نعم.. مراجعات التسعينيات قابلة للتكرار
أبحاث حديثة وعديدة، أجرتها الكلية الملكية للأطباء النفسيين ببريطانيا عام ٢٠١٧ عن دور الأطباء النفسيين فى مواجهة الإرهاب. كما أقام الرئيس الأمريكى الأسبق أوباما، مؤتمرًا فى البيت الأبيض عام ٢٠١٥ واجتمع مع ٦٠ طبيبًا نفسيًا من حوالى ٤٠ دولة لتوضيح دور الطب النفسى فى مواجهة الإرهاب، ووضع خطة استراتيجية لمواجهة الإرهاب فكريًا.
تلك الاجتماعات والدراسات كانت تدور حول عدة محاور من ضمنها: هل الإرهابى مريض نفسى؟.. وكيف يتحول الشخص من راديكالى فكريًا إلى إرهابى مسلح؟.. وتم طرح سؤال: أيهما أخطر؛ الإرهاب الفكرى أم الإرهاب المسلح؟
ومن ضمن هذه الأبحاث، بحث لأستاذ طب نفسى فى جامعة جورج تاون الأمريكية، نشر فى عام ٢٠١١، ويتركز على كيفية التعامل النفسى مع الإرهابى، وهو ما يفيد فى التأهيل النفسى للإرهابيين داخل السجون بمصر.
التأهيل هنا يعتمد على شقين: الشق الأساسى وهو الشك العقلى، عبر نزع التطرف «deradicalization» وهو عملية معقدة وتنطوى على معالجة الحالة، وتكوين الأفراد المتورطين فى الإرهاب.
الشق الآخر هو فض الصلة مع الإرهاب «DISENGAGEMENT» وفك الارتباط ينطوى إما على التخلى عن العنف، أو التخلى عن جماعة تدعو أو تشارك بنشاط فى العنف، ولكنها لا تنطوى على أى تغيير حقيقى ودائم للعقل، باختصار التخلى عن الجماعة لا يعنى التخلى عن الأفكار.
وهنا نلفت إلى أن برامج التأهيل القديمة كانت تنجح فقط فى تغيير السلوك مؤقتًا ولكن الأفكار كانت تبقى دائمة، أما العلم الحديث فيسعى عبر برامج تأهيل تسهم فى تغيير الأفكار والتخلص من راديكاليتها تمامًا.
وهناك دراسة حديثة مشتركة بين أكثر من ١٥ دولة تعانى الإرهاب عن التأهيل النفسى داخل السجون، أوصت بعدة أشياء أهمها على الإطلاق ضرورة الفصل بين المساجين الجنائيين ومساجين الإرهاب، لأن وجودهم فى مكان واحد يؤدى إلى التجنيد والاستقطاب.
الأمر الثانى هو تطبيق برامج التأهيل على أعداد محدودة لا تزيد على ٣٠ إلى ٤٠ مسجونًا، وألا تقل مدة البرنامج عن ٦ أشهر بجانب برامج متابعة وتأهيل لمن تم الإفراج عنهم.
واختيار من ينضمون للتأهيل، عبر معايير هى: السن من ١٨ الى ٣٥ سنة، والتعليم فوق متوسط أو جامعى، وأن تكون تهمته سابقة أولى، وألا يكون شارك فى عمليات قتل، أى أنه عضو غير تنفيذى فى الجماعة، وأن يكون ملتزمًا بتعليمات وقوانين السجن.
وفى عام ١٩٩٧ بدأ قادة الجماعة الإسلامية بمصر برنامجًا واسعًا للعلاج من التطرف، أعلنوا بعده وقف العنف من جانب واحد، وأصدروا ٢٥ مرجعًا وحججًا عن عدم شرعية العنف ضد الدولة، وسمحت سلطات السجون وقتها للقادة بتنظيم مجموعات دراسية كبيرة داخل السجن، حيث يمكنهم جمع أتباعهم لإخبارهم بأن ما تعلموه فى الأصل عن الجهاد المسلح لم يعد مشروعًا ولا إسلاميًا، ورصدت الدراسات الأجنبية نجاح التجربة المصرية فى «توبة» حوالى ١٠٠ إرهابى.
لكن السؤال هنا: هل تصلح إعادة التجربة مرة أخرى؟.. وأرد: تجب إعادة التجربة مرة أخرى، ولكن بآليات حديثة ومناهج علمية فى الدين وعلم النفس والاجتماع والأمن المعلوماتى.
أما السؤال الذى يواجه مديرو السجون هو: إذا كان من الممكن إقناع سجناء العنف بالانسحاب، فما الذى ينبغى اتخاذه لتحقيق فك ارتباط الإرهابى المعالَج مع الإرهابيين؟
هذا التساؤل كان مطروحًا من خلال كتيب صادر ٢٠١٦ من خلال مكتب مكافحة الجريمة والمخدرات تحت عنوان «إدارة السجناء المتطرفين العنيفين ومنع العنف فى السجون».
الكتيب لفت أولًا إلى أن فك الارتباط من الإرهاب، قد لا يكون بالضرورة هو نفسه بالنسبة للجميع، وأسباب فك الارتباط يمكن أن تكون متعددة ومتضاربة، ومعقدة بشكل استثنائى، حتى فى حالة واحدة.