فقه التعددية السياسية
إلا أن فضيلته أورد ألفاظًا من نصوص شرعية منزوعة السياق ليست فى محل النزاع وبعضها «قياس مع الفارق» وأخرى خارجة عن الرواية المقبولة والدراية المعقولة، وذكر مواقف ووقائع ظنها من أعمال حزبية سياسية من التاريخ الإسلامى لاسيما فى حقبة صدر الإسلام.
وفى الميزان العلمى السليم فإن الاستنباطات التى انتزعها قهرًا للدلالة على مشروعية إنشاء أحزاب سياسية فى غير محلها السليم، أن الراجح لا المرجوح الأصل فى إنشاء أحزاب سياسية «الحظر والمنع»، وفى غير الترجيح، فلو أردنا الجمع فالترخص لعمل أحزاب سياسية إنما بقيود شرعية ولا وجود لها فى الواقع العلمى!
بالاستقراء الأمين فى النصوص والقواعد الشرعية فإن منع التعددية الحزبية السياسية مستند إلى أدلة منها: أدلة القرآن الكريم:
أولاً قول الله - عز وجل -: «إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا لست منهم فى شىء»
ثانيًا: قوله - جل شأنه - : «ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا كل حزب بما لديهم فرحون»
ثالثًا: قوله - تقدست صفاته: «واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا»
رابعًا: قوله - تباركت أسماؤه-: «ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم» خامسًا: قوله - سبحانه -: « أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه» وجه الدلالة: نهى جازم يقتضى التحريم عن التفرق فى الدين، والتنازع المفضى إلى مفاسد. أدلة السنة النبوية: منها: قوله - صلى الله عليه وسلم -: «من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه».. «عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة»، «الجماعة رحمة والفرقة عذاب» «ليس أحد يفارق الجماعة شبرًا فيموت إلا مات ميتة جاهلية»، «إياكم والشعاب وعليكم بالجماعة».
وجه الدلالة: دلت الأخبار الصحيحة وما يماثلها وما يناظرها وما يشابهها على لزوم الجماعة، وترك الفرقة ومن مجموع النصوص الشرعية يستدل على تحريم الأحزاب التى تفرق المجتمع وتجعله شيعًا فى تنافس مذموم.
ومن أدلة المعقول: على فرض حصول مصالح - وإن كانت كلها خاصة لاتباع الأحزاب - فتقابلها مفاسد من العداوات والشحناء والبغضاء وبذل وسائل غير مشروعة كدفع رشاوي، وشراء ذمم، وانتقاص مخالفين، والنيل من أعراضهم ودمائهم.
إن الواقع المرير فى التعددية السياسية فى «صفين» و«النهروان» وما حدث من خوارج ضد سيدنا عثمان - رضى الله عنه -، وما حصل من تنازع فى الأندلس وغيرها، والصراع على الإمارة فى ممالك.. عاد سلبا على الأمة ومقدساتها ورسالتها وأمنها وسلامتها. وأسوأ ما يكون فى التعددية السياسية نسبتها كلها أو بعضها للدين الحق «قميص عثمان»! «الحاكمية لله وليس لعلى»! واللعب بعواطف ومشاعر الناس بشعارات ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب.
وليس منع،، التعددية السياسية» سواء نسبت للدين، أم لا يعد فصلاً للدين عن السياسة، بل الدين يسع السياسة بمفهومها الشرعى وليس بثيابها المعاصرة وشتان بين الثرى والثريا! وعالمنا صاحب الوعى السليم والعمق الدقيق يعى هذه الفروق جيدًا لموسوعيته العلمية المشهور بها، إلا أن عوادى التحزب والتمذهب والتعصب قد تجعل للفكر شطحات.. والله من وراء القصد.
■ أستاذ الفقه بجامعة الأزهر الشريف