صناعات الفنون واقتصادياتها
لا أميل كثيرًا إلى مصطلح «الصناعات الثقافية»، فالثقافة لا تصنع، بل هى مجمل حياة، ولا أفضل أيضًا مصطلح «الصناعات الإبداعية»، فالإبداع هو كل شىء مبتكر. لذا فإن المصطلح الأنسب لموضوع مقالنا هو «صناعات الفنون»، وما أكثرها فى مصر، سواء الفنون التراثية، أو المعاصرة، لكننا لم نتمكن حتى الآن من تحويل هذه الصناعات المهدرة، إلى منتج يتم استغلاله بشكل أمثل، ليكون أحد مصادر الدخل القومى.
فى المغرب، تحتضن مدينة ورزازات أهم أماكن التصوير السينمائى، التى يزورها المنتجون من مختلف أنحاء العالم، لتصوير المشاهد التى تتعلق بالصحراء، أو الشوارع والمناطق ذات الطابع العربى، وما يميزها من طرز معمارية، لكن الأمر لم يأت من فيض الخاطر، بل قدم المركز القومى للسينما المغربية، تحت ولاية رئيسه السابق السينمائى الشهير نور الدين صايل، تسهيلات جمركية لدخول وخروج المعدات السينمائية، وذلك وفق استمارة بيانات، يتولى من خلالها المركز السينمائى بالتعاون مع الجهات والوزارات، إجراء جميع التسهيلات، من فرق عمل، ومعدات، وإقامة، وجميع التفاصيل الأخرى، وفقًا لاحتياجات الجهة المنتجة، بينما نحن فى مصر لدينا ما لا يتوافر فى أى مكان فى العالم، من مواقع تصوير متفردة، تضم الحضارة الفرعونية، ونهر النيل، والبحرين الأحمر والمتوسط، والصحراء. لكننا لم نحسن وضع إطار احترافى يضمن تسهيلات تحفز المنتجين على القدوم إلى مصر لتصوير أعمالهم.
أما المنتجات الحرفية التراثية، من «خزف، فخار، نحاس، خشب، فضة». فلدينا ما يدهش الزائرين من مختلف أنحاء العالم، لكننا لم نضع لها معايير الجودة المناسبة. لم نهتم بالشكل النهائى للمنتج، فضلًا عن تعدد الجهات المسئولة عن صناعة الحرف التراثية، التى تعمل كجزر منعزلة، لا يعلم أيها عن الآخر شيئًا.
من اللافت أيضًا الملابس التراثية، فهى عالم متكامل، له تنوعه وثراؤه، فما بين الملابس السيناوية، وملابس سيوه، والتلى الذى تكاد صناعته تنقرض، لولا الدور الذى تقوم به جمعية الفنان سعد زغلول، للحفاظ على صناعته بقرى أسيوط. الجميل فى الأزياء المصرية، وجود خصائص تتميز بها كل منطقة جغرافية عن الأخرى.
النصيب الهام أيضًا هو للفن التشكيلى، خاصة اللوحات الفنية ذات الطابع التراثى، الذى يحاكى الطبيعة المصرية، إلى جانب فنون الخيامية، والكليم والسجاد. «منتجات الفضة» المصرية، بتصميماتها ذات الطابع مصرى الهوية، تستحق أن تحتل مكانة عالمية متميزة، أما صناعة الأرابيسك والزجاج المعشق، ومستلزمات الديكور العربى والمنحدر من الزخارف الإسلامية، فهى كفيلة بتصديرها إلى دول الخليج العربى.
المسرح، الموسيقى، السينما، والكتاب جميعها صناعات ناتجة عن فنون، لسنا فى حاجة إلى الحديث عما تتميز به مصر عن غيرها فى كل هذه الصناعات.
المؤسف أننا نمتلك كل هذه الكنوز، بينما نتهافت على ما يتم تقليده من منتجات ترد إلينا من الخارج، عملًا بمقولة: «زامر الحى لا يطرب».
ما ينقصنا هو اليقين بأن هذه الأشكال الفنية المختلفة، يمكن أن تكون ذات بعد اقتصادى هام. نحن الآن ننتظر بمزيد من الأمل محور تنمية منطقة قناة السويس، وآمل أن تتاح فرصة تشييد مدينة لصناعات الفنون، تتوافر فيها أقسام ضخمة لكل ما ذكرناه، يقوم على إدارتها فريق متخصص يجمع بين القدرة على إدارة الفنون، والعمل من منظور اقتصادى بحت.
أليس من الممكن إقامة معرض للحرف التراثية يجوب دول الخليج الشقيقة؟.
هل من الصعب، تسويق مواقع التصوير السينمائى فى مصر، وتقديم التسهيلات اللازمة، بالتعاون بين وزارات الثقافة، الاستثمار، السياحة، والآثار؟.
أما الملابس التراثية، فليس أقل من «ديفيليهات» تقام فى الدول الأوروبية، ولا يختلف عنها كثيرًا منتجات الفضة، التى ستجذب المرأة الغربية.
لا يجب أن يكون الفن على هامش اهتمامات الدولة فى الوقت الحالى، فالأزمة الاقتصادية، تحتاج إلى فتح خزانات مصر المليئة بكل ما هو قادر على أن يشكل مصدرًا مهمًا من مصادر الدخل القومى.
لا يمكن أيضًا أن نغفل عنصرًا مهمًا من هذه الصناعات، هو المستنسخات الأثرية، فكم من مجانين بعلم المصريات وفنونه فى كل مكان فى العالم، فلو أننا أحسنا تسويق المستنسخات الأثرية، لحققنا مبيعات هائلة.
فنون مصر لم تنضب منذ الحضارة المصرية القديمة، مرورًا بالعصور المتعاقبة، التى أضافت، ولم تمح، فعززت من قيم التنوع والثراء والتفرد.. الفنون المصرية تدعوكم لتحسنوا الاستفادة من معطياتها وعطاءاتها التى لا تنتهى.