رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الموقف مُعقَّد.. مصير المفاوضات بين إسرائيل و«حماس»

حماس
حماس

فى الثامن من نوفمبر الجارى، ظهرت تقارير تفيد بأن قطر، التى تستضيف «حماس» منذ ٢٠١٢، قد تطلب من قادة الحركة الفلسطينية المغادرة. وفى اليوم التالى مباشرة، أعلنت قطر عن انسحابها من المفاوضات بين إسرائيل و«حماس».

وأثار الإعلان القطرى الكثير من التكهنات، ما إذا كان مجرد استعراض، أم تعبر من خلاله الدوحة عن استيائها من كل الأطراف، بعد الفشل فى التوصل إلى اتفاق على وقف إطلاق النار فى غزة منذ أشهر.

ووسط هذه التكهنات، يبرز سؤال مهم للغاية فى هذه اللحظة: كيف ستؤثر هذه التطورات على مفاوضات وقف إطلاق النار؟ وهو ما نحاول الإجابة عنه فى السطور التالية.

تقديرات إسرائيلية: ضغوط هائلة من إدارة بايدن تدفع قطر إلى إغلاق مكاتب الحركة دون ترحيل القادة

على مدار عقد كامل وأكثر، أقام قادة «حماس» فى قطر بكل ارتياحية، وافتتحت الحركة مكتبًا للعمل بشكل رسمى. وترى إسرائيل أن «حماس» عندما انتقلت إلى قطر فى ٢٠١٢ كانت أضعف. لكن منذ هذا التاريخ ازدادت قوتها، وتوسعت ترسانتها الصاروخية وتهديداتها، خاصة مع «التمويل القطرى الكبير».

وتنظر إسرائيل إلى ملمح آخر من ملامح العلاقة بين قطر و«حماس»، وهو أن قطر حليف رئيسى للولايات المتحدة من خارج حلف شمال الأطلسى «ناتو»، بما يعنى أن «حليف للولايات المتحدة يستضيف الحركة التى تحارب إسرائيل، الحليف الأكبر للولايات المتحدة»، معتبرة أن «هذا الوضع المعقد منح قطر فرصة لأن تلعب دور الوسيط فى المفاوضات الجارية بين إسرائيل وحماس، بمشاركة مصر والولايات المتحدة».

وفى الثامن من نوفمبر الجارى، ظهرت تقارير تفيد بأن قطر قد تطلب من قادة «حماس» مغادرة أراضيها. وفى اليوم التالى مباشرة، تحولت الأنباء حول طرد قطر قادة «حماس» إلى حديث عن إنهاء دورها كوسيط فى اتفاق وقف إطلاق النار، وتبادل المحتجزين الإسرائيليين مع الأسرى الفلسطينيين، بعد أن كانت تظهر كمساعد رئيسى فى إتمام هذه الصفقة طوال المباحثات السابقة.

ورغم أن مسئولين فى «حماس» أكدوا، فى تصريحات لوسائل إعلام عربية ووكالة «فرانس برس»، أنه ليس مطلوبًا منهم مغادرة الدوحة بعد. تلقت الحركة رسالة من قطر مفادها بأن «المكاتب التى يستخدمها كبار مسئوليها على وشك الإغلاق». ووفقًا لتقديرات إسرائيلية، هذا لا يعنى طرد قادة «حماس» من قطر، لتواصل «حماس» العمل من هناك، لكن كما يبدو ليس بشكل رسمى.

وفى تصريح لموقع «واى نت» التابع لصحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية، الإسرائيلى، قال «مُقرب من أحد كبار مسئولى حماس»، وفقًا لوصف الموقع، إن هذه الخطوة من قطر تجاه «حماس» جاءت استجابة لـ«ضغوط أمريكية هائلة».

ورأت تقارير إعلامية عبرية أخرى أن ما يمكن فهمه من هذه الخطوة المفاجئة من قبل قطر، هو أن الإدارة الأمريكية، بقيادة الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن، تريد أن تحقق «تحريكًا ما» فى ملف غزة، قبل تنصيب الرئيس الأمريكى الجديد دونالد ترامب.

وطوال السنوات الماضية، حاولت قطر أن تلعب دورًا إقليميًا كبيرًا، وهو ما ترجمته إلى خطوات عديدة على أرض الواقع، من بينها استضافة قادة «حماس»، مع الترويج إلى أن وجود «حماس» على أراضيها من شأنه أن يساعد بطريقة أو بأخرى فى التوصل إلى وقف لإطلاق النار، أو صفقة بشأن الرهائن، فى ظل قدرتها على التفاهم مع هؤلاء القادة، بل والضغط عليهم فى بعض الأحيان.

وجاءت استضافة الدوحة لـ«حماس» كجزء من استراتيجية عالمية أوسع نطاقًا للبلد الخليجى، وهى محاولة لعب دور أكبر، لذا لم يكن غريبًا أن تستضيف الدوحة «طالبان» حتى تتمكن من أن تكون قناة رئيسية بين الولايات المتحدة والحركة الأفغانية.

وإلى جانب «حماس» و«طالبان»، وضعت الدوحة نفسها أيضًا كوسيط مع إيران، فى ظل علاقاتها الجيدة بين الجانبين. وعلى هذا النحو، أصبحت قطر وسيطًا فى العديد من الصفقات فى المنطقة والعالم بأسره. وفى كل منعطف تستفيد الدوحة من كونها وسيطًا، مع تمتعها بعلاقات جيدة مع كلا الجانبين المتفاوضين، وإن كانت غالبًا ما تدعم أحدهما أكثر من الآخر، ما يجعلها «لا تبدو كوسيط محايد»، وفق التقارير العبرية، التى أضافت: «الآن، بعد أن بدا أن هناك ضغوطًا عليها لحمل حماس على المغادرة، تزعم قطر بأنها لن تتصرف كوسيط بعد الآن، ما يهدد مصير المفاوضات».

وتابعت التقارير العبرية: «لقد كانت استضافة الدوحة لحماس محل جدل لسنوات طويلة. وفى كل مرة يحدث ضغط لإجبار الحركة على مغادرة الدوحة كان هناك رد فعل من قطر يعطل ذلك، بداعى أنه من الأفضل أن يكون هناك شريك وحليف للغرب يستضيف حماس، ما من شأنه أن يسهل الحوار مع الحركة». وتؤكد التقارير العبرية أنه «خلال السنوات الماضية، تدفقت الأموال من الدوحة إلى غزة، بما تضمنه ذلك من أموال إعادة الإعمار بعد حرب ٢٠١٤، وأموال لدفع الرواتب، بداعى أن هذا يبقى حماس هادئة. أما إذا توقفت الأموال، فإن الحركة ستذهب إلى الحرب»، مشيرة إلى أن «هذه السياسة يبدو أنه كان يؤمن بها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. لكن هجوم ٧ أكتوبر كشف للجميع أن الأموال لم تمنع حماس من مهاجمة إسرائيل».

«تعليق الوساطة» رسالة من الدوحة إلى كل الأطراف.. وتل أبيب تقبل بالمقترح المصرى حول «الصفقة المُصغّرة»

السؤال الذى يشغل المراقبين الإسرائيليين الآن: هل حقًا قطر جادة فى إعلان انسحابها من المفاوضات؟ وهل يمكنها أن تمارس ضغوطًا حقيقية على «حماس»، سواء بطرد أعضاء الحركة من أراضيها، أو وقف تدفق الأموال؟

وترى تقارير عبرية أن «قطر لم توقف الوساطة فعليًا، بل قررت، تحت ضغط من إدارة الرئيس الأمريكى جو بايدن، استخدام أدوات نفوذها على حماس بقوة أكبر، لدفعها إلى التخلى عن موقفها المتشدد فيما يتعلق بصفقة الرهائن، بما يسهل التوصل إلى اتفاق لوقف الحرب».

وتشير هذه التقارير إلى أن الضغط القطرى، بضغط من واشنطن، يأتى فى ظل إصرار «حماس» على مطالبة إسرائيل بوقف الحرب بشكل كامل، والانسحاب من قطاع غزة، قبل إجراء أى مفاوضات عملية حول صفقة رهائن كاملة دفعة واحدة، بما يجعل من تجميد الوساطة وسيلة للضغط على حماس.

وتزعم التقارير العبرية بأن ثلاثى القيادة فى حماس: خالد مشعل، رئيس الحركة فى الخارج، وخليل الحية، نائب يحيى السنوار وممثل «حماس» فى غزة، وزهار جبارين، الذى يمثل الفلسطينيين فى الضفة الغربية، «يرفضون جميع المقترحات الجديدة التى عرضها عليهم الوسطاء وإسرائيل، ويتمسكون بـصيغة السنوار، وليسوا مستعدين للتحول عنها»، معتبرة أنه «من غير الواضح كيف سيؤثر انسحاب قطر وضغوطها عليهم».

وتشير إلى أن «قطر حذرت مرارًا وتكرارًا من أن أى ضغوط تتلقاها من واشنطن، أو حتى انتقاد لدورها فى الكونجرس، قد يضر بمحادثات صفقة الرهائن، مضيفة: «فى الأساس، وضعت الدوحة نفسها فى موقع الوسيط، من خلال استضافة قادة حماس، ثم حاولت الضغط على الدول لاستخدامها كوسيط».

واعتبر مراقبون إسرائيليون أن التقارير التى تفيد بأن «حماس» قد يطلب منها مغادرة قطر قد تكون بمثابة «بالون اختبار». وقد يكون إعلان الدوحة إنهاء دورها كوسيط رسالة إلى إسرائيل والولايات المتحدة، مفاده بأنه إذا كان هناك أى ضغط على الدوحة، فإنها ستنسحب وستنهى محادثات الرهائن ووقف إطلاق النار، مع التشديد على أن أى دولة أخرى لن تتدخل كوسيط.

فى الوقت نفسه، فإن الرئيس الأمريكى المنتخب، دونالد ترامب، يريد إنهاء حرب غزة، لذا ربما يريد الإعلان القطرى الأخير توصيل رسالة إلى الإدارة الأمريكية الجديدة، مفادها بأنها لن تتعرض للتهديد بالضغط على «حماس» لإنهاء الحرب، وأن أى محاولة لإخراج «حماس» من الدوحة ستؤدى إلى حرب أطول أمدًا.

وخلصت التقارير العبرية إلى أن الهدف الرئيسى لقطر من إعلانها الأخير هو «إبقاء الكرة فى ملعبها، والتأكد من أنها الخيار الأول فى المنطقة، كلما نشب صراع».

من ناحية أخرى، أبدت إسرائيل استعدادها لقبول الاقتراح المصرى بشأن «صفقة صغيرة»، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد صغير من المحتجزين فى غزة، مقابل وقف قصير لإطلاق النار، على أمل أن يؤدى ذلك إلى تحقيق «الصفقة الكبيرة»، من خلال إطلاق سراح المختطفين على عدة دفعات.

ورأى الخبير الإسرائيلى فى اقتصاد حركة «حماس»، إيال عوفر، أن «إسرائيل مطالبة بأن تتعامل بشكل مباشر مع من يحتجزون رهائن إسرائيليين فى قطاع غزة، متجاوزة حماس، عقب توقف قطر عن الوساطة».

وأضاف «عوفر»، فى تصريحات لصحيفة «معاريف» الإسرائيلية: «انتهاء الوساطة القطرية قد يعزز موقف مصر فى المفاوضات»، مشددًا من جديد على أن «إسرائيل لديها فرصة لقلب الوضع بشكل كامل، والتعامل بشكل مباشر مع من يحتجزون الرهائن».

وواصل: «مصر أقرب جغرافيًا إلى قطاع غزة، ولديها أجهزة استخباراتية نشطة ومتطورة للغاية، وتحافظ على الاتصالات مع حماس، لذا من المؤكد أن مصر لديها مصلحة وقدرة، والآن يمكنها أن تتولى دورًا أكثر جدية».