رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بتحرير بشرى وترجمة الـ"AI" انطلق لا تتردد: توظيف الذكاء الاصطناعى فى النشر

نديم صادق والناشرين
نديم صادق والناشرين شريف ورانيا بكر

تجربة جديدة تخوضها دار العربي للنشر، في معرض القاهرة الدولي للكتاب 2025، من خلال أحدث إصداراتها، تنشر العربي أول كتاب عن الذكاء الاصطناعي وتوظيفه في عالم النشر الـ"AI" بترجمة الـ"AI"، ولكن بتحرير بشري.

 وهو ما يناقشه الكاتب نديم صادق، خلال مشاركته في معرض القاهرة الدولي للكتاب للتحدث عن الذكاء الاصطناعي والنشر، يوم السبت الموافق 25 يناير، ومن المقرر أن يوجد بجناح دار العربي بالمعرض بصالة 1 B58، يوم الأحد الموافق 26 يناير.

العربي للنشر وحكاية الذكاء الاصطناعي

 بدأت الحكاية بمقابلة بين الناشر شريف بكر، المدير العام لدار العربي للنشر، والمؤلف الأيرلندي من أصول مصرية، نديم صادق، وقد تناقشا في مستقبل النشر في الوطن العربي على وجه الخصوص وحتمية تدخل الذكاء الاصطناعي في الأمر شئنا أم أبينا، وهكذا، وفي الوقت الذي يقاوم فيه الجميع فكرة استخدام "الذكاء الاصطناعي"، أو حتى فكرة اللجوء إليه، اتخذت العربي الخطوة وقررت أن تخوض التجربة.

 وقال "بكر" في مقدمة الكتاب: “بما أنه كتاب عن الـ"AI"، فأفضل طريقة لترجمته هي باستخدام الـ"AI"، لكن الفكرة هي أن الترجمة مُحررة هذه المرة.. لكن، مع أن الذكاء الاصطناعي قد استُخدِم للترجمة، فالأمر لم يكن بالسهولة التي قد يتخيلها البعض، فالجمل لم تكن مترابطة في معظم المواضع، وسيطرت على النص ألفاظ وتعبيرات مُترجمة بشكل حرفي واحتاجت إلى مراجعتها وتحريرها لتُكتب كما هي مُستخدمة في اللغة العربية، كما كان هناك بعض المصطلحات المتخصصة للغاية الخاصة بعمليات النشر التي تُرجمت بشكل عام للغاية، وكل هذا دليل على ما يسعى الكاتب نديم صادق، ونحن أيضًا، لإثباته؛ لا مفر من تدخل الذكاء الاصطناعي في كل شيء، حتى في صناعة النشر، ولكن تبقى بعض الوظائف التي لا بد وأن يؤديها الإنسان، والنتيجة هي أن كليهما؛ الإنسان والذكاء الاصطناعي يكملان بعضهما بعضًا، فلماذا إذًا لا نستغل الأمر لصالحنا؟

الذكاء الاصطناعي والترجمة

لكن، عندما نذكر أن الكاتب استخدم الذكاء الاصطناعي، فربما يظن القارئ أن الأمر يسير، وأنه لجأ لبرنامج ما من البرامج المُتاحة حاليًا، ولكنه لكي يخرج بهذا المستوى المتقدم من الكتابة والترجمة، وجد نفسه وقد لجأ لعمليات معقدة للغاية لكي يتمكن ولو من تحقيق 80% كمعيار جودة في كتابة النص، وهو ما شرحه الكاتب في مقدمته للكتاب، والتي ننشرها هنا أيضًا:

"أنا كاتب مقال ومتحدث في صناعة النشر، خصوصًا فيما يتعلق بالذكاء الاصطناعي وتأثيره على المجتمع وتبعاته. أحد الموضوعات التي أناقشها هو زيادة توفر المنتج وكيف يمكن للذكاء الاصطناعي التأثير في ذلك.

عندما سألني ناشري، دار العربي، عن الترجمة لكتاب: "انطلق.. لا تتردد: توظيف الذكاء الاصطناعي في النشر"، قلت إن علينا أن نجرب إنجازه بواسطة الذكاء الاصطناعي، ففي حالات كثيرة، يحصل الكتاب على جمهور محدود "جمهوري عادة من العاملين في صناعة النشر ومن المهتمين قليلًا بالذكاء الاصطناعي" حيث قد تتحول العوائد الاقتصادية لمبيعات الكتاب لتصبح عائقًا أمام الاستعانة بمترجم بشري للقيام بالمهمة. هناك كثير من الأعمال الرائعة التي تظل مجهولة للأشخاص الذين لا يتحدثون لغة الكتاب الأصلية، ببساطة لأنهم لا يعرفون تلك اللغة.

لذلك، قررتُ تكليف نفسي بأن أصبح "المترجم"، وهو أمر غريب في هذه الحالة لأن اسمي "نديم صادق"، وهو اسم مصري، مما يجعل معظم الناس يتوقعون بشكل منطقي أنني أتحدث العربية وأقرأها وأكتبها. لأسباب عدة، لغتي العربية بسيطة، ولا أستطيع قراءتها أو كتابتها على الإطلاق. باختصار، ليست لدي القدرة الشخصية على الترجمة من الإنجليزية إلى العربية.

ومع ذلك، توليت المسئولية وقلت بكل جرأة إنني سوف أُنجز الخطة، وقد فعلت. كانت نيتي أن أستعين بالذكاء الاصطناعي للقيام بالمهمة بدلًا مني، وبما أنني الرئيس التنفيذي لشركة تعمل في مجال الذكاء الاصطناعي، فمن الطبيعي أن أكون ملمًا بالتقنية وطريقة استخدامها أكثر من معظم الناس، لكنني قررت ألا أطلب المساعدة من أحد، بل بصفتي مؤلفًا، أن "أجد طريقي" لإنجاز المهمة. اعتقدت أن هذه ستكون تجربة مفيدة للكتاب الآخرين الذين يرغبون في الوصول إلى جمهور أكبر.

آلية ترجمة الذكاء الاصطناعي

أولًا، بحثت ببساطة عن "أدوات ترجمة كتب مجانية، عبر الإنترنت، تعمل بالذكاء الاصطناعي". ظهرت أمامي الكثير من الخيارات. نقرت على بعضها وحاولت استخدام بضع أدوات منها. وبصراحة، وجدت أن معظمها كان صعب الاستخدام، إذ تطلب مني معرفة عميقة بالمعايير التقنية للطباعة، وهي أمور لا أفهمها، كما وجدتُ أنني في حاجة إلى أن أتخذ قرارات حاسمة بين عبارة وأخرى؛ بخط/نص/لغة لا أستطيع قراءتها.. وفجأة، أيضًا، تطلب الأمر مني دفع آلاف الدولارات الأمريكية لإنهاء المهمة.. كان الأمر محبطًا.

ثانيًا، قررتُ أن أحاول استخدام النماذج اللغوية الضخمة "LLMs" وحدها، فأنا أستخدم العديد منها كل يوم، بما في ذلك Claude من Anthropic، وLeChat من Mistral، وDeepSeek من DeepSeek AI، وChatGPT من OpenAI، وغيرها، وهم حوالي خمسة، كنت قد استخدمت أيضًا JAIS، وهو نموذج لغوي إماراتي، وشعرت بأنه ربما يكون الأفضل؛ نظرًا لحساسيته للغة العربية وتدريبه في هذا المجال. هناك أيضًا نموذج سعودي واعد يُدعى Noor، لكنه لم يكن متاحًا للعامة بعد، فلم أتمكن من تجربته.

كانت هذه المقاربة أكثر جدوى، وأوضحت لي كيف أن كثيرًا من الشركات التي تعتمد في بنائها طبقة تطبيقية لتجربة مستخدم "UX" على نموذج لغوي ضخم قد تواجه خطر عدم الاستدامة؛ لأن النموذج الأساسي نفسه قد يكون في الواقع أسهل وأفضل للاستخدام.

في النهاية، عملت مع كل من JAIS وChatGPT لترجمة هذا الكتاب. ففي النسخة الإنجليزية، غالبًا ما يكتب Claude أفضل، ولكن عندما شاركت النتائج الأولية مع أشقائي "الذين يقرأون العربية ويكتبونها بإتقان"، ومع أبناء وبنات عمومتي الذين يتقنون العربية، ومع عدد من المحترفين في النشر، ومنهم الناشر الكريم "شريف بكر"، تبيّن لي أن Claude ليس الخيار الأفضل للترجمة إلى العربية.

كلا النموذجين JAIS وChatGPT لديهما عدة نسخ يمكن الوصول إليها بسهولة، وغالبًا بشكل مجاني. بعد التجربة، اخترت أقواها من كليهما؛ النموذج ذو 70 مليار مُعامل من JAIS، ونسخة o1 من ChatGPT. بدا أنهما يقدمان صياغات لغوية مناسبة أكثر وفق تقييم فريقي الصغير، الذي قال إنها تبدو الأفضل بالعربية.

بعد ذلك، بدأت أبحث عن أفضل طريقة للحصول على ترجمة الكتاب. عمومًا، لا تحب النماذج أن تُعطَى مخطوطة كتاب كاملة دفعة واحدة، فغالبًا ما يكون من الصعب عليها مقاومة إعادة الصياغة أو التلخيص أو الاختزال، حتى لو وجهتها بدقة. كان مهمًا أن أقدم تعليمات دقيقة، مثل: "من فضلك، ترجم هذا للنموذج العربي الفصيح الذي سيقرأه محترفون في صناعة النشر"، و"احرص على أن يكون أسلوبه مهنيًا، ولكن سهل الفهم"، و"لا تُلخِّص ولا تعيد الصياغة أو تختزل"، و"استخدم نبرة الصوت نفسها من فقرة لأخرى"، و"تذكّر هذه التعليمات مع كل مقطع جديد أرفعه لك". ومع بعض التجارب في مثل هذه التعليمات، بدأت تظهر الترجمة في صورة اتفق الجميع على أنها مقبولة، بل وجيدة.

كانت هناك مشكلات أخرى وجدتُ نفسي مُجبرًا على أن أجد حلًا لها؛ فـJAIS كان كثيرًا ما يتوقف عن الترجمة ويقول إنه لن يتعامل مع "مفاهيم محظورة". لم يكن لدي أدنى فكرة عن أي مقطع في النص قد أثار حفيظته ولماذا، لكنه لم يُساعدني في معرفته. لذا، رغم رغبتي في الاستفادة من خبرته اللغوية العربية، فهو لم يُساعدني على مواصلة العمل معه، أمَّا ChatGPT، فلم يُبدِ أي اعتراض على أي جزء من عملي، وترجم كل ما قدمته له، لكنني واجهت معه مشاكل في إدارة المستندات؛ إذ كان يقول إنه يستطيع إخراج الترجمة في ملف Word مُعد للنشر، لكنه لم يفعل ذلك فعلًا، أو فعل بشكل جزئي فقط. كما لم أتمكن من التحكم في وتغيير اتجاهي الكتابة "من اليمين إلى اليسار ومن اليسار إلى اليمين" من دون التسبب في صداع مستمر للتعامل مع ملف الترجمة لدى دار العربي للنشر والتوزيع. وفي النهاية، استخدمت Google Docs، الذي تبيّن أنه يتكامل بأفضل صورة مع ChatGPT "وهو أمر غريب بالنظر إلى استثمار Microsoft في OpenAI"، وتمكنت من تسليم النص لـ"شريف" وفريقه بصورة مناسبة.

في مرحلة ما، طلبت مساعدة أحد زملائي في مجال الذكاء الاصطناعي، واسمه "سينثيل ناثان" من شركة Ailaysa، فهم لديهم منصة تساعد الكتّاب في مجموعة من المهام عند تأليف كتبهم ونشرها، وهي خدمة مدفوعة توفّر دعمًا ممتازًا للمؤلفين لنشر أعمالهم وإخراجها إلى النور. وتكرّموا بترجمة كتابي مجانًا، مستخدمين نماذج Google.

أرسلت كلًّا من الترجمة "المشتركة" بين ChatGPT وJAIS، وترجمة Ailaysa المعتمدة على Google، إلى دار العربي للنشر والتوزيع، بعد أن بذلت قصارى جهدي. يجدر بي أن أشير إلى أن خدمة Ailaysa تتضمّن أيضًا محررًا بشريًا لضمان الجودة، ولكني لم أمنحهم الوقت لأداء هذه الخطوة المهمة، بل أخذت "الترجمة الخام" فقط.

باختصار، كانت تلك عملية تعلم ضخمة بالنسبة لي.. وقد نجحت. استخدمنا النسخة المترجمة من ChatGPT/JAIS، وأخبرني "شريف" أن محرريه قدّروا أن 85%-90% منها كان مقبولًا عند تسليمي لها. تذكروا، أنا لا أقرأ ولا أكتب العربية، ولم أقدّم أي مساهمة في هذه النسخة. وبعد يومين من التحرير، صار الكتاب الذي تقرأونه الآن جاهزًا.

الدرس المذهل هنا هو أن كل مؤلف يمكنه وينبغي له أن يشعر بالقدرة على ترجمة كتابه بنفسه، وبشكل جيد ومجاني، مع القليل من الجهد، فالذكاء الاصطناعي حقًا هو ذكاء متحالف معنا.