مقاصد الأضحية
الأضحية فى المنظور الشرعى ما يذكى تقربا إلى الله - عز وجل - فى أيام النحر بشرائط مخصوصة، وعلى هذا فليس من الأضحية ما يذكى لغير التقرب إلى الله - سبحانه وتعالى - مثل ما يذبح أو ينحر لإكرام ضيف أو البيع أو مجرد الأكل، وليس منها ما يتقرب إلى الله - جل شأنه - فى غير هذه الأيام كالعقيقة، أو ما يذكى جزاء التمتع أو القرآن، أو جزاء ترك واجب أو فعل محظور فى الحج.
والأضحية من الأنعام - الإبل أو البقر والجاموس أو الضأن والماعز، بشرائط مخصوصة، فصّلها الفقهاء استنباطا من أدلة شرعية. والمتأمل بحق، المتدبر بصدق، بحسن الإدراك، وسلامة التناول وبالأدوات والمعطيات العلمية السليمة، يجد أن مقاصد جليلة فى شعيرة الأضحية منها: أن مقصودها شكر الله - تعالى - على نعمة الحياة إلى حلول الأيام الفاضلة من ذى الحجة، وإحياء سنة سيدنا إبراهيم - عليه السلام - حين أمره المولى الكريم - تقدست صفاته - بذلك الفداء عن ولده سيدنا إسماعيل - عليه السلام - فى يوم النحر، وأن يتذكر المؤمنون بالله جميعا أن صبرهما وإيثارهما طاعة الله - تعالى - ومحبته على محبة النفس والولد كانا سبب الفداء ورفع البلاء، وفى هذا اجتمع بالمصطفين الأخيار من جهة، وفى إقرار مبدأ زمالة الشرائع والأديان من جهة أخرى.
قال الله - سبحانه وتعالى - مخبرا عن هذا «فلما بلغ معه السعى قال يا بنى إنى أرى فى المنام أنى أذبحك، فانظر ماذا نرى ما ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدنى إن شاء الله من الصابرين.. إلى أن قال «وفديناه بذبح عظيم» الآيات من سورة الصافات.
وقال لأمة الإسلام فى شخص رسولها سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - «فصل لربك وانحر» الآية من سورة الكوثر.
وتتضح الرؤية الإسلامية السديدة فى العلاقة بين شكر الله - تعالى - إراقة الدم، بوجوه أهمها:
أولا: إن إراقة الدم بتزكية الأضحية، وسيلة للتوسعة على النفس ومن يعول، والتصدق على ذوى الحاجات، وإكرام الجار والضيف والصاحب والقريب وما أشبه بالإهداء، وهى فى مجموعها مظاهر للفرح والسرور، بنعم الله - سبحانه - ومؤدى هذا التحدث بنعمة الله - تعالى - «وأما بنعمة ربك فحدث» من سورة الضحى.
ثانيهما: المبالغة فى تصديق الله - عز وجل - فيما أخبر به من خلقه الأنعام لنفع الإنسان «والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون»، من سورة النحل، وأذن فى ذبحها ونحرها لتكون طعاما وقوتا له.
ثالثهما: إن الله - تعالى - خالق الإنسان والحيوان وكل شىء، أمرالإنسان برحمة الحيوان والإحسان إليه، وأخبرنا - وهو الحكيم - أنه خلق الأنعام للإنسان وأباح تذكيتها والانتفاع بها والتقرب بها إليه، كذلك فإباحة أكل الذبائح لا يقل عن إباحة أكل الأسماك والطيور وما أشبه، فكلها نعم من فضله الله تعالى وكرمه وخلقه فى أحسن تقويم وجعله خليفة فى أرضه، وسخر له ما فى الكون للانتفاع على الوجه المشروع. والأضحية بمفهومها ومقاصدها وشرائطها شرعت فى السنة الثانية من الهجرة النبوية التى شرعت فيها صلاة العيدين وزكاة المال، لتكون من جملة القربات لله تعالي، مسنونة بلسان الشارع، تفعل فى أيام مباركات «والفجر وليال عشر» و«واذكروا الله فى أيام معدودات» لتكون شكرا وذكرا تختم به الليالى العشر، وتستفتح بها أيام النحر والتشريق. لتظل معلما من معالم الإيمان، وشعيرة من شعائر الإسلام لأولى الألباب بمسيرة الصالحين المصلحين فى مواطن الصبر على البلاء، والشكر على النعماء، ليكون الصبر والشكر معا منهاج السالكين فى مدارج البر والخير، الحق والصدق، فى عملية تدل على إحكام الأحكام فى الدين الحق.. والله تعالى الهادى إلى سوءالسبيل.
■ أستاذ بجامعة الأزهر - القاهرة