رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

دراسة للمستشار محمد خفاجى ترصد موقف مصر الثابت ضد تقسيم فلسطين ومخططات التهجير القسرى (2)

المستشار محمد خفاجى
المستشار محمد خفاجى

يثور التساؤل عن أسباب الموقف الثابت لمصر – وهو موقف تاريخي – عن رفض الدعوة الأمريكية التي أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتهجير الفلسطينيين قسريًا إلى مصر والأردن لتنفيذ مخطط التهجير القسري لسكان قطاع غزة إلى سيناء، بحجة إعادة الإعمار، بعد أن فشلت إسرائيل في تخويف الشعب الفلسطيني بتنفيذ استراتيجية الجحيم في قطاع غزة بالقصف والحصار والتجويع، حيث ثبت فوق أرضه. وما ترفضه مصر للتهجير بثبات حفاظًا على وطن فلسطين، وعدم تصفية القضية الفلسطينية، وحفظًا للأمن القومي المصري.

وفي سبيل معركة الوعي القومي العربي والمصري، أجرى المفكر والمؤرخ القضائي المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي، نائب رئيس مجلس الدولة، دراسة مهمة بعنوان: "لماذا ترفض مصر التهجير القسري للفلسطينيين؟ والحل الأمثل لإنهاء الصراع.. نظرات في التاريخ والوعي".

نعرض للجزء الثاني من دراسة الفقيه المصري في ثلاث نقاط:

  1. المجتمع الدولي فشل في نهج إدارة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني لأنه لم يعالج الأسباب الجذرية للصراع، وحان وقت التغيير.
  2. الحل السياسي القائم على تقرير المصير والسيادة للشعبين أفضل من الحل العسكري، الذي لن يحسم الصراع، فلا أمن ولا حرية على حساب الآخر.
  3. (6) مبادئ كفيلة بحل الصراع الأبدي بين إسرائيل وفلسطين.

المجتمع الدولي فشل في نهج إدارة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني 

يقول الدكتور محمد خفاجي: "بعد مرور عام وما يقارب أربعة أشهر على الهجمات التي شنتها حماس في السابع من أكتوبر 2023، والهجوم الإسرائيلي الغاشم المستمر غير المتكافئ على سكان قطاع غزة المدنيين، خاصة الأطفال والنساء والشيوخ، يدعو حكماء العالم المتخصصون في قراءة صراعات الشعوب إلى اتباع نهج جديد في التعامل مع الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، يكون من شأنه أن يؤدي إلى سلام عادل موثوق ومستدام حقيقي على الأرض، يقوم على عدة أفكار جوهرية، على قمتها تحقيق السيادة، وتقرير المصير، والمساواة في الحقوق لكلا الشعبين معًا. والرأي عندي أنه بغير تلك النظرة سيظل الصراع قائمًا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها."

ويضيف: "على المجتمع الدولي ألا يستمر في تكرار نفس النهج الفاشل الذي اتبعه على مدار العقود الماضية، وعليه أن يغير نظرته ومنهجه بأن يتخذ خطوات فعلية واقعية قادرة على التنفيذ لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي غير القانوني، وتحقيق حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره بالاعتراف الكامل دون مواربة كشكل متكامل للدولة من إقليم وشعب وسلطة ذات سيادة كاملة حقيقية، على قدم المساواة مع إسرائيل، وليست سيادة منقوصة. وحتى نكون على بداية الطريق الصحيح، يجب القضاء على كل صور العنف ضد المدنيين الفلسطينيين والإسرائيليين على السواء، لتمهيد الطريق أمام الوصول للسلام المستدام، وهو ما يفرض التزامًا ثلاثيًا على إسرائيل، وكذلك جميع الفصائل الفلسطينية - بما في ذلك حماس - وجميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، للالتزام بشكل قاطع ودون ريب بإنهاء الاحتلال، وتنفيذ حل الدولتين على أرض الواقع."

الحل السياسي بتقرير المصير والسيادة للشعبين أفضل من الحل العسكري غير الحاسم للصراع، فلا أمن ولا حرية على حساب الآخر

يذكر الدكتور محمد خفاجي: "إن الحل السياسي القائم على تقرير المصير والسيادة للشعبين أفضل من الحل العسكري، الذي لن يحسم الصراع. فالحل السياسي يجب أن يُبنى على مبادئ تقرير المصير والسيادة والحقوق المتساوية للشعبين. أما الحل العسكري، فلن ينهي هذا الصراع، بل لعلنا لا نبالغ في القول إنه لا يمكن لأي من الشعبين تحقيق الأمن والأمان والحرية على حساب الآخر. إن حل الدولتين سيظل هو السياق الأمثل دوليًا لإنهاء الصراع الأبدي، فتتحقق دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة كاملة إلى جانب دولة إسرائيل، بحدود على طول خطوط ما قبل عام 1967. ويجب على الطرفين، إسرائيل وفلسطين، النظر بجدية لهذا الحل ليكون قابلًا للتطبيق والتنفيذ لصالح شعبيهما معًا من أجل السلام."

ويركز على نقطة مهمة: "والرأي عندي أن حل الدولتين ليس مفروشًا بالورود لدى أطراف الصراع أنفسهم، إسرائيل وفلسطين. فعلى صعيد الواقع العملي، أمامنا صعوبات كثيرة يجب أن تكون في ذهن المجتمع الدولي، تتمثل في استمرار الحكومة الإسرائيلية في احتلالها غير القانوني والدائم للأراضي الفلسطينية وضمها، وتوسيع المستوطنات غير القانونية بقرارات الأمم المتحدة وأحكام محكمة العدل الدولية، ناهيك عن التمييز المنهجي الفج وإخضاع شعب لشعب آخر. فضلًا عن أن التشريعات التي يصدرها الكنيست الإسرائيلي ذات الصلة والتدابير الإسرائيلية تمثل خرقًا لالتزاماتها الدولية بشأن الفصل العنصري. وحتى لو تسامحت بعض الدول مع هذا الوضع أو دعمته لفترات طويلة، ولو من العرب أنفسهم بطريقة سلبية عن طريق التطبيع والصمت، والسكوت عن تلك الخروقات لأحكام القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، فلن يقبله المجتمع الدولي، الذي بدأ البعض منه يجعل إسرائيل نفسها معزولة عن تلك الدول الرافضة لقهر الشعوب."

(6) مبادئ كفيلة بحل الصراع الأبدي بين إسرائيل وفلسطين

1- تقرير المصير والسيادة المتساوية للشعبين

يذكر: "يتمثل المبدأ الأول لحل القضية الفلسطينية في تقرير المصير والسيادة المتساوية للشعبين، وهو جوهر الحل السياسي لجهود المجتمع الدولي. فحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير يتطلب بالضرورة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي غير القانوني، والحيلولة دون ضم الأراضي الفلسطينية بشكل دائم، لتكون هناك دولة فلسطينية مستقلة ذات السيادة إلى جانب دولة إسرائيل، بحدود على طول خطوط ما قبل عام 1967، وهو السبيل الأمثل لحل القضية."

ويشير: "فعلى الفلسطينيين عبء كبير لتحقيق حلم الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، بأن تدعم كافة الفصائل الفلسطينية، بما فيها حماس، هدف إقامة حكومة فلسطينية موحدة تشرف على غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية، وهو ما يتطلب المصالحة بين الفصائل الفلسطينية تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية، باعتبارها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني. ومن ناحية إسرائيل، يجب الاعتراف بطول حدود ما قبل عام 1967، بما يتضمنه من إنهاء الحصار الإسرائيلي المفروض على غزة بشكل كامل."

2- تغيير نهج الدول العربية المطبعة مع إسرائيل

يوضح: "يتمثل المبدأ الثاني لحل القضية الفلسطينية في تغيير نهج الدول العربية المطبعة مع إسرائيل، بحيث يكون مشروطًا بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي غير القانوني وتحقيق دولة فلسطينية. ذلك أنه إذا ارتأت بعض الدول العربية أن تطبيع العلاقات بينها وبين إسرائيل يحقق مصالحها في المنطقة، فإنه يتعين على إسرائيل أن تراه أيضًا أمرًا ضروريًا لأمنها على المدى الطويل. والرأي عندي أن اتفاقيات التطبيع لن تكون بديلًا لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وحتى يؤتي ثماره، يجب أن يكون التطبيع الكامل مشروطًا بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وإنهاء جميع عمليات بناء المستوطنات غير القانونية، والاعتراف بدولة فلسطين على طول خطوط ما قبل عام 1967."

 

3-  السلام المستدام للإسرائيليين والفلسطينيين ولمنطقة الشرق الأوسط يتطلب أسلوبًا جديدًا من الحوار والتعاون الأمني الإقليمي الشامل، والسلامة الإقليمية لدول الجوار

ويذكر الدكتور خفاجي: "المبدأ الثالث يتمثل في أن السلام المستدام للإسرائيليين والفلسطينيين ولمنطقة الشرق الأوسط يتطلب أسلوبًا جديدًا من الحوار والتعاون الأمني الإقليمي الشامل، والسلامة الإقليمية لدول الجوار، وهو ما يلقي بآثاره نحو تعزيز الأمن بالنسبة للإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء، وهو ما يتطلب نهجًا جديدًا للدول الفاعلة في المنطقة عن الانقسامات الجيوسياسية، بنظرات مستجدة في الإطار الأمني الإقليمي الشامل، ذلك أن الأمن المتبادل للشعبين يتطلب ترتيبات أمنية تعاونية تقوم على السيادة المتساوية للطرفين، والسلامة الإقليمية لدول الجوار عن طريق اتفاق دولي".

ويضيف: "ويقوم الأسلوب الجديد على احترام العلاقات السلمية المستقبلية بين إسرائيل وفلسطين بالاعتراف بالسيادة المتساوية لكل منهما، على غرار الترتيبات التعاهدية التي عقدتها إسرائيل مع كل من مصر والأردن، وهو ما يتطلب تمكين كل من الدولتين من ممارسة السيطرة الأمنية الكاملة على أراضيها وحدودها، وربما تطلب الأمر مرحلة انتقالية لبث الثقة وتلافي المخاوف الأمنية المشروعة لدى الإسرائيليين والفلسطينيين".

4- الاعتراف الكلي بدولة فلسطين موحدة ذات سيادة والعضوية الكاملة في الأمم المتحدة دون تقويض لأمن الفلسطينيين والإسرائيليين.

ويستطرد: "يتمثل المبدأ الرابع في الاعتراف الكلي بدولة فلسطين موحدة ذات سيادة والعضوية الكاملة في الأمم المتحدة، دون تقويض لأمن الفلسطينيين والإسرائيليين، وهذا يفرض بداهة على بعض الدول الأعضاء في الأمم المتحدة التي لم تعترف بعد بفلسطين أن تتجه صوب هذا الاعتراف، وعلى أعضاء مجلس الأمن أن يدعموا العضوية الكاملة لفلسطين في الأمم المتحدة، في ضوء الدعم الذي أعربت عنه الجمعية العامة للأمم المتحدة. والرأي عندي أن الاعتراف والعضوية الكاملة في الأمم المتحدة لفلسطين يضمنان فكرة التكافؤ الدولي مع إسرائيل، كما يجب ألا يقوض تلك الجهود أمن كل من الفلسطينيين والإسرائيليين، وأن تكون هناك ترتيبات أمنية تعاونية قائمة على السيادة المتساوية".

5-  حل تفاوضي يعالج حقوق اللاجئين الفلسطينيين.

ويوضح: "يتمثل المبدأ الخامس في حل تفاوضي يعالج حقوق اللاجئين الفلسطينيين، لأنهم جزء أساسي من تكوين الشعب الفلسطيني الذين تم تهجيرهم قسريًا منذ عام 1948 وذويهم وأحفادهم، والحد من مخالفة هذا الاتجاه أو عرقلته من أي طرف، فمعالجة حقوق اللاجئين الفلسطينيين من العناصر الداخلية في حل الصراع، ولا يمكن إنكار الدور الذي تؤديه الأونروا، التي يجب أن يكون لها دور فاعل بشأنهم".

6-  تفعيل شرعية القانون الدولي بين الطرفين بوضع حد للإفلات من العقاب طويل الأمد للانتهاكات الخارقة لقواعده، حمايةً للمدنيين.

ويختتم الفقيه المصري: "يتمثل المبدأ السادس في تفعيل شرعية القانون الدولي بين الطرفين بوضع حد للإفلات من العقاب طويل الأمد للانتهاكات الخارقة لقواعده منهما، وفي سبيل ذلك يجب إعادة التأكيد على حماية المدنيين والمرافق المدنية، ومبدأ التناسب في الصراع المسلح، والتعويض الكامل عن الأضرار الناجمة عن جميع الأعمال غير القانونية، واستنهاض دور الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، لاحترام وتنفيذ جميع قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وجميع قرارات محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية".