رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

معرض الكتاب 2025.. كتاب "الثقافة السياسية والهوية الوطنية في أفريقيا" لصلاح معاطي

الثقافة
الثقافة

صدر حديثًا كتاب "الثقافة السياسية والهوية الوطنية في أفريقيا" للكاتب الدكتور صلاح معاطي عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، ضمن سلسلة "إفريقيات".

الكتاب يتناول مفهوم الثقافة السياسية وتأثيراته على الهوية الوطنية في أفريقيا وما يتعلق به من اللغة والدين والوجود الجغرافي والحضاري والتاريخ النضالي لشعب ما أو لجماعة إثنية معينة.

ويتعرض الكتاب للأنماط الثقافية الكبرى في أفريقيا كالبانتو والهوسا والماندينجو وكذلك الجماعات الزنجية كالبشمن والهوتنتوت وجماعات الأقزام. وبالتالي يذهب الكتاب إلى التعرض لمفهوم الأمن الثقافي وتأثيره على التنوع الإثني والديني والثقافي في ظل العولمة.

ما جاء في كتاب "الثقافة السياسية والهوية الوطنية في أفريقيا"  لـ صلاح معاطي 

لكل مجتمع خصوصيته التي تعكسها ثقافته السائدة، هذه الثقافة تطورها مجموعة من القيم والمعتقدات والمفاهيم والمعارف التي اكتسبها عبر تاريخه وواقعه الجغرافي والتركيب الاجتماعي وطبيعة نظامه السياسي فضلا عن المؤثرات الخارجية التي شكلت خبراته وانتماءاته. 

 والثقافة السياسية مصطلح حديث نسبيا، يعود إلى ثلاثينيات القرن الماضي وارتبط بالمدرسة السلوكية، وهي مدرسة حاولت الدمج بين ما هو نظري وما هو تجريبي من خلال تنميط هذا السلوك، ووضع الأشياء بشكل كمي، وذلك بالوصول إلى العلاقة بين الفرد ونظامه السياسي. فتقدم الثقافة السياسية سردًا للسلوك السياسي الذي يربط مصير الأفراد بالمجموعة، حيث تساهم في عملية تحديد الهوية، مما يجعل بعض العمليات السياسية منطقية ويزيل البدائل غير المرغوب فيها. 

 ويشير هذا إلى أن العمل الفردي والجماعي يحفزه جزئيًا الإحساس بالمصير المشترك، وينطوي على عنصرين متميزين: الأول التعزيز القوي بين الهوية الفردية والجماعية التي تجعل السلوك المقبول ثقافيًا مجزيًا، والثاني تأثيرات الثقافة السياسية على الهوية الوطنية من حيث ارتباط الفرد بالجماعة السياسية ومدى انتمائه لثقافة محددة سواء كانت ثقافة الدولة أو الثقافات الأدنى "ثقافة الجماعة الإثنية".

ومن أهم سمات الثقافة السياسية الأفريقية؛ احتواء الدول الأفريقية قاطبة على عدد كبير من الجماعات الإثنية المختلفة، ولا توجد دولة أفريقية تشتمل على مجموعة واحدة متجانسة تماما أو لا توجد فيها صراعات، كذلك فإن التنوع العرقي والديني والثقافي سمة مميزة لكل دول أفريقيا، كما أن مسألة الحدود المفتوحة ورسم المحتل لحدود وهمية، وزع الجماعات بين الدول الأفريقية، فمعظم دول أفريقيا المتجاورة تشترك في جماعة إثنية أو مجموعة من الجماعات الإثنية، وأحيانا تنتشر جماعة واحدة في أكثر من دولتين. ولذلك يعد من الأمور الحديثة الاهتمام الحقيقي بأفريقيا بوصفها مجالا للاستكشاف الإمبريقي للثقافة السياسية. 

 ولا يمكن أن تسود ثقافة واحدة، فالثقافات تتنوع حتمًا، وتتكون الثقافة السياسية من مجموعة من الاتجاهات والمعتقدات والعواطف والقـيم السائدة في المجتمع والتي ترتبط بالنظام السياسي والموضوعات السياسية، كما أن هناك العديد من القواسم المشتركة في الثقافات الأفريقية، فعلى الرغم من أن النظرة العابرة تقسم القارة إلى عرب وأفارقة، إلا أن التمعن الدقيق يكشف أن كثيرا من السمات الثقافية في كل الدول الأفريقية متقاربة.

وترتبط الثقافة السياسية بالإحساس بالهوية، ويقصد بالهوية الولاء والانتماء للدولة. والهوية في أبسط معانيها هي: «الأسلوب الذي نعرف به أنفسَنا بدلالة عضويتنا في جماعة معيَّنة».

صلاح معاطي: أطالب بتدريس أدب الخيال العلمي في المدارس
الكاتب الدكتور صلاح معاطي

كما يمكن تعريف الهوية الوطنية، بأنها مجموعة العوامل التي تقوم على الانتماء والولاء للسلطة المركزية التي تمنح الإنسان، بصفته الفردية، والمجتمع بصفته مجموعة من الروابط، الشعور بالوجود والانتماء والمصالح والمصير المشترك. هذا الشعور يضمن استمرارية الجماعة، ويحمي كيانها، وحينما يختفي هذا الشعور تبدأ الجماعة في مواجهة مصير التفكك.

وتشتمل الهوية الوطنية على العديد من العوامل التي تدخل في تكوينها كالتاريخ والجغرافيا والعامل السياسي من حيث الدولة الوطنية أو القومية ونظام الحكم وشكل الدولة ونظام الإدارة، والعامل الاقتصادي الذي يتعلق بالموارد والثروات التي تتمتع بها الدولة أو المجتمع، والعامل الثقافي المتمثل في الدين واللغة والعادات والتقاليد والعرف، والنظام الاجتماعي المتمثل في القيم الاجتماعية المشتركة والتبعية  والعضوية الإثنية  أو الانتماء للعائلة أو الأسرة أو الجماعة الإثنية.

وفي ظل ما تعاني منه القارة من مشاكل التعددية الإثنية واللغوية والدينية، تؤثر الثقافة السياسية الأفريقية، بشكل مباشر على أزمة الاندماج الوطني، وبناء الدولة الوطنية، والسيادة، خاصة في ظل تنامي العولمة وما يرتبط بها من هيمنة ثقافية على الشعوب،  وتأثير ذلك على الهوية الوطنية في أفريقيا تطبيقا على الهوية الوطنية للدولة الإثيوبية.   

ويترتب على اختلال مقومات الثقافة السياسية الأفريقية من تأثيرات، تنعكس على العديد من مشكلات القارة الأفريقية، ومنها الهوية الوطنية التي تعاني منها العديد من دولها. ومن ناحية أخرى فإن القارة الأفريقية كانت ومازالت تعاني من المواريث الاستعمارية التي تسببت في التأثير على منظومتها الثقافية، ثم بعد الاستقلال خضعت هذه الدول لعدد من الممارسات من جانب النخب الحاكمة أدت إلى اختلال ركائز الثقافة السياسية، وبعد بروز ظاهرة العولمة انخرطت هذه الدول فيها وتأثرت بها في إطار ما يسمى بالعولمة الثقافية، وما تنطوي عليه من تهديدات وتحديات، وهو الأمر الذي يشكل مجموعة من الإشكاليات التي تتطلب التناول العلمي والموضوعي لها، بهدف الوصول إلى معرفة الواقع الثقافي الأفريقي وتأثيراته على الواقع السياسي والاجتماعي. 

 تكتسب دراسة الثقافة السياسية أهمية بالغة، وذلك لما لها من دور كبير في قياس وتطور المجتمعات، وموضوع الدراسة يهدف إلى إبراز أثر الثقافة السياسية على الهوية الوطنية في أفريقيا، باعتبارها عاملا معرفيا قيميا، ولها تأثير على عمل النظام السياسي ومدى ارتباط الأفراد بهذا النظام.

لا تقتصر أهمية الثقافة السياسية على كونها موجها للسلوك السياسي لأفراد المجتمع، وعلى كونها محددا لطبيعة علاقة الفرد بالسلطة واتجاهه نحو هذه السلطة، ولكنها أيضًا تفسر لنا استجابات الجماهير تجاه بعض الظواهر أو الممارسات السائدة. فالثقافة السياسية تلعب دورًا بالغ الأهمية في تشكيل استجابة الرأي العام للأحداث المختلفة. 

فالثقافة تحدد السياق الذي تحدث فيه السياسة؛ وتربط الهويات الفردية والجماعية؛ وتضع الحدود بين المجموعات وتنظم الإجراءات داخلها وبينها؛ وتوفر الثقافة إطارا لتفسير إجراءات ودوافع الآخرين، والتركيز على سمات معينة من المواقف والأحداث والسلوك، وكذلك تحديد المشاكل التي تعتبر ذات صلة، ووضع مجموعة من البدائل التي يتخذها الأفراد والحلول الممكنة منطقيا. وقد يتطور تأثير الثقافة السياسية على السلوك من خلال الاستمرارية نتيجة التنشئة الاجتماعية وتكوين الشخصية، أو من خلال فرض قيود اجتماعية خارجية.

ولقد شهد عقد السبعينيات تطورا ملحوظا في دراسة الثقافة السياسية من خلال الدراسات التي أجراها جابرييل ألموند وسيدني فيربا، حيث تمثل الثقافة السياسية جزءًا من الثقافة العامة للمجتمع تؤثر فيه وتتأثر به. وقد تناول ألموند وفربا موضوع الديمقراطية في نظرية الثقافة السياسية من خلال مفاهيم مثل المواطنة والمسؤولية والاستجابة والكفاءة الإدارية والسياسية والنخبة السياسية والقيادة.