رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عودة الأحزاب للصحافة

الأحزاب المصرية التى يتجاوز عددها المائة حاليًا، بعيدة عن الرأى العام تمامًا. الأسباب عديدة وواضحة، ولو سألت أى مسئول حزبى حالى أو سابق سيشرح لك عددًا من هذه الأسباب. الباحثون والمهتمون بالسياسة، بشكل عام، والأداء الحزبى بشكل خاص، لديهم رؤية مهمة حول هذا الفتور فى الأداء.

اليوم أركز على سبب محدد وفى مجال تخصصنا، وهو متعلق بغياب الأحزاب عن صحافتنا. وبشكل دقيق فإن تناول القضايا والأخبار والتقارير عن الأحزاب المصرية بات فاترًا جدًا وسطحيًا. كما أن المساحات الممنوحة للأحزاب وأنشطتها والفعاليات التى تقوم بها تقلصت إلى حد كبير.. حتى فى الصحف المستقلة ومواقعها، لا حوارات مع قيادات الأحزاب أو رموزها. 

أنا لا أعرف أسماء غالبية رؤساء الأحزاب الحاليين، وأنا صحفى قديم.. لأننى لم أقرأ عنهم، أو أشاهدهم على مدار سنوات. التضييق يزيد، إذا تعلق الأمر بحزب معارض أو لديه مواقف مستقلة من الأحداث والقضايا السياسية والاقتصادية والتشريعية التى تتم على الساحة.

ما أحوجنا لنعرف مواقف أحزابنا من القضايا والمواقف السياسية المطروحة.. مثل الجدل الدائر فى مجلس النواب وخارجه حول قانون «المسئولية الطبية».. فلربما يكون عند كوادر هذا الحزب أو ذاك حل مثالى لمشروع القانون.. وهكذا.

وكانت لشئون الأحزاب أقسام مستقلة فى جرائدنا على اختلاف انتماءاتها، وأحيانًا كان القسم يتسع ليضم الأحزاب والبرلمان معًا، وفى أوقات كثيرة، ومع التمدد السياسى والإعلامى، كان يتم فصل القسمين. وكان أفضل الصحفيين وأكثرهم ثقافة وخبرة بالسياسة والقانون وشئون المجتمع المدنى هم من يعملون فى القسمين. 

أدعو لعودة الاهتمام بأقسام الأحزاب السياسية فى صحفنا ومواقعنا. والبداية بعودة الصفحات المتخصصة الغنية بالأخبار والتصريحات.. والمواجهات السياسية بين قادة الأحزاب. الدعوة تشمل كل الصحف القومية والمستقلة. وللأمانة فإن بعض الصحف الكبرى تخصص صفحات أسبوعية للأحزاب، لكن لاحظت أن غالبها يذهب لتغطية جلسات البرلمان بغرفتيه مجلس النواب ومجلس الشيوخ. كما أن الصوت المعارض والمستقل شبه غائب عن هذه الصفحات.

لقد انضم حزب سياسى جديد للساحة المصرية، وهو حزب «الجبهة الوطنية»، وهناك تساؤلات مشروعة تحتاج للإجابات التفصيلية حول هذا الحزب وتمويله واتجاهاته، وهل يتم تجهيزه ليصبح حزبًا للأغلبية، ويسحب البساط من أحزاب الموالاة القريبة من الحكومة والأجهزة العليا أم لا؟

تحدثت القيادات المؤسسة للحزب فى عدة مؤتمرات.. وكررت شعارات ومعلومات بعينها. ويبقى الحوار الصحفى الحقيقى بشأن الحزب الجديد هو ما دار بين الزميل عمرو أديب واثنين من القيادات المؤسسة. وأقصد هنا الدكتور عاصم الجزار والأستاذ ضياء رشوان.

لو أن الأجواء الصحفية مثالية، أو تعمل فى حدها الأدنى، لتابعنا عدة حوارات وتحقيقات ومواجهات فى صحف وفضائيات أخرى حول حزب الجبهة الوطنية. أتمنى أن نفسح المجال لكل الاتجاهات والآراء بشأنه.. وربما بعد ذلك، نكتشف أنه حزب عظيم ويليق به أن يصعد للقمة بأعضائه. أو قد نكتشف أنه كغيره من أحزاب السلطة.. أى تم تشكيله بقرار سيادى، ولن يتعرض للأزمات والمناكفات التى تواجهها الأحزاب السياسية الشعبية.

وفى نفس القضية، أتمنى عودة الروح للصحافة الحزبية. هى بلا تأثير فى الوقت الحالى، حتى إن المواقع الإخبارية التابعة لها أفقر من المواقع التابعة للصحف القومية!.

فى الفترة الليبرالية فى مصر قبل ثورة يوليو، عشنا ملحمة سياسية انصهرت فيها الأحزاب الشعبية مع الصحافة القوية. واستفاد الرأى العام من هذا المشهد، كما أفرز صحافة وطنية تدعو للاستقلال والسيادة لمصر. أقصد هنا حزب الوفد والصحف والمجلات الدائرة فى فلكه. حتى الأحزاب والصحف التى تبنت موقفًا محايدًا أو دعت لعلاقات متينة مع الإنجليز، تميزت بالمهنية وتفاعلت معها نسبة من الجماهير. 

بعد ثورة يوليو بسنوات معدودة تم تأميم الصحافة وأُغلقت جميع الأحزاب السياسية.. وتم التضييق على رموزها، ثم عمل الرئيس الراحل أنور السادات على تغيير هذا الواقع، وسمح بظهور المنابر السياسية داخل التنظيم السياسى الحاكم، وهو الاتحاد الاشتراكى.. ثم أعاد الأحزاب السياسية. وصدرت فى مصر عدة صحف حزبية، تمتعت بهامش معقول من الحرية والجرأة. بعضها كان له شعبية واسعة.. كما أنها تمتعت بالمهنية إلى حد كبير. نشأ جيلنا وسط هذا الواقع الصحفى الذى أتمنى عودته! 

الأحزاب المصرية حاليًا كثيرة العدد قليلة التأثير، والصحافة الحزبية، على اختلاف تنويعاتها، أبرز مظاهر هذا الضعف.

نتمنى أن يكون ميلاد الحزب الجديد فرصة لتحسين الأوضاع السياسية والصحفية فى مصر.