خيانات إخوانجية فى يناير
أكتب ونحن على أعتاب 25 يناير، اليوم الأشهر فى تاريخ الأحداث المصرية، من عيد للشرطة يرصد تضحيات رجال البوليس المصرى فى مواجهة الاحتلال الإنجليزى بقسم البستان بمحافظة الإسماعيلية واستشهاد أربعة وستين جنديًا وضابطًا دافعوا ببسالة عن كرامة مصر، إلى يوم الزحف العظيم الذى تحرك فيه الشعب المصرى عام 2011 ليرفض سياسة التوريث التى أساءت للرئيس مبارك فى سنوات حكمه الأخيرة.
ما بين يناير 1952 ويناير 2011 جرت مياه كثيرة فى النهر، وفى كل الأحوال كانت هناك أطراف مشتركة فى الأحداث يمكن رصدها فى عناوين مثل: النظام من جانب والشعب من جانب آخر، ثم حدثَ ما فارقَ بين الأحداث لتكون المحصلة رصد موقف القوى السياسية من هذا الحدث، وبالطبع إذا تجاوزنا المصطلح وقلنا إن الإخوان المسلمين قوة سياسية إذن فهى شاهدة على ما يحدث ومشتبكة معه سلبًا أو إيجابًا وما يعنينا هنا هو موقف الإخوان من 25 يناير 2011 وكيف خدعوا الجميع لحساب مصالح الإخوان الضيقة على حساب مصر وشعبها.
وبهدوء نقول إن ثورة الخامس والعشرين من يناير كانت لحظة استثنائية فى التاريخ المصري، إذ التقت فيها إرادة الشعب بمختلف أطيافه على هدف واحد تغيير النظام، وشعارها الأساسى هو «عيش حرية عدالة اجتماعية».
فى هذا الزخم والتحركات الجارفة فى كل محافظات مصر، ظهرت جماعة الإخوان المسلمين بوجهين متناقضين، أحدهما داعمٌ للثورة، والآخر متفاوضٌ مع النظام القديم لضمان مصالحها، ورغم ادعائها الانخراط فى أحداث يناير، فإن نهجها البراجماتى كشف عن نواياها الحقيقية، حيث استخدمت الثورة سلّمًا للصعود إلى الحكم، قبل أن تنقلب على رفاقها من القوى المدنية، فى محاولة لاحتكار السلطة.
البراجماتية الإخوانية أو كما يحلو لى وصفها بـ الانتهازية السياسية تجلت فى موقفها الذى جاء فى بدايته مترددًا عن المشاركة فى يناير، ثم الانتهازية فى القفز على الأحداث، الثابت تاريخيًا هو أن جماعة الإخوان أعلنت عن تحفظها بشكل مريب والثابت أيضًا هو انضمامها متأخرا للأحداث.
قبل يوم 25 يناير ومع انطلاق الدعوات إلى التظاهر، التزم الإخوان الصمت، وقالوا عن ذلك بأن «التغيير لا يأتى عبر الفوضى»، بل عبر «الإصلاح التدريجي». وحين تدفق الناس إلى الشوارع، ظلوا يراقبون المشهد بحذر، مترددين بين المخاطرة بالمشاركة أو الحفاظ على قنوات الاتصال مع النظام. ولم ينضموا رسميًا إلا بعد أن تأكدوا، يوم 28 يناير، أن الثورة قد تتجاوز نقطة اللاعودة، فقفزوا إلى المشهد فى محاولة للاستفادة من الزخم الشعبي.
فى الصباح كانت كوادر الإخوان تعمل على تسخين الشارع المصرى بخطاب يشجع على العنف والتخريب وفى المساء كانت قيادات الإخوان يجلسون إلى طاولة التفاوض مع نائب الرئيس عمر سليمان، فى مساعٍ خفية لضمان بقائهم ضمن المعادلة السياسية، بغض النظر عن مآلات الثورة، هذه التحركات المريبة تكشف عن ازدواجية موقف الجماعة، التى رفعت شعارات الثورة نهارًا، بينما عقدت الصفقات مع السلطة ليلًا.
وما إن تنحى الرئيس مبارك حتى بدأ الإخوان فى تغيير خطابهم، فأعلنوا أنهم لا يسعون للهيمنة على المشهد السياسى، متعهدين بعدم تقديم مرشح للرئاسة أو السعى للسيطرة على البرلمان، لكن سرعان ما تكشفت الحقيقة، إذ أسسوا حزب الحرية والعدالة، وخاضوا الانتخابات البرلمانية بقوة، ثم دفعوا بمحمد مرسى مرشحًا للرئاسة، ضاربين بكل تعهداتهم السابقة عرض الحائط.
وبذلك خرج المكون المدنى فى المجتمع المصرى من المشهد أو على الأقل تم تحجيمه، وهو ما شجع الإخوان بعد أن استحوذوا على الأغلبية البرلمانية إلى هندسة دستور على مقاسهم، متجاهلين التوافق الوطنى، ومستغلين نفوذهم داخل الجمعية التأسيسية لفرض رؤيتهم الأيديولوجية، ومع تصاعد الاستياء من هذا النهج الإقصائى انسحبت القوى المدنية والليبرالية من المشهد، وتأكدت نية الجماعة فى فرض مشروعها السياسى، لا بناء دولة لجميع المصريين.
لم تقتصر ممارسات الإخوان على القوى المدنية المعارضة لهم، بل امتدت إلى حلفائهم الذين ساندوهم فى البداية. فبعد أن تحالفوا مع بعض التيارات الثورية والإسلامية، مثل حزب الوسط وبعض المستقلين، سرعان ما أداروا ظهورهم لهم بمجرد وصولهم إلى الحكم، معتبرين أنهم قد تجاوزوا مرحلة التحالفات، وأن الوقت قد حان لفرض رؤيتهم منفردين.
ولأن الشعب المصرى ابن حضارة وتاريخ عريق رأينا انتفاضته خلال عام واحد من حكم الجماعة، حيث بدا واضحًا أن الإخوان يعملون بكل جهد من أجل إقصاء المعارضة، واحتكار السلطة، وإثارة الانقسامات داخل المجتمع، لذلك تصاعد الغضب الشعبى، وخرجت الملايين إلى الشوارع فى 30 يونيو 2013، مطالبة بإنهاء حكمهم. وفى الثالث من يوليو، انتهت حقبة الإخوان فى السلطة، بعد أن أثبتوا أنهم لم يكونوا سوى وجه بشع للاستبداد.
لقد كانت خيانة الإخوان لثورة يناير خيانة مزدوجة، أولًا للثوار الذين اعتبروهم شركاء فى الحلم، وثانيًا للشعب الذى وثق فى وعودهم الزائفة. لم يكن سقوطهم سوى نتيجة طبيعية لمنهجهم القائم على التلاعب والمراوغة، إذ سعوا إلى التمكين لأنفسهم لا للثورة، فجاءت النهاية كما بدأت، بإرادة شعبية رفضت الاستبداد، مهما اختلفت الشعارات والوجوه.