قرارات هامة.. وتحركات دولية ..
نص كلمة الأمين العام للجامعة العربية في اجتماع وزراء الخارجية اليوم
أكد الأمين العام لجامعة الدول العربية الدكتور نبيل العربي، أن المطلوب الآن، وبإلحاح، هو النظر في إنشاء قوة عسكرية أمنية عربية مشتركة.
وأضاف العربي - خلال كلمته، اليوم الإثنين، أمام الجلسة الافتتاحية للدورة العادية 143 لمجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري برئاسة الأردن - أن هذه القوة يجب أن تكون متعددة الوظائف، وقادرة على الاضطلاع بما يعهد إليها من مهام في مجالات التدخل السريع لمكافحة الإرهاب وأنشطة المنظمات الإرهابية.
وتابع العربي: تضطلع هذه القوة بالمساعدة في عمليات حفظ السلام، وتأمين عمليات الإغاثة والمساعدات الإنسانية وتوفير الحماية للمدنيين، إضافة إلى التعاون في المجالات ذات الصلة بحفظ الأمن وتبادل المعلومات بين الدول العربية التي أصبح عددًا منها في حاجة ماسة لمثل هذه الآلية؛ لمساعدة حكوماتها على صيانة الأمن، والاستقرار، وإعادة بناء قدراتها ومؤسساتها الوطنية.
وأعرب العربي عن اعتقاده أن البحث في هذا الاقتراح، لابد وأن ينطلق من المسؤولية الجماعية التي نتحملها جميعًا كدول، وشعوب، ومنظمات حكومية، ومدنية، إزاء ما يواجهنا من تحديات خطيرة.
وأكد الأمين العام للجامعة العربية، أن اتخاذ القرارات اللازمة لتحقيق ذلك مناطُ بالدول الأعضاء صاحبة الحق السيادي الذي لا نزاع فيه باستخدام القوة المسلحة؛ للدفاع عن أمنها وسلامتها الإقليمية بالطريقة التي تتفق ورؤيتها لمصلحتها وواجباتها الوطنية والقومية، في إطار أحكام وقواعد القانون الدولي.
وأشار إلى أن القرار السياسي باللجوء إلى استخدام تلك الآلية العسكرية والأمنية المشتركة المشار إليها، يتعين أن يكون وفقاً لأحكام ميثاق الجامعة والمعاهدات والاتفاقيات والقرارات العربية، وبما يتسق أيضاً مع أحكام ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة وقراراتها ذات الصلة وقواعد القانون الدولي.
كما أن مثل هذا القرار لابد وأن يتضمن تصوراً واضحاً للحالات التي يتم فيها اللجوء إلى استخدام مثل هذه الآلية المشتركة، وبما يضمن الحفاظ على سيادة الدول الأعضاء واستقلالها، وعدم التدخل في شئونها الداخلية، إلا في الحالات التي تتطلب ذلك وبناءً على موافقة الدولة أو الدول المعنية والتي يكون أمنها واستقرارها يتعرّض للمخاطر وتطلب حكوماتها مساعدة أشقائها العرب.
وأضاف، "آن الأوان لبلورة موقف عربي موحد إزاء مختلف التحديات المطروحة، وبما يعكس فعلاً لا قولاً الإرادة السياسية العربية الجماعية المطلوب استنهاضها لنتمكّن من أن نأخذ بأيدينا إدارة شؤون الأزمات والقضايا المصيرية التي تواجه حاضر هذه الأمة ومستقبلها".
وقال العربي: إنه بانطلاق أعمال هذه الدورة الهامة، يباشر المجلس الوزاري أعمال التحضير الفعلية للقمة العربية المقبلة المقرر عقدها في 28 الجاري برئاسة جمهورية مصر العربية في شرم الشيخ.
وأشار إلى أن الرأي العام العربي والرأي العام الدولي ودوائر صنع القرار في مختلف الدول يتطلع إلى ما سوف يصدر عن هذه القمة من قرارات عربية جماعية تتناسب مع التحديات الكبرى التي تواجه المنطقة، وفي مقدمتها ما يتعلق بتطوير آليات العمل العربي المشترك، وتفعيلها للانتقال بجامعة الدول العربية من مصاف الجيل الأول من المنظمات إلى مصاف الجيل المعاصر من المنظمات الإقليمية والدولية في أنظمتها التأسيسية وأساليب وآليات عملها.
وأوضح العربي، أن المرحلة الحالية، وما تفرضه من تحدياتٍ تتطلب الارتقاء إلى مستوى المسؤولية والتفكير في اتخاذ قرارات مبتكرة وجدية لمواجهة النيران المشتعلة من حولنا شرقا وغرباً، قراراتٍ تستجيب لمتطلبات هذه المرحلة، وتتجاوز في مضمونها ما اعتدنا عليه من قوالب جامدة وأُطر تقليدية لم تعد مُجدية في هذا الزمان للتعامل مع ما نواجهه من محن وأزمات خطيرة.
وأكد العربي، أن المطلوب أن تكون الجامعة العربية أكثر قدرة وفاعلية على الاستجابة السريعة لما يعصف بالمنطقة من تغيرات وما تواجهه من مخاطر جسيمة.
ونبه العربي إلى أن الأمن القومي العربي يواجه مخاطر تتصاعد حدتُها وتداعياتُها على جميع بلدان المنطقة، ولعل من أخطرها ما نشهده اليوم من تمدّد سرطاني لأنشطة جماعات الإرهاب والتطرف العابرة للحدود، والتي تتخذ من الدين الإسلامي الحنيف، زوراً وبهتاناً عباءةً لجرائمها وانتهاكاتها البشعة عبر نشر ثقافة الموت والقتل والدمار لكل ما يُميّز هذه المنطقة العريقة من تنوع ديني وإثني وحضاري وإرث ثقافي، وهو ما يتجلى فيما يشهده العراق حاليا.
بالإضافة إلى المشاهد المرعبة لعمليات القتل التي نفذّها تنظيم "داعش" الإجرامي الإرهابي بحق الطيار الأردني البطل معاذ الكساسبة والمواطنين المصريين الأبرياء، 21 مواطناً مصرياً بريئاً، وغيرهم الكثير في: ليبيا، والعراق، وسوريا، مقدما خالص التعزية إلى حكومات هذه الدول التي عانت من الإرهاب، مشددًا على دعم الشرعية سواء في ليبيا أو اليمن.
وأكد العربي على دعم جامعة الدول العربية لكل ما تبذله الحكومات العربية من جهود في مكافحة الإرهاب، وما تُقدّمه من إسهامات لدحر الإرهاب والقضاء عليه.
وتابع العربي: "إلا أن كل ذلك، لا يخفي حقيقة لابد لنا من مواجهتها وبكل موضوعية وبكل أمانة، وهي أن من أسباب تمدّد هذه الجماعات الإرهابية واتساع رقعة أنشطتها يعود في الأساس إلى عدم القدرة على احتواء وحل الأزمات السياسية المتفاقمة، سواء في سورية أو ليبيا أو حالياً أيضاً في اليمن، كما أن من أسباب ذلك أيضاً استمرار النزاعات الإقليمية والخلافات العربية التي نرجو أن يتم تسويتها قريباً".
وفي هذا السياق، أشار العربي إلى أنه في مقدمة القرارات الهامة المطروحة؛ للبحث على جدول أعمال المجلس تلك المتعلقة بتطوير آليات عمل جامعة الدول العربية وتفعيلها، خاصة مشروع القرار الخاص بتعديل ميثاق جامعة الدول العربية.
فضلًا عن مشروع النظام الأساسي المعدل لمجلس السلم والأمن العربي، ومشروع القرار الخاص بصيانة الأمن القومي العربي ومكافحة الجماعات الإرهابية، علماً أن مشروعات القرارات هذه سوف يتم رفعها من قبل المجلس إلى القمة العربية المقبلة للنظر فيها واتخاذ القرار المناسب بشأنها.
ولفت إلى أن ما جاء في قرار المجلس الوزاري رقم 7804 في السابع من سبتمبر الماضي، والذي نص في فقرته السابعة على: "تأكيد العزم على مواصلة الجهود لتعزيز الأطر القانونية والمؤسسية لجامعة الدول العربية في مجال تعزيز الأمن القومي العربي ومكافحة الإرهاب، واتخاذ جميع الإجراءات الضرورية سياسيًا، وأمنيًا، وقضائيًا، وفكريًا؛ لمواجهة مخاطر الإرهاب وما يفرضه من تحديات".
كما أكد القرار على التزام الدول العربية باتخاذ جميع التدابير اللازمة في مواجهة شاملة لرد الاعتداء ولإعادة الأمن والسلام إلى نصابهما.
وقال العربي: "إنه في هذا الإطار، يُثار التساؤل حول رد الفعل الجماعي العربي الذي يتناسب مع حجم المخاطر ومتطلبات المواجهة الشاملة مع جماعات العنف والإرهاب، ويفضي إلى دحر تلك الجماعات الإرهابية واستعادة السلم والاستقرار والشرعية، من حيث أن رد الفعل العربي الجماعي لابد وأن يستند إلى معاهدة الدفاع العربي المشترك".
وأضاف العربي: "نحن نتجه إلى تطوير آليات العمل العربي، ولابد لنا من التفكير وبعمق في مقاربات جديدة إزاء معالجة الأزمات المشتعلة من حولنا، والتي تصيب في مجرياتها وتداعياتها أسس الأمن القومي العربي بمجمله، ومستقبل السلم والأمن الإقليمي وكذلك الدولي".
وأفاد أن في مقدمة تلك القضايا مستقبل القضية الفلسطينية، وهي القضية المركزية المحورية التي تشغل بالنا وضمائرنا، لا بل مستقبل المشروع الوطني الفلسطيني، الذي يتعرض اليوم لأفدح المخاطر بسبب استمرار سياسات التعنت الإسرائيلي المُدمّرة لجهود تحقيق السلام، والمُصرّة على المُضي في عمليات الاستيطان وقضم الأراضي الفلسطينية وتهويد القدس الشريف، إضافة إلى الحصار الجائر المفروض على قطاع غزة وما يعانيه من أوضاع إنسانية قاسية".
وقال العربي: إن "تبني مقاربة عربية جديدة إزاء التعامل مع التحدي الإسرائيلي، خاصة بعد التصريحات الأخيرة لرئيس الحكومة الإسرائيلية والتي تدمر ما تبقى من أمل ضعيف في إنجاز حل الدولتين".
وأكد العربي على موقف الجامعة الداعم دائماً للقيادة الفلسطينية وخياراتها الاستراتيجية؛ لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي.
واستطرد قائلًا: أود أن أكون واضحًا أن ما اتفقنا عليه من خطوات للتحرك العربي في اجتماع المجلس يوم 15 يناير 2015، لا يسعى إلى إصدار قرار آخر يُضاف إلى سلسلة القرارات السابقة التي لم تُنفّذ الصادرة عن مجلس الأمن.
واختتم العربي خطابه، مؤكدًا على أن الجامعة العربية تسعى إلى تبني قرار نوعي جديد في مضمونه ،وينص بوضوح على آلية تنفيذية، وجدول زمني مُحدّد لعملية المفاوضات ومرجعياتها المتفق عليها، وتحت إشراف مباشر من مجلس الأمن، وذلك حتى تكون تلك المفاوضات مُجدية وذات مغزى وتؤدي إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.