوانين التوريد فيما شكل مندوبية وزارية لمحاربة الفقر ومخلفات الاسترقاق والفوارق الاجتماعية كما استحدث خططا لإصلاح التعليم العالي والمتوسط والأساسي".
ووجهت المعارضة وبعض الأحزاب العديد من الانتقادات للرئيس الغزواني، وفي هذا المجال يقول البخاري: "بدأت بالفعل بوادر وئام سياسي وطني بعد أن خطا الرئيس الجديد ولد الغزواني خطوات باتجاه المعارضة عبر لقاءات جمعته بقادتها التقليديون والجدد ودعوتهم للتظاهرات الوطنية الكبرى وقد عبر هؤلاء عن ارتياحهم لمستوى التعاطي الإيجابي وهو أمر فهم لدى الرأي العام على أنه بداية لمسار تشاوري بين النظام والمعارضة حول القضايا الوطنية الكبرى".
وانضمت نواكشوط لمجموعة دول الساحل "5G في وقت تشهد فيه منطقة غرب أفريقيا تناميًا للجماعات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم داعش، تعليقًا على ذلك أكد البخاري: "نحن نتحدث عن قائد عسكري له تجربة عميقة في مجال الأمن ولا شك أن تجربة الرجل ستقود البلاد إلى تجنب ويلات الإرهاب التي تعيشها منطقة الساحل وهنا نستذكر أيضا أن فكرة إنشاء مجموعة الساحل للتنمية ومكافحة الإرهاب كانت فكرة مقدمة من موريتانيا ولاقت استحسان بلدان الجوار والمجتمع الدولي وكان الرئيس الحالي ولد الغزواني أحد المنظرين لانشائها ومتابعة أعمالها كقائد للجيش الموريتاني وله علاقات وطيدة بدول الجوار والخليج العربي والاتحاد الأوروبي.
كما اعتقد أن المقاربة الأمنية الموريتانية أثبتت نجاعتها خلال السنوات الأخيرة وحالت دون تمدد داعش باتجاه البلاد وحرمت القاعدة من تنفيذ مخططاتها في موريتانيا".