رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

26 يناير 1952 «1-3»

لعل هذا اليوم ٢٦ يناير ١٩٥٢، والمعروف تاريخيًا بحريق القاهرة، من أكثر الحوادث تأثيرًا وغموضًا فى تاريخ مصر المعاصر. الأمر الآخر أن شهر يناير بشكل عام هو من الشهور المثيرة بالأحداث فى التاريخ المعاصر، نذكر فى هذا المجال ٢٥ يناير ١٩٥٢، وصمود الشرطة المصرية فى الإسماعيلية أمام جحافل القوات البريطانية، هذا اليوم الذى أصبح بحق عيدًا للشرطة. كما نذكر اليوم المشهود ٢٦ يناير ١٩٥٢ وحريق القاهرة، وكذلك ١٨ و١٩ يناير ١٩٧٧ وانتفاضة الخبز، أو كما أطلق عليها السادات «انتفاضة الحرامية»، وأيضًا ٢٥ يناير ٢٠١١ وتنحى مبارك بعد ذلك. والملاحظة المهمة والمشتركة فى كل هذه الأحداث، هى نزول الجيش إلى الشارع لحفظ الأمن والنظام، بعد تداعى الأحوال.

عودة من جديد إلى حريق القاهرة فى ٢٦ يناير، ولا نستطيع تفهم هذا الحدث دون الرجوع قليلًا إلى الوراء لرصد تطور الأحداث، وصولًا إلى هذا اليوم المشهود فى تاريخ القاهرة وتاريخ مصر بوجه عام. يرتبط كل ذلك بتطور حركة الكفاح المسلح ورفض الشعب المصرى وجود القاعدة البريطانية فى مدن القنال، والمطالبة بجلاء الإنجليز، الحلم الوطنى القديم منذ الاحتلال البريطانى لمصر فى عام ١٨٨٢.

بدأت كتائب التحرير الشعبية فى تصعيد عملياتها ضد الوجود البريطانى فى مدن القناة، حتى أصبحت خسائر القوات البريطانية مصدر قلق شديد للقيادة البريطانية فى لندن. وتساءلت إحدى أشهر الصحف البريطانية «التايمز» عن جدوى الاحتفاظ بالقاعدة فى مصر، فى وسط هذا الكم من الخسائر، وازدياد الشعور الشعبى المعادى لبريطانيا. وفى تلك الأثناء أصدر الشيخ إبراهيم حمروش، شيخ الأزهر، فتوى أحل فيها دماء الجنود البريطانيين، لأنهم قوة احتلال، كما ألغى الزعيم الوفدى مصطفى النحاس، رئيس الوزراء، معاهدة ١٩٣٦، معاهدة التحالف بين مصر وبريطانيا، وقال كلمته الشهيرة: «من أجل مصر عقدت المعاهدة، ومن أجل مصر ألغيها اليوم». وصاحب ذلك تجرؤ بريطانيا على وضع منطقة القنال تحت حكم عسكرى بريطانى مباشر، فى تجاهل للسيادة المصرية. كما حدث بعض الأحداث المريبة مثل انفجار قنبلة فى كنيسة بالسويس، وتخوف الكنيسة القبطية من إقامة الصلوات احتفالًا بالأعياد.

الأمر الجدير بالملاحظة أن اعتداء القوات البريطانية على الشرطة المصرية فى الإسماعيلية فى ٢٥ يناير ١٩٥٢ لم يكن بالأمر الجديد؛ إذ سبقته حوادث مشابهة، وإن كانت أقل من ناحية عدد الضحايا. ففى ١٧ و١٨ نوفمبر ١٩٥١ أطلق الإنجليز النار على ثكنات البوليس فى الإسماعيلية، فرد البوليس المصرى بالدفاع عن نفسه، وسقط القتلى والجرحى من الجانبين. وفى اليوم التالى شيعت جنازة الشهداء المصريين، وخرجت مدينة الإسماعيلية بأسرها لوداع الشهداء. وفى ٣ ديسمبر ١٩٥١ أطلق الجيش الإنجليزى فى مدينة السويس النار على بعض قوات البوليس فى المدينة، وأدى ذلك إلى استشهاد ٢٨ مصريًا، منهم ٧ من رجال البوليس، كما قتل من الإنجليز ٢٢. وترتب على ذلك تجدد الاشتباكات فى اليوم التالى وسقط ١٥ شهيدًا، وفى ٨ ديسمبر ١٩٥١ طلبت القوات البريطانية إخلاء حى كفر عبده فى السويس، وعندما رُفض ذلك، حاصرت الدبابات البريطانية المنطقة، فاضطرت قوات البوليس المصرى إلى الانسحاب. وردت مصر على ذلك بسحب السفير المصرى من لندن، ومصادرة نادى الجزيرة، حيث كان لا يزال يعتبر ناديًا إنجليزيًا.

ولكن كيف تصاعدت الأحداث وصولًا للمواجهة الحادة فى ٢٥ يناير، وما تلاها من حريق القاهرة؟ هذا ما سنناقشه فى المقال المقبل.