الناس وأسعار الكتب
ينتظر الناس معرض الكتاب فى كل عام، لا سيما الكتاب والمثقفون، ليضيفوا إلى مكتباتهم الشخصية ما ينقصهم من أطروحات الأدب والفكر، ينتظرونه أيضًا ليشاركوا فى ندواته الكثيفة منفعلين بما يقال ومتفاعلين مع الأساتذة الذين على المنصات. المعرض فرصة حقيقية لتنشيط العقول والقلوب واستعادة العافية الثقافية، لو صح التعبير، بعد أن تراجع الاهتمام بالكتاب تراجعًا مؤسفًا فى الأعوام الأخيرة، وانشغلت الأكثرية بلقمة العيش وهموم الحياة التى ثقلت؛ إذ ارتفعت الأسعار ارتفاعًا مهولًا، وصار على الإنسان الذى يريد عيشًا آمنًا أن يجد فى السعى لكيلا يسقط شراع مركبه فى منتصف بحر الأيام الهائج الصاخب!
هذا الانتظار، انتظار الناس لمناسبة معرض الكتاب السنوية، أصبح الغلاء يعكر صفوه؛ فالكتب، ككل السلع والأشياء، زاد سعرها أضعافًا مضاعفة، والشخص الذى كان فى الماضى يكفيه مبلغ كالألف جنيه للعودة من المعرض بعدة أكياس ملآنة بالكتب، صار الآن لا يكفيه مبلغ الخمسة ليعود بنصف ما كان يعود به من قبل!
يذهب أغلبية الناس حاليًا لمتابعة ندوات المعرض، لا للشراء، يذهبون للترويح عن أنفسهم أيضًا، ولقاء الأصدقاء والأحبة، ففى المعرض، بجانب موضوعاته الأساسية، ترفيه للكبار والصغار، أماكن للتسلية وأطعمة ومشاريب وألعاب، وإن كانت النقود هى حاكمة الحركة فى جميع الأحوال.
المكاسب المادية التى كان الناشرون يحدث عنها بعضهم بعضًا، فيما فات من الزمن، تحولت إلى خسائر، بعضها فادح، والخسائر المعنوية تصاحب المادية سرمديًا، الناشر يصاب بالإحباط، وعاشق القراءة الذى لم يستطع الحصول على ما يريد يصاب بالإحباط.
الخطر هنا أن ترتبك عملية النشر، مع استمرار ارتفاع الأسعار، ومن ثم أسعار الورق والأحبار والطباعة، إلى أن يتوقف عدد منها، أو يحول مشروعه إلى اتجاه آخر، قد يكون نقيضًا لإنتاج الكتب بما تمثله من أنوار العلوم والفنون والمعارف، والخوف أيضًا من أن ينصرف القراء عن القراءة تدريجيًا، للسبب نفسه، وفى ذلك ما فيه من الآثار السلبية على الفرد وبيته ومجتمعه كله بالضرورة.
نحتاج جميعنا إلى مشروع قومى كبير كمشروع مكتبة الأسرة، وأظن الدولة المصرية قادرة على إعلانه ثم تدشينه، أتذكر المشروع بإكبار للذين فكروا فيه وأنفذوه، برعاية الدولة، أتذكره بالخير التام، فلقد جعل الناس يقبلون على شراء الكتب وقراءتها، حتى الذين لم يكونوا يهتمون بالأمر أصلًا!
ارتفاع الأسعار موجة عالمية لا محلية، وكل بلد وظروفه، لكننا يجب أن نحاصر أضرارها، ونتجنب أخطارها، ما وجدنا إلى ذلك سبيلًا، وعندما تتعلق القصة بالكتاب وأحواله؛ فيجب أن نكون فى غاية الاهتمام والسرعة؛ هكذا لأن القراءة سلاح ضمن الأسلحة التى نحارب بها الجهل والفساد والإرهاب، إنها شموس تلزمنا لمواجهة الظلام الذى يتربص بنا ويحاول السيطرة علينا. ألا فليكن بأيدينا كتاب قيم منخفض الثمن!