معارك تلاميذ المدارس
كثيرًا ما تنشأ معارك بين التلاميذ فى المدارس (نطلق على الصغار الذين فى الابتدائية والإعدادية لفظ تلاميذ، ونطلق، عرفيًا، على الذين وصلوا إلى الثانوية وما بعدها لفظ طلاب)، بعض المعارك يكون داميًا للأسف، بل قد يسقط ضحايا من بين المتعاركين خلاله، فيظلون وجعًا أبديًا فى قلوب الأسر، تنشأ هذه المعارك المتجددة لأسباب مختلفة طبعًا، تتحكم خصائص الأعمار والأطباع الشخصية فى الموضوع، كذلك للأبعاد النفسية وللثقافة المجتمعية السائدة دوراهما المؤثران وسلطتاهما المهيمنتان.
المراحل الأساسية فى التعليم (من الابتدائية إلى الثانوية) هى السوح الكبرى لأمثال هذه المعارك، يذهب بعض التلاميذ والطلاب إلى المدارس مسلحين، معهم أدوات بسيطة تصلح للقتال، وههنا يجب ألا ننسى أن الأدوات المدرسية نفسها تتضمن ما يصلح للقتال، وهكذا الخطر، فالأساتذة والإداريون يغفلون عن دورهم التربوى والإشرافى، ويهتمون بأن يكون التلاميذ والطلاب جاهزين للدراسة باكتمال الأدوات المطلوبة منهم، بصرف النظر عن خطورتها، لا يقومون بتنبيه الأولاد والبنات إلى قصر أدواتهم على الاستخدام الدراسى، وإلا تعرضوا للعقوبة، ولا يفضون مشكلات صغيرة بين مجموعات فى الفصول، قد تتسع فتصير معارك ضارية، بعد أن ينطلق الجميع إلى الفناء المدرسى الرحيب للفسحة أو الاستعداد للانصراف!
أكثر من جريمة حدثت فى الفترات الماضية، وأكثر من جريمة سوف تحدث فى الفترات القادمة؛ ذلك أننا، كما أسلفت، لا نهتم بالشقين التربوى والإشرافى فى المدارس، ولكن التعليمى وحسب، ولا نوفر فى مدارسنا أخصائيين نفسيين واجتماعيين، على قدر عالٍ من الوعى والخبرات، يحسمون أمورًا سيئة تجرى قبل أن تتفاقم فيستحيل حسمها.
سقوط تلميذ أو طالب، فى مدرسة من المدارس، صريعًا بأيدى زملائه، مسألة مفاجئة ومفجعة، وبالإضافة إلى النار التى ستشتعل فى صدور الأهالى، ولن يطفئها اعتذار، أيًا كان مصدره، فإنها تدين العاملين فى هذه المدرسة، من أول المدير والناظر ومن إليهما، إلى أصغر فراش فيها!
أعلم أن وزارة التربية والتعليم وضعت درجات للسلوك فى المدارس، غير أن هذه الدرجات تبقى فى سلطة المدرسين، بلا رقابة حقيقية عليهم، وقد يجاملون التلاميذ والطلاب ممن يعرفونهم، أو ينتمون إليهم، أو يستفيدون منهم من باب الدروس الخصوصية مثلًا، وقد يجاملون الجميع، بدرجات شبه متساوية، تجنبًا للصداع الذى قد يصيبهم إذا ما دققوا فى التقييم كما هو التصور الشائع البائس.
لا ريب فى أننا نواجه محنة حقيقية باستمرار المعارك فى مدارسنا، المعارك التى لا نريد أن تكون موجودة فى الشوارع أصلًا؛ فكيف بالدور التعليمية؟
ليكن ميكروفون الصباح الذى نتلو من خلاله القرآن والحديث ونقرأ شيئًا من الأخبار ونحيى العلم؛ ليكن وسيلة نذكر قيمنا المصرية الطيبة بواسطتها؛ فنذكر بها تلاميذنا وطلابنا، وليبدأ كل معلم حصته بدقيقتين أخلاقيتين صادقتين، ولتكن متابعة نفسية واجتماعية ذكية وأمينة، وجدية فى العقوبات الرادعة للمخالفين.