بالصور.. "عم صلاح" الخمسيني الصامد أمام "صنعة الأنبيا"
لم تمنعه إحدى عينيه المفقودة أو إبهامه الأيمن المبتور من التوقف عن "صنعة الأنبيا"؛ ورغم أعوامه الثامنة والخمسين يستخدم أقدامه الهرمة لتدوير عجلة الفخار؛ لتصنيع وتشكيل المشغولات الفخارية المختلفة.
بنفس راضية وعزيمة صاخبة وتلاوة خافتة لآيات قرآنية يعمل عم صلاح الرجل الخمسيني على عجلته الفخارية، الذي امتهن صنعة "الفخراني" أبًا عن جد منذ الثامنة من عمره، ولم يخضع لكبر سنه وعينه المفقودة للتوقف عن صناعة الفخار، الذي يصفها بـ"صنعة الانبيا".
ورشته البدائية المعتمة بمنطقة بطن البقرة؛ التي يعتمد على العمل فيها على ضوء النهار لعدم دخول الكهرباء بها؛ لذلك يبدأ يومه منذ شروق الشمس، وحتى العصر ليكون ضوء الشمس الشريك الفعلي لعمله ومصدر رزقه.
ولم تقف هذه العتمة أمام طلبة كليات الفنون الجميلة لتعلم صنعة الفخراني وأسرار المهنة وخباياها؛ كتدريب عملي بجانب الدراسة النظرية من عم صلاح: "طلبة الكليات بييجوا عندي عشان أعلمهم وهما زي ولادي بالظبط مش ببخل عليهم بأي حاجة".
ورغم الانخفاض الملحوظ في تجارة الفخار، يؤكد عم صلاح أن "صنعة الانبيا" أكبر رزق يُجنيه من عمله، مستشهدًا بالآية الكريمة "خَلَقَ الْإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ"، موضحًا أن الإقبال يزداد على الصناعات الفخارية من أصحاب القرى السياحية، والفنادق لتزيين قراهم بالمشغولات الأثرية اليدوية المصنوعة بأيدي مصرية.
"الشغلانة دي مفيهاش مخاطر أبدًا" هكذا أكد عم صلاح أن مهنة الفخراني لا تحمل أي مخاطر في صنعتها، رغم أنه فقد عينيه وإبهامه الأيمن من هذه الصنعة، عندما كان الثانية عشر من عمره وأثناء عمله مع والده دخلت بعض الأتربة داخل عينيه حين كان يقوم بعجن الطين المستخدم في صنع المشغولات الفخارية، ولم يهتم بها في الحال، موضحاً: "فضلت أدعكها جامد بعد كدا كملت شغل عادي"، وتركها لينمو ويزداد الألم لما سببته هذه الأتربة من صداع مزمن وانشقاق في الشبكية والقرنية؛ ما استلزم بعد ذلك ضرورة تفريغ القرنية بمستشفى القصر العيني.
"حسيت فجأة بسخونية في إيدي اليمين ولاقيت نافورة دم طالعة"، هكذا أوضح عم صلاح الضرر الذي أصاب يده اليمنى، فعندما كان يقوم بفحص تروس إحدى الآت المستخدمة في عجن الطين الأسواني، لتوقفها عن العمل فترات متقطعة، ما تسبب في بتر إبهام يده اليمنى.