رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

دراسة للمستشار محمد خفاجى ترصد موقف مصر الثابت ضد تقسيم فلسطين ومخططات التهجير القسرى

الدكتور محمد عبدالوهاب
الدكتور محمد عبدالوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة

يثور التساؤل عن أسباب الموقف الثابت لمصر- وهو موقف تاريخى- عن رفض الدعوة الأمريكية التى أطلقها الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، للتهجير القسرى للفلسطينيين إلى مصر والأردن لتنفيذ مخطط التهجير القسرى لسكان قطاع غزة إلى سيناء بحجة إعادة الإعمار، بعد أن فشلت إسرائيل فى تخويف الشعب الفلسطينى بتنفيذ استراتيجية الجحيم بقطاع غزة بالقصف والحصار والتجويع الذى ثبت فوق أرضه.

ما ترفضه مصر للتهجير بثبات حفاظًا على وطن فلسطين وعدم تصفية القضية الفلسطينية وحفظًا للأمن القومى المصرى، وفى سبيل معركة الوعى القومى العربى والمصرى، أجرى المفكر والمؤرخ القضائى القاضى المصرى الدكتور محمد عبدالوهاب خفاجى، نائب رئيس مجلس الدولة، دراسة مهمة بعنوان «لماذا ترفض مصر التهجير القسرى للفلسطينيين؟ والحل الأمثل لإنهاء الصراع: نظرات فى التاريخ والوعى».

ونعرض للجزء الأول من دراسة الفقيه المصرى فى نقطتين:

الأولى: أن مصر موقفها ثابت، فقد قادت 13 دولة عام 1948 لرفض نشأة إسرائيل وتقسيم فلسطين، وأمريكا قادت 33 دولة بنشأتها وتقسيم فلسطين (17% من العالم والباقى تحت الاستعمار).

الثانية: أن دعوة الرئيس الأمريكى ترامب للتهجير القسرى للفلسطينيين إلى سيناء تخالف الشرعية الدولية وتمحو الوجود الفلسطينى من سياق التاريخ، وتعيد ذكرى نكبة 1948.

مصر موقفها ثابت: قادت 13 دولة عام 1948 لرفض نشأة إسرائيل وتقسيم فلسطين حفظًا لأرض فلسطين وحرصًا على أراضى الأمة العربية مستقبلًا

يقول الدكتور محمد خفاجى: «إن مصر موقفها ثابت منذ البداية لم يتغير تجاه الشعب الفلسطينى، فقد قادت 13 دولة عام 1948 لرفض نشأة إسرائيل وتقسيم فلسطين، وقادتها للانسحاب. أما الدول الـ13 التى رفضت نشأة إسرائيل وتقسيم فلسطين فكان على قمتها: مصر واليمن والعراق ولبنان وسوريا والسعودية وإيران وباكستان وأفغانستان وكوبا وتركيا والهند واليونان».

ويشير: «عند إعلان نتيجة التصويت، قادت مصر الانسحاب من الاجتماع وتبعها المندوبون العرب، وأعلنوا جميعًا فى بيان جماعى رفضهم الخطة واستنكارهم لها. الأمر الذى دعا جيمس فورستال، وزير الدفاع الأمريكى حينذاك، إلى تسجيل القول فى مذكراته: «إن الطرق المستخدمة للضغط ولإكراه الأمم الأخرى فى نطاق الأمم المتحدة كانت فضيحة».

ويؤكد: «رؤية مصر عام 1948 أن نشأة إسرائيل بتقسيم فلسطين منح 56.5% من فلسطين لليهود الذين كانوا يملكون 7% فقط من التراب الفلسطينى، وحرصًا على أراضى الأمة العربية مستقبلًا، لذا قادت 13 دولة رفض قرار تقسيم فلسطين. وكان ذلك لسببين: الأول أنه أعطى الاقتراح 56.5% من فلسطين لليهود الذين كانوا يملكون 7% فقط من التراب الفلسطينى. والسبب الثانى رفض مصر والدول الأخرى هو التخوف من المستقبل على أراضى الأمة العربية، خشية أن تكون خطة التقسيم نقطة البداية لاستيلاء اليهود على المزيد من الأراضى العربية، وهو ما أثبت التاريخ صدق رؤية مصر».
 

أمريكا قادت 33 دولة لنشأة إسرائيل وتقسيم فلسطين (17% من العالم فقط والباقى تحت الاستعمار)

يقول الدكتور محمد خفاجى: «إن أمريكا قادت 33 دولة لنشأة إسرائيل وتقسيم فلسطين (17% من العالم فقط والباقى تحت الاستعمار)، ذلك أن إسرائيل نشأت بالغش بموافقة 17% بموافقة 33 دولة فقط من أصل 57 دولة، هى العدد الكلى وقتذاك فى منظمة الأمم المتحدة بمؤامرة بريطانية على فلسطين! بينما عدد العالم الحالى 193 دولة، وكانت سائر دول العالم تحت نير الاستعمار، حيث قامت بريطانيا فى أوائل 1947 بالتواطؤ مع منظمة الأمم المتحدة الوليدة حينذاك بعد عصبة الأمم، والمكونة من 57 دولة فقط! أى مكونة بنسبة 29% من دول العالم الآن البالغ عددها 193 دولة، ومن ثم فإن نسبة 71% دول من شعوب العالم كانت مُستعمرة تحت نير الاستعمار وقت نشأة إسرائيل على أرض فلسطين العربية».

ويضيف: «أن أمريكا قادت الدول الـ33 التى وافقت على نشأة إسرائيل بتقسيم أرض فلسطين العربية، هى: على القمة منها أمريكا، فرنسا، الاتحاد السوفيتى، جنوب إفريقيا، ليبيريا، أستراليا، النرويج، أيسلندا، فنلندا، كندا، الجمهورية الأوكرانية السوفيتية الاشتراكية، جمهورية بيلاروس السوفيتية الاشتراكية، الدانمارك، السويد، نيوزيلندا، بولندا، تشيكوسلوفاكيا، الفلبين، باراجواى، فنزويلا، أوروجواى، بيرو، بنما، كوستاريكا، البرازيل، جمهورية الدومينيكان، الإكوادور، بيرو، هولندا، لوكسمبورج، جواتيمالا، هايتى، نيكاراجوا. أما الدول الـ10 التى امتنعت عن التصويت، فهى: على قمتها إثيوبيا، المملكة المتحدة- صاحبة القرار- جمهورية الصين، يوغوسلافيا، الأرجنتين، تشيلى، كولومبيا، السلفادور، هندوراس، المكسيك. أما عن الدولة الوحيدة الغائبة، فهى تايلاند».

دعوة الرئيس الأمريكى ترامب للتهجير القسرى للفلسطينيين إلى سيناء تخالف الشرعية الدولية وتمحو الوجود الفلسطينى من سياق التاريخ وتعيد ذكرى نكبة 1948

يقول القاضى المصرى الدكتور محمد عبدالوهاب خفاجى، نائب رئيس مجلس الدولة، أن دعوة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب للتهجير القسرى للفلسطينيين إلى مصر فى سيناء تمثل عدوانًا على السيادة المصرية ومخالفة للشرعية الدولية، وسيؤدى إلى محو الوجود الفلسطينى من سياق التاريخ. وهو ما يتنبه إليه الفلسطينيون أنفسهم بالذكريات النكبة التى حلت بهم فى عام 1948، حينما أجبر الآلاف منهم على ترك منازلهم دون أن يتمكنوا من العودة لخدمة قضيتهم مرة أخرى.

ويضيف الدكتور محمد خفاجى: «إن أى نقل قسرى لبعض أو كل الفلسطينيين من غزة خارج ديارهم سيشكل فى حقيقته وجوهره انتهاكًا خطيرًا للقانون الإنسانى الدولى، إذ تحظر المادة (49)  من اتفاقية جنيف الرابعة النقل القسرى الفردى أو الجماعى أو ترحيل الأشخاص المحميين إلى أى دولة أخرى، بغض النظر عن الدافع إليه. كما أنه سيشكل انتهاكًا خطيرًا للمادة (2) من البروتوكول الإضافى الثانى لاتفاقيات جنيف، الذى يحظر الأمر بتهجير السكان المدنيين أو إجبارهم على النزوح. وتجدر الإشارة إلى أن الترحيل والنقل القسرى للسكان يعتبر جرائم ضد الإنسانية بموجب نظام روما الأساسى للمحكمة الجنائية الدولية، التى يجب أن تجرى تحقيقًا نشطًا فى الوضع فى غزة وما يجرى فيها».

ويختتم: «على الإدارة الأمريكية الحالية ألا يغرنها بالله الغرور بتدعيمها الرغبة الإسرائيلية بمحاولة نقل الفلسطينيين قسرًا إلى مصر، لأن مثل هذا التفكير الشيطانى من شأنه أن يجعل القادة الأمريكيين مسئولين عن التواطؤ فى جرائم الحرب بصفة مباشرة، ويجب على غطرسة القوة ألا تنسيهم ما تدرجه المادة 8 من نظام روما الأساسى للمحكمة الجنائية الدولية من أن «ترحيل السكان أو النقل القسرى للسكان» باعتباره جريمة حرب، وما تحدده المادة 25 من نفس النظام من المسئولية الجنائية الفردية، التى تنص على أن «الشخص يكون مسئولًا جنائيًا ويعاقب بالعقوبة على جريمة تدخل فى اختصاص المحكمة إذا ساعد أو حرض أو ساعد بطريقة أخرى فى ارتكابها أو محاولة ارتكابها، بما فى ذلك توفير وسائل ارتكابها».

دعوة الرئيس الأمريكي للتهجير القسرى للفلسطينيين تحت ستار إعادة الإعمار جريمة ضد الإنسانية وأسوأ أنواع التطهير العرقى

ويشير الدكتور محمد خفاجى إلى أن الدعوة التى تبناها الرئيس الأمريكى ترامب مع بداية ولايته الثانية لقيادة أمريكا بشأن التهجير القسرى للفلسطينيين فى مصر والأردن تحت ستار إعادة الإعمار، تشكل جريمة ضد الإنسانية لأنها تمثل نزوحًا قسريًا كجزء من «هجوم واسع النطاق أو منهجى موجه ضد السكان المدنيين»، وهو الأمر المجرم بموجب نظام روما قوامه الترحيل أو النقل القسرى، أى النزوح القسرى للأشخاص المعنيين بالطرد أو غير ذلك من الأفعال القسرية من المنطقة التى يتواجدون فيها بشكل قانونى، دون أسباب مسموح بها بموجب القانون الدولى.

كما تعد دعوته للتهجير القسرى للفلسطينيين أسوأ أنواع التطهير العرقى. ذلك أن «التطهير العرقى»- وفقًا للتقرير النهائى للجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة بشأن يوغوسلافيا السابقة- هو سياسة مقصودة من جانب جماعة عرقية أو دينية لإزالة السكان المدنيين من جماعة عرقية أو دينية أخرى عن طريق القتل أو التهجير القسرى أو غيرها من الأفعال.

من لا يملك منح السيادة لمن لا يستحق والسيادة لأصحاب الأرض فلسطين

يقول الدكتور محمد خفاجى: «فلسطين دولة عربية كانت تحت الانتداب البريطانى منذ سنة 1923 حتى سنة 1948، وبعد انتهاء الانتداب البريطانى، قررت سلطة الانتداب تسليم فلسطين للصهاينة عن طريق قرار تقسيم دولة فلسطين الذى وافقت عليه منظمة الأمم المتحدة فى بداية عهدها، بالمخالفة الجسيمة للقوانين الدولية للاحتلال، أهمها اتفاقيات جنيف التى تقضى المادة (8) من الاتفاقية الرابعة منها بأنه لا يجوز للأشخاص المحميين أنفسهم التنازل عن حقوقهم، وبالمخالفة للمبادئ التى استقرت عليها القوانين المتعارف عليها دوليًا، من أنه بعد انتهاء الانتداب يجب إعادة تسليم البلاد إلى أصحابها الحقيقيين، لا لغيرهم».

ويضيف: «قررت بريطانيا، أوائل عام 1947، أنها غير قادرة على الحفاظ على الانتداب على فلسطين، وكان من الطبيعى، حينما أنهت انتدابها البريطانى، أن تمنح السيادة لأصحاب الأرض وهم الفلسطينيون. إلا أنها بدلًا من تنازلها عن السيادة للشعب الفلسطينى، أهدت ما لا تملك لمن لا تستحق، لإسرائيل».

ويختتم: «ثم إن منظمة الأمم المتحدة، المشكلة حديثًا فى ذلك الوقت من 57 دولة فقط، لا يكتسبها هذا العدد الضئيل وصف المنظمة العالمية، حيث كانت شعوب العالم تحت السيطرة الاستعمارية، وبالتالى كانت غير ممثلة فى تلك المنظمة. إلا أنها قامت بالدعوة إلى تحديد الوضع السياسى لفلسطين، وأنشأت فى 15 مايو 1947 لجنة خاصة بشأن فلسطين (UNSCOP)، تتألف من ممثلين عن إحدى عشرة دولة عضوًا، من بينها أربع من أوروبا، وأستراليا وكندا، وثلاث من أمريكا اللاتينية، واثنتان فقط من آسيا، ولا أحد من إفريقيا. وذلك لدراسة الأمر. ومن ثم لم تكن المنظمة عالمية فى ذلك الحين، إذ شُكلت من 57 دولة فقط! ومن ثم لم يكن قرارها معبرًا عن إرادة دولية حقيقية لشعوب العالم أجمع، ثم عينت UNSCOP لجنة فرعية لدراسة القضايا المتعلقة بالقدس والأماكن المقدسة فى فلسطين».