عاجل.. نوايا خبيثة.. هل يتلاعب نتنياهو باتفاق وقف إطلاق النار فى غزة؟
رغم ما صاحب اتفاق وقف إطلاق النار فى قطاع غزة من ترحيب، وسعادة فى الشارع الإسرائيلى، بعد بدء تنفيذ صفقة تبادل الأسرى والمحتجزين، فإن كثيرًا من المخاوف لا تزال تؤرق الإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء، بسبب احتمالات توقف الصفقة، وعدم إتمام باقى مراحلها المُتفق عليها.
وفى تلك المخاوف، يشير الجميع إلى أن رجلًا واحدًا يتحكم فى قرار التراجع عن الاتفاق لاستكمال الحرب، وهو رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، الذى يُرجح البعض احتفاظه بنوايا خبيثة تجاه الاتفاق، الذى أُجبر عليه، ما يعنى أنه يتلاعب بالوقت فقط، قبل أن يتوقف عن إتمام باقى مراحل الاتفاق، ما يفتح الباب أمام عودة الحرب مجددًا، وهو ما نستعرضه فى السطور التالية.
التراجع عن تنفيذ المرحلة الثانية لا يزال ممكنًا مع ضمان تخفيف الضغوط الأمريكية
المحتجزين الإسرائيلى فى قطاع غزة، والتى تضمن عودة ٣٣ من أصل ٩٨ إسرائيليًا لدى حركة «حماس» فى القطاع، هو ثمن باهظ جدًا، خاصة أن عشرات الإسرائيليين سيبقون محتجزين لدى حماس لفترة زمنية مجهولة.
ويعتقد هؤلاء أن إسرائيل أصبحت مضطرة للانسحاب من مناطق معينة فى قطاع غزة، وبالطبع ستحرر مئات بل وربما آلاف الفلسطينيين، مما يعتقد الشارع الإسرائيلى أنهم تورطوا فى قتل إسرائيليين فى السابق، وقد يعودون مجددًا لتنفيذ عمليات ضدهم.
ويشير المحللون إلى أن إنهاء الحرب لم يكن جزءًا من الصفقة، رغم أنه كان شرطًا طالبت به حماس منذ بداية الحرب، وتنازلت عنه لاحقًا مع تنازل إسرائيل فى المقابل عن شرط تجريد القطاع من السلاح.
ويوضح هؤلاء أن إسرائيل اضطرت إلى قبول اتفاق وقف إطلاق النار على مضض، خاصة أنه لا يضمن القضاء على حُكم «حماس» فى القطاع، وذلك على الرغم من وعود رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، ووزراء فى حكومته طيلة الأشهر الماضية.
ويعنى كل ذلك أن إنقاذ ٥٠ من المحتجزين، وفقًا للاتفاق، كان ثمنه التخلى عن الهدف المعلن للحرب، وهو التدمير الكامل لـ«حماس»، فيما سيتسبب الانسحاب من محور نتساريم، والانسحاب بصورة جزئية فى المرحلة الأولى من محور «صلاح الدين» فيلادلفيا، فى تقييد سيطرة الجيش الإسرائيلى على قطاع غزة، كما أن الاتفاق لا يضمن أى رقابة حقيقية على حركة السكان الفلسطينيين العائدين إلى شمال القطاع.
ويشير المحللون إلى أن «حماس»، بلا شك، ستستغل إطلاق سراح هذا العدد الكبير من الأسرى الفلسطينيين لتقوية موقعها وسط الجمهور الفلسطينى، وفى الضفة الغربية.
ولكل ذلك، تثور مخاوف لدى الإسرائيليين من أن يتراجع نتنياهو عن الاتفاق، مثلما جرى فى مرات كثيرة طوال فترة المفاوضات، ففى مايو الماضى، وافق نتنياهو وبضغط من الإدارة الأمريكية وقتها، على مخطط يشمل انسحابًا تدريجيًا كاملًا من القطاع، ووقف الحرب، وإطلاق عدد كبير من الأسرى الفلسطينيين، لكنه تراجع عنه وجعل من محور فيلادلفيا ذريعة للتراجع. وينوه المحللون إلى أنه، وخلال هذه الفترة، توفى ما لا يقل عن ٨ محتجزين إسرائيليين، ويبدو أن اثنين منهم قُتلا جرّاء قصف الجيش الإسرائيلى، وكذلك قُتل ١٣٣ جنديًا إسرائيليًا فى تلك الفترة، أكثر من ثلثهم فى العملية العسكرية فى جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون، والتى بدأت فى شهر أكتوبر الماضى.
وتذكر عدة تقارير عبرية بأنه، وقبل يوم من إعلان وقف إطلاق النار، شرح موفد الرئيس الأمريكى دونالد ترامب للشرق الأوسط، ستيفن ويتكوف، لنتنياهو، وبلهجة لا لبس فيها، أن ترامب يتوقع منه الموافقة على الصفقة، وحينها تراجع نتنياهو عن عدد من المسائل التى سبق أن قال إنه مستعد للموت من أجلها، مثل التواجد الإسرائيلى فى محور فيلادلفيا، الذى قال عنه: «هذا حجر أساس وجودنا»، قبل أن يوافق على الانسحاب منه، ثم، وبعد ساعات من إعلان وقف إطلاق النار يعود ليعلن أنه «لن ينسحب.. بل العكس».
مخطط الاستيطان لم يتوقف.. ونية الانسحاب وراء عدم توقيع اتفاق من مرحلة واحدة
السؤال الذى يطرحه المراقبون فى إسرائيل هو: «إذا كان نتنياهو جادًا فى نيته بشأن التوصل إلى صفقة كاملة من أجل تحرير كل المحتجزين حتى آخر واحد منهم، مع منع موت مزيد من الجنود ودفع الثمن، فلماذا لم يوافق على توقيع صفقة شاملة واحدة يُجرى تنفيذها دفعة واحدة وليست على مراحل، فى وقت يتضح أن نتائجها ستكون مشابهة لصفقة من عدة مراحل؟
والخلاصة المترتبة على إجابة هذا السؤال، وفقًا للمراقبين، هى أن نتنياهو لا ينوى الوصول إلى المرحلة الثانية من الصفقة، لأن مجرد وجود مرحلة ثانية يدل على نوايا خبيثة منه.
وحسب مقال للكاتب يوآف زيتون، نشره موقع «يديعوت أحرونوت»، فإن النوايا الخبيثة لا تعود لنتنياهو وحده، بل إن الجيش الإسرائيلى به توافق فى الرأى على أن القتال ضد حماس سيستأنف فى المستقبل المنظور، لأن الحركة، خاصة بعد ما فعلته فى عرضها العسكرى أثناء تحرير المحتجزين، بدا أنها تريد إرسال رسالة بأنها لا تزال تمثل تهديدًا، وهو ما ينبغى القتال ضده.
ويوضح الكاتب أنه حتى لو لم يكن القتال بريًا فى البداية، فبعد المرحلة الثانية من الصفقة، سيبقى فى القطاع موطئ قدم عسكرى، تعمل منه القوات الإسرائيلية فى الشريط العازل، ليُشكل نقطة للهجمات.
ويرى أن نقطة الضعف، فيما يتعلق بتقسيم الاتفاق إلى دفعتين، هو أنه فى اليوم السادس عشر لتوقيع الاتفاق، وخلال تحرير الدفعة الأولى، من المفترض أن تبدأ المفاوضات بشأن الدفعة الثانية، ما يفتح باب التخوف من فشل هذه المفاوضات، ما يعنى بقاء جنود ومحتجزين آخرين لدى «حماس» لوقت طويل، كبطاقة تأمين.
ويشير الكاتب إلى أنه من الممكن الافتراض أن ترامب سينجح فى إدخال نتنياهو إلى «مسار لا عودة فيه إلى الوراء»، وأنه ما إن تنفّذ المرحلة الأولى، سيستخدم ضغطًا كبيرًا على الحكومة الإسرائيلية من أجل تحرير ما تبقى من المحتجزين الأحياء، واستعادة جثامين الأموات منهم، واستكمال الصفقة وعدم العودة إلى الحرب مجددًا. ووفقًا للمراقبين، ففى السيناريو المتفائل، سيرافق الهدوء بعيد المدى فى القطاع خطة إعادة إعمار دولية، سيُجرى فى إطارها تدفُّق الأموال من دول الخليج، بشرط أن تترك «حماس» الحكم، لتكون السلطة الفلسطينية، مع كل مشكلاتها، شريكة فى ترتيبات الحكم الجديد فى غزة، ويمكن أن يكون هذا جزءًا من حل شرق أوسطى واسع النطاق يتطلع إليه ترامب، يشمل خطة التطبيع مع السعودية.
وينوه البعض بأنه إذا فشلت المفاوضات بشأن إتمام الصفقة، فسيعود حديث اليمين المتطرف فى إسرائيل بشأن أهمية الاحتفاظ بشمال القطاع، وسط سعيه لفرض حلول أخرى، مثل: إنشاء مستوطنات، وإقامة حُكم عسكرى، واستخدام مقاولين أجانب من أجل توزيع الغذاء على الجمهور الفلسطينى.
ويشيرون إلى أن تطلع اليمين الإسرائيلى المتطرف إلى التمركز والاستقرار فى غزة، وحلم الاستيطان، لم يختفيا، بل جرى تأجيلهما بضعة أسابيع، خاصة بعدما أثبتت حكومة نتنياهو أن الرغبة فى التواجد فى غزة أهم من حياة المحتجزين، وبناءً على ذلك، فبعد تحرير ٣٣ إسرائيليًا، يجب الاستعداد لسيناريو آخر، يتضمن استمرار حرب الإبادة فى غزة.
ويؤكد عدد من المحللين أن هناك أصواتًا فى الجيش الإسرائيلى تحذّر من فشل الاتفاق، لأن المهمة ستقع فى النهاية على عاتق الجيش الإسرائيلى بصورة تؤدى إلى مقتل الجنود أثناء توزيعهم القمح على المدنيين الفلسطينيين.
ويعتبرون أن رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، يدرك جيدًا أنه لا يوجد سبب حقيقى لعرقلة المرحلة الثانية من الاتفاق غير المخاوف حول بقائه السياسى، والحفاظ على ائتلافه، وضمان عدم انسحاب باقى الوزراء المتطرفين، حتى لا يترك مستقبل حكومته فى يد زعيم المعارضة يائير لابيد، الذى قد يتسبب فى تفكيك الحكومة حال قررت الانسحاب من الاتفاق فى أى لحظة.
ويشيرون إلى أن هذا التهديد لحكومة نتنياهو يتداخل مع تهديد آخر، وهو: هل يملك نتنياهو أصلًا إمكانات لتمرير الميزانية ودفع ائتلافه إلى الاستقرار، خصوصًا أن لديه أيضًا قضية قانون التجنيد والصراع الداخلى بسبب اليهود المتشددين «الحريديم»؟
ويتساءلون: هل يفهم نتنياهو أن حكومته قد تسقط فى كل الأحوال، وأنه من الأفضل أن يسقطها بسبب صفقة مدعومة شعبيًا من الجمهور، أم سيقرر البقاء الحفاظ على نفسه حتى النفس الأخير ويعود إلى الحرب؟