الوحش فى هاتفك.. «الدستور» تحقق فى «سؤال الساعة»: كيف نتعامل مع «تيك توك»؟
أعاد قرار المحكمة العليا الأمريكية بحظر تطبيق «تيك توك»، لأسباب أمنية، الحديث عن المخاوف من ممارسات جمع البيانات عبر منصات التواصل الاجتماعى، وخطرها بشكل عام على أفراد المجتمع، خاصة الصغار.
واستتبع الحظر الأمريكى، الذى أوقفه الرئيس دونالد ترامب بشرط أن توافق الشركة المالكة للتطبيق «بايت دانس» على وجود مشاركة أمريكية فى ملكية التطبيق لا تقل عن ٥٠٪- عدة أسئلة حاسمة، على رأسها: هل ستتبعه قرارات مماثلة من دول أخرى بنفس المنطق لحماية الأمن القومى؟ أم أن هناك بدائل أخرى لمواجهة التأثيرات السلبية لمواقع التواصل على المجتمعات والثقافات المحلية؟
فى السطور التالية تناقش «الدستور» عددًا من الخبراء فى مجالات متعددة، من بينها الأمن السيبرانى، وعلم الاجتماع، وعلم النفس، بالإضافة إلى نواب البرلمان، وتتناول تأثيرات تطبيق «تيك توك»، وما يشابهه من تطبيقات ومواقع، على الأجيال الشابة، مع تحليل الوضع القانونى لهذه التطبيقات والمواقع فى مصر، التى تعد واحدة من أكثر الدول استخدامًا لها، بالإضافة إلى دراسة الحلول والبدائل التى يمكن عبرها تحقيق المستهدف وحماية المجتمع، دون اللجوء إلى قرارات الحظر.
خبير أمن سيبرانى: التدخل الحكومى لتنظيم الاستخدام «ضرورى» حمايةً للمجتمع من المخاطر المحتملة
قال الدكتور محمد محسن رمضان، مستشار الأمن السيبرانى ومكافحة الجرائم الإلكترونية، إن قرار حظر «تيك توك» يعود لمخاوف رئيسية لدى الولايات المتحدة، فى ظل تزايد احتمال ارتباط التطبيق بالحكومة الصينية.
وأضاف أن الولايات المتحدة تعتقد أن البيانات التى يتم جمعها من خلال تطبيق «تيك توك» قد تصل إلى السلطات الصينية، ووفقًا لهذا المنطق، فإن جمع بيانات ضخمة مثل الموقع الجغرافى، وسجل البحث، وسلوك المستخدمين، قد يستخدم لغايات غير مشروعة من قبَل جهات قد تسعى للتأثير على الأمن الوطنى.
وذكر أن مصر، كغيرها من دول العالم، تواجه تحديات فيما يتعلق بحماية بيانات المواطنين، موضحًا: «فى ظل تطور تقنيات جمع البيانات وتحليلها، يزداد القلق بشأن خصوصية الأفراد، وطرق استخدام هذه البيانات، وفى حال ثبت أن (تيك توك) يسهم فى تسريب البيانات الشخصية، أو يعرّضها للاستخدامات غير القانونية، قد يكون من المنطقى أن تتخذ مصر إجراءات مماثلة لتلك التى اتخذتها الولايات المتحدة».
ولفت الخبير السيبرانى إلى أن الشباب فى مصر يشكلون قاعدة كبيرة من مستخدمى تطبيق «تيك توك»، وفى حال تم حظر التطبيق أو تنظيمه بشكل أكثر صرامة، فقد يكون لهذا تأثير طويل المدى على سلوكياتهم واهتماماتهم، ولكن يمكن أن يكون هذا الحظر بمثابة خطوة لحماية هؤلاء الشباب من المخاطر المحتملة، خصوصًا إذا كان يتعلق بتأثير التطبيق على القيم الاجتماعية والثقافية فى مصر.
واختتم حديثه، لـ«الدستور»، بالقول: «رغم أن قرار حظر التطبيق قد يثير بعض المخاوف بشأن حرية الاستخدام، فإن الحفاظ على الأمن السيبرانى، وحماية البيانات الشخصية فى وجه التهديدات المتزايدة قد يتطلبان من الحكومات اتخاذ إجراءات فعالة، سواء كان ذلك من خلال الحظر، أو من خلال تنظيم الاستخدام».
خبيرة تكنولوجية: التطبيقات تجاوزت الجانب الترفيهى وأصبحت عنصرًا مؤثرًا فى الأمن القومى
أكدت الدكتورة مى البطران، خبيرة العلاقات المستقبلية الاقتصادية والتكنولوجية، أن قرار الولايات المتحدة حظر تطبيق «تيك توك» يعكس تحولًا كبيرًا فى التعامل مع التطبيقات الرقمية التى تجمع بين الترفيه والذكاء الاصطناعى، خاصة أن تأثير مثل هذه التطبيقات تجاوز الجانب الترفيهى، وأصبح عنصرًا مؤثرًا فى الأمن القومى للدول.
وأوضحت أن تلك التطبيقات، التى تعتمد على جمع وتحليل كميات هائلة من البيانات، تمثل تحديًا كبيرًا أمام الحكومات، خاصة فى ظل الانتشار الواسع لها بين الأجيال الشابة، مثل «جيل زد»، وهو الجيل الذى يشكل نسيجًا مؤثرًا فى المجتمعات الحديثة، لافتة إلى أن «العالم يشهد تغيرات متسارعة فى التعامل مع التكنولوجيا والذكاء الاصطناعى، ما يتطلب من الدول إعادة تقييم سياساتها الرقمية والتكنولوجية، خاصة أن كمية المعلومات التى تخزنها هذه التطبيقات أصبحت قضية استراتيجية تمس الأمن القومى، لذا فمن الضرورى وضع سياسات واضحة لإدارتها».
وأشارت إلى أن التغيرات الآتية فى المشهد التكنولوجى ستفرض على جميع الدول، بما فيها مصر، التعامل مع هذه القضايا بحذر ووعى، مضيفة: «التطبيقات التى تجمع بين الترفيه والتعليم والاجتماعيات أصبحت جزءًا لا يتجزأ من حياة الأفراد، لكنها فى الوقت نفسه تشكل تحديًا يتطلب تدخلًا مدروسًا لحماية المجتمعات وتأمين بياناتها».
«اتصالات النواب»: منح التطبيق مهلة 3 أشهر لتحسين المحتوى
كشف النائب أحمد بدوى، رئيس لجنة الاتصالات بمجلس النواب، عن أنه تم عقد اجتماع بين مسئولى «تيك توك» فى مصر ووزارة الاتصالات، لمناقشة تحسين محتوى التطبيق، موضحًا أن إدارة التطبيق منحت مهلة ثلاثة أشهر لتحسين المحتوى، مع حجب أى فيديوهات مخالفة للقواعد، وهذه المهلة مر منها نحو شهر ونصف الشهر.
وأكد «بدوى» أن لجنة الاتصالات تتابع الشكاوى المقدمة من أعضاء مجلس النواب بشأن التطبيق، وإذا استمرت المخالفات الجسيمة سيتم اتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة، مشيرًا إلى أن بعض الدول حظرت تطبيق «تيك توك»، لكن مصر اتخذت موقفها بناء على رغبتها فى تشجيع الاستثمار فى صناعة تكنولوجيا المعلومات، مع الالتزام بالمعايير القانونية.
«شعبة الاتصالات»: الرقابة الصارمة والوعى أفضل من الحجب
رأى المهندس إيهاب سعيد، عضو شعبة الاتصالات بالاتحاد العام للغرف التجارية، أن حجب تطبيق «تيك توك» قد يكون ممكنًا تقنيًا، لكنه ليس الحل الأمثل لمعالجة القضية، إذ يمكن للمستخدمين اللجوء إلى طرق بديلة للوصول إلى التطبيق أو استخدام تطبيقات مشابهة. وأوضح أن الحل يكمن فى وضع ضوابط ورقابة صارمة على المحتوى، مع تعزيز وعى الشباب بالمخاطر المحتملة للمواقع والمنصات المشابهة، لافتًا إلى أن التطبيق يحظى بشعبية كبيرة فى مصر بين الفئات العمرية الصغيرة، حيث يستخدمه الملايين يوميًا.
وأشار إلى أن تزايد نشر المحتوى غير اللائق على «تيك توك»، سعيًا وراء المشاهدات والثراء السريع، تطلب تدخلًا من القضاء المصرى، الذى أصدر أحكامًا بالسجن والغرامة بحق عدد من المستخدمين الذين أساءوا استغلال التطبيق.
استشاريون نفسيون: يدفع المراهقين لتحديات خطرة ويصيب بالإدمان السلوكى والفصام
حذر الدكتور جمال فرويز، استشارى الطب النفسى، من مخاطر التحديات الخطرة التى ينفذها المراهقون على «تيك توك»، مشيرًا إلى أن رغبتهم فى لفت الانتباه، وتحقيق أعلى المشاهدات يدفعانهم إلى المخاطرة بحياتهم دون وعى بعواقب أفعالهم.
وأوضح «فرويز» أن غياب القيم وضعف الوعى، إلى جانب العلاقات الأسرية المتوترة، تسهم فى تفاقم هذه السلوكيات، حيث يرى المراهقون فى تلك التحديات وسيلة لتحدى الأسرة، أو تعويض نقص الاهتمام، ما يؤدى إلى تأثيرات نفسية خطيرة، وأضرار اجتماعية واسعة.
من جهتها، أكدت منى فوزى، استشارى نفسى وتربوى، أن «تيك توك» يعزز ظاهرة الإدمان السلوكى، حيث يستهلك المستخدمون ساعات طويلة فى مشاهدة الفيديوهات، ما يسبب تأخرًا دراسيًا ومشاكل اجتماعية.
وأضافت أن المنصة تسهم فى نشر اضطرابات نفسية، مثل اضطراب الشخصية الحدية والفصام، بالإضافة إلى تعزيز القيم السلبية، وسلوكيات غير لائقة بين المراهقين، داعية إلى ضرورة الرقابة الأسرية والتوعية بمخاطر التطبيق، ومشددة على أن مسئولية حماية الأطفال تبدأ من الأسرة، وأن الحظر أو المنع ليس الحل لتلك المشكلة.
أساتذة علم اجتماع: يهدد القيم وينشر السلوكيات المنحرفة ويؤثر سلبًا على الأجيال الشابة
حذر الدكتور سمير عبدالفتاح، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، من التأثيرات السلبية للمحتوى المنتشر عبر «تيك توك»، خاصة ذلك الذى يقدمه بعض صناع المحتوى، موضحًا أن هذه النوعية من الفيديوهات، التى تتسم بالتصرفات الخارجة عن العادات والتقاليد، تعكس تغيرات خطيرة فى الذوق العام، وتراجع القيم المجتمعية.
وأشار «عبدالفتاح» إلى أن غياب الرقابة الأسرية والقدوة، إلى جانب سوء استخدام وسائل التواصل الاجتماعى، أديا إلى انتشار هذه الظواهر السلبية، خاصة بين الأجيال الشابة، مؤكدًا أن البعد عن القيم الدينية والأخلاقية أسهم بشكل كبير فى هذه التغيرات. وأضاف أن هذه النوعية من المحتوى لا تؤثر فقط على السلوك الفردى للشباب، بل تهدد القيم الثقافية الأصيلة للمجتمع المصرى، داعيًا إلى تعزيز الوعى المجتمعى، والعودة إلى القيم والتقاليد لمواجهة هذه التحديات.
من جهتها، ذكرت الدكتورة هدى زكريا، أستاذ علم الاجتماع بجامعة الزقازيق، أن لمحتوى «تيك توك» تأثيرًا سلبيًا على الشباب، مشيرة إلى أن بعض صناع المحتوى يقدم ما يسهم فى تدنى الذوق العام، وانتشار سلوكيات غير مقبولة اجتماعيًا. ورأت أن هذه الظاهرة تمثل انعكاسًا لممارسات «ديماجوجية»، حيث يتم استخدام لغة وسلوكيات متدنية لتحقيق الشهرة، وهو ما يؤثر سلبًا على الأجيال الجديدة، داعية إلى تعزيز الهوية الثقافية، واستعادة الذوق العام، من خلال دعم المحتوى الإيجابى الذى يعكس القيم الأصيلة للمجتمع المصرى.
34.2 مليون مصرى يستخدمون التطبيق
وفقًا لموقع «براندريا» المتخصص فى البيانات والإحصاءات، من المتوقع أن يصل عدد مستخدمى «تيك توك» فى مصر إلى نحو ٣٤.٢ مليون مستخدم خلال العام الجارى، أغلبهم ينتمون إلى الفئة العمرية ١٨-٢٤ عامًا، ما يجعل مصر فى طليعة الدول الرائدة فى استخدام «تيك توك» ضمن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وكشفت بيانات شركة (ByteDance) المالكة تطبيق «تيك توك» عن أن الإعلانات الخاصة بالتطبيق وصلت إلى ٣٤.٣٪ من البالغين فى مصر الذين تتجاوز أعمارهم ١٨ عامًا فى بداية عام ٢٠٢٣.
وفى الفترة نفسها، بلغ معدل وصول إعلانات «تيك توك» إلى نحو ٢٩.٤٪ من مستخدمى الإنترنت فى البلاد، بغض النظر عن العمر.
وأظهرت الإحصاءات أن ٣٩.٤٪ من جمهور الإعلانات كانوا من الإناث، بينما كان ٦٠.٦٪ من الذكور، ما يدل على أن قاعدة مستخدمى «تيك توك» فى مصر أصبحت تعتمد عليه كوسيلة رئيسية للتواصل ومشاركة المحتوى
الاتحاد الأوروبى
حظره البرلمان الأوروبى والمفوضية الأوروبية على هواتف الموظفين فى ٢٠٢٣ لحماية الأمن السيبرانى.
:أستراليا
حظرته على الأجهزة الحكومية فى ٢٠٢٣ بعد استشارة وكالات الأمن، كما أقرت قانونًا يحظر استخدامه للأطفال تحت ١٦ عامًا.
:كندا
حظرته على هواتف الحكومة فى فبراير ٢٠٢٣ بسبب مخاوف بشأن الخصوصية والأمن.
:تايوان
حظرته على الأجهزة الحكومية فى ٢٠٢٢، وسط مخاوف من الأمن السيبرانى بسبب التوترات مع الصين.
:بريطانيا
حظرته على أجهزة الوزراء والموظفين الحكوميين فى ٢٠٢٣ بعد مخاوف أمنية.
:نيوزيلندا
حظرته على الأجهزة البرلمانية فى ٢٠٢٣ لأسباب أمنية.