رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التجمع "المُدهش" والمجتمع "المندهش"!

أثارت واقعة مدرسة التجمع الخامس موجة من الاستغراب والاستنكار فى المجتمع، وهو رد فعل يعكس تساؤلات حول إدراكنا للواقع. كيف يمكن أن يصاب البعض بالدهشة من حادثة كهذه، فى حين أن مثل هذه الوقائع ليست استثناءً، بل تحدث يوميًا بعيدًا عن أعين الكاميرات؟

هذه الدهشة نفسها تستحق التأمل، إذ تعكس حالة من الإنكار أو الغفلة عن المشكلات الحقيقية التى تواجه المجتمع. الحادثة ليست سوى انعكاس لما يحدث يوميًا، لكنها اكتسبت هذا الزخم بسبب التوثيق وانتشار الفيديو عبر وسائل التواصل الاجتماعى. لكن السؤال الذى يفرض نفسه: هل نحتاج إلى الكاميرا لتصدمنا بالواقع الذى نعيشه يوميًا؟

إن ما يُثير القلق ليس وقوع الحادثة نفسها، بل قدرة المجتمع على تجاهل هذه الظواهر طالما بقيت فى الخفاء. يبدو أن المشكلات الاجتماعية لا تحظى بالاهتمام إلا عندما تُعرض على الملأ، مما يضع المجتمع فى دائرة مفرغة حادثة تُثير الجدل، تليها موجة استنكار وغضب، ثم يعود الصمت حتى تصدمنا واقعة جديدة.

ردود الفعل غالبًا ما تكون لحظية، حيث ينصب التركيز على الحدث بدلًا من البحث عن أسبابه الجذرية. هذا التفاعل اللحظى يعكس أزمة أعمق، إذ يغيب النقاش الحقيقى حول التربية، والقيم، ودور المجتمع فى منع تكرار مثل هذه الحوادث.

ما نحتاجه الآن هو تجاوز الاستغراب والعمل على معالجة الأسباب الكامنة وراء هذه السلوكيات. لماذا أصبحت هذه الممارسات مألوفة للبعض ومبررة أحيانًا؟ والسؤال هنا الذى يقلص نفسه: هل نعانى من «إنكار جمعى» للممارسات الخاطئة التى لا تُوثق؟

المشكلة ليست فى وقوع الحادثة فحسب، بل فى التساهل مع ممارسات مشابهة تحدث يوميًا لكنها تبقى فى الظل..

واقعة مدرسة التجمع ليست مجرد حادثة عابرة، بل جرس إنذار يدعونا لإعادة النظر فى أنفسنا كمجتمع. علينا أن نغوص فى أعماق الظاهرة، وأن نعمل على تغيير جذرى يعالج الأسباب، لا أن نكتفى بالاستنكار المؤقت.

جميع أطراف المجتمع، من أسر ومؤسسات تعليمية وإعلام وقيادات مجتمعية، يتحملون جزءًا من المسئولية عما حدث، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.

إن التعامل مع هذه القضية يتطلب نظرة إصلاحية تتجاوز المصالح الشخصية والحسابات الضيقة. على جميع المشاركين أن يضعوا مصلحة المجتمع فوق أى اعتبار، والتنازل عن المكاسب الفردية، حيث تسود القيم التى تحمى الجميع.

إذا أردنا حقًا بناء مجتمع آمن يحترم جميع أفراده، فعلينا أن نتجاوز دهشتنا ونواجه الواقع بشجاعة، ونعمل على ترسيخ القيم التى تمنع تكرار مثل هذه الحوادث ويجب أن يتحمل كل طرف دوره فى الإصلاح.. الحل لا يكمن فى إلقاء اللوم فقط، بل فى العمل المشترك.