مصر كبيرة.. بوحدة شعبها
مع سماع أجراس الكنائس تدق فى أنحاء الجمهورية، يعم الجميع الشعور بالفرح والسعادة، إيذانًا ببدء احتفالات عيد الميلاد المجيد، التى تُصادف اليوم السابع من يناير فى كل عام.. حيث يحرص الرئيس عبدالفتاح السيسى، مشاركة أبنائه وإخوته من أقباط مصر أفراحهم، فى كاتدرائية ميلاد السيد المسيح، بالعاصمة الإدارية الجديدة، وقد انتصبت هذه الكاتدرائية عند طرف العاصمة، وفى مواجهتها، عند الطرف الآخر، يقف مسجد الفتاح العليم، رمزًا على أن مصر فى خير، بمساجدها وكنائسها العامرة بالشعب المصرى، تلك التى تمتزج فيها أضواء المكان بأنوار القلوب الخافقة بحب هذا البلد العظيم، الذى ما فرط فيه أبناؤه يومًا، وكانوا دائمًا عند حسن الظن فيهم، أبناءً صالحين وطنيين، مستعدين للتضحية من أجله، فى أى وقت يستحق ذلك.
عند مدخل الكاتدرائية، وصل الرئيس السيسى، كعادته منذ أحد عشر عامًا، ليشارك أقباط مصر فرحتهم بالعيد.. يطبع قُبلة على جبين البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، رسالة تهنئة منه إلى كل الأقباط فى عيدهم.. ويشق طريقه المزدحم بالقلوب الفرحة بالعيد وبمشاركة الرئيس مناسبتهم المجيدة.. مسافة قصيرة، بين المدخل ومنصة الاحتفال، ولكنها طويلة بالأيادى الممتدة لمصافحة الرئيس، التى بادلها حبًا بحب، وألسنتهم تلهج بالدعاء أن يحافظ الله على مصر، وأن يحفظ الرئيس لمصر، لأنه الرجل الذى أعادها بعد اختطاف، وحقق أمنها وتماسكها، وحافظ على سلامة نسيجها الاجتماعى، ثم هو الذى يبنى الجمهورية الجديدة، على دعائم القوة والمنعة، والنهوض بالمواطن، حتى يكون حيث يستحق، من الحياة الكريمة.
أحد عشر عامًا، حرص الرئيس خلالها على المشاركة فى احتفالات عيد الميلاد الجديد.. وفى كل عام، يترك رسالة إلى مواطنى مصر والعالم، تختلف بين عام وآخر، لكنها تصب جميعها عند التأكيد على أن صلابة هذا الشعب وحفاظه على بلده ومقدراته هما الحصن المنيع، مع الأخذ بأسباب الإصلاح من الدولة والحكومة والإيمان بالله.
وبأول زيارة له للكاتدرائية المرقسية بالعباسية عام 2015 لتهنئة الأقباط بعيد الميلاد المجيد، صنع الرئيس مشهدًا غير مسبوق، عكس مظاهر الحفاوة والترحيب بالرئيس داخل الكاتدرائية، وحملت كلمات الرئيس آنذاك، معانى المحبة والإخاء بين القائد والمواطن، «كان ضرورى أجيلكم، عشان أقولكم كل سنة وأنتم طيبين»، بعد أن سار من كان رئيسًا سابقًا، أى محمد مرسى، على نهج الرئيس الراحل حسنى مبارك، فى إرسال من ينوب عنه فى هذه الاحتفالات، مما كان يترك غصة فى حلوق الأقباط، من امتناع رئيس الدولة عن مشاركة أبناء وطنه الاحتفال بعيدهم.. وفى العام التالى، كانت زيارة الرئيس السيسى بمثابة رد حق للأقباط، وقد حملت كلمة الرئيس الوعود بالعديد من الحقوق للأقباط، «تأخرنا عليكم فى ترميم وإصلاح ما تم إحراقه- أى الكنائس- وإن شاء الله يا قداسة البابا، هنخلص كل شىء هذا العام، واسمحوا لى أن أقول لكم يا ريت تقبلوا اعتذارنا فى اللى حصل ده»، قبل أن يعلن الرئيس فى 2017 عن الاستعداد لبناء كاتدرائية ميلاد السيد المسيح بالعاصمة الإدارية، مصليًا من أجل حفظ مصر وسلامها، قائلًا «عايزين نعلم الناس أننا واحد، وأن التنوع خلقه الله ليحترمه البشر، لأن الاختلاف إرادة إلهية».
وتتوالى رسائل الرئيس السيسى خلال تهنئته للأقباط بعيد الميلاد، ليقدم عام 2018، هدية الافتتاح الجزئى لكاتدرائية ميلاد السيد المسيح، «نُقدم نموذجًا من خلال الكاتدرائية، للمحبة بينا وبين بعضنا».. ويؤكد فى العام التالى، أن «شجرة المحبة اللى غرسناها مع بعض النهاردة، لسه عايزين نحافظ عليها، لأن الفتن لن تنتهى.. أنا لا أحب تعبير الفتنة الطائفية، لأننا جميعنا واحد».. ولم ينس الرئيس أن يُطمئن الشعب المصرى جميعه، بعد عام آخر، قائلًا: «متخلوش حد أبدًا يدخل بيننا ويحاول يوقع ويعمل فتنة بيننا، البلد دى بلدنا كلنا، لا حد له زيادة، ولا حد عليه نقص، وكلنا زى بعض».. ولم تمنع جائحة كورونا الرئيس من المشاركة فى احتفال الأقباط بعيد الميلاد، بل أرسل رسائل التهنئة عبر الفيديو كونفرانس، «الدولة حريصة على أن تقدم النموذج للشعب، بغرس مفاهيم الاختلاف والتنوع فى الشكل والفكر والعقيدة، كسبيل أساسى للتقدم والتطور»، مؤكدًا فى العام التالى، أن الهوية الدينية للمواطن المصرى آخر ما يُنظر له، «الجمهورية الجديدة التى تتسع للجميع، تتسع لنا كلنا، دون أى فرق أو تمييز.. نعيش فيها بسلام وأمان مع بعضنا البعض، شريطة الانتباه لمحاولات البعض، إحداث فتنة وفرقة بين المصريين».
كان بث الطمأنية فى نفوس المصريين، هى الشغل الشاغل للرئيس السيسى، فى وقت يموج فيه العالم بدوامات العنف والحروب، وشائعات تستهدف الدولة المصرية، لتنال من عزيمة أبنائها، مستغلة بعض الأزمات التى تمر بها البلاد، شأن أى دولة فى العالم، لبث الفرقة بينهم، «نسير بخطى ثابتة، رغم بعض الظروف التى نعانى منها، ولكن لا نخاف ولا نقلق».. وأكد فى احتفالات 2024، ضرورة تكاتف المصريين للمرور من الأزمات، «أى أزمة وأى مشكلات وأى ظروف صعبة، هتعدى بفضل الله.. وطول ما إحنا مع بعض، الأمور والظروف الصعبة هتنتهيى.. المهم تفضل بلدنا بخير وشعبها يفضل بخير».. إلى أن جاءت احتفالات هذا العام، حيث أكد الرئيس أمس، على وعى المصريين، كحصن أمان وحائط صد أمام مؤامرات المتآمرين، «المصريين لديهم قدر كبير من الوعى والفهم، ولديهم القدرة على التعامل مع أى أمر يحدث داخل وخارج مصر.. ونحن كدولة، وأنا كإنسان مسئول عنكم، فإننا نتعامل مع كل الأمور بشرف وأمانة».
●●●
وبكلمته هذا العام فى كاتدرائية ميلاد السيد المسيح، لم يُخاطب الرئيس السيسى الأقباط وحدهم، ولا الشعب المصرى فقط، بل وجه رسائل قوية إلى العالم، عن وحدة الصف الوطنى، وتعزيز مفهوم المواطنة الحقيقية، وأن التلاحم المجتمعى وحجم الوعى لدى المصريين، يُشكلان دعامة أساسية فى مواجهة التحديات التى تُحيط بمصر، وما أكثرها، «أنا أحدث العالم من خلالكم، وأن الأعوام الماضية كان يوجد بها قلق، ولكن كل الأمور مرت بسلام».. كلمات الرئيس عكست رؤية واضحة لمستقبل مصر، حيث أكد أن التقدم والاستقرار يتحققان بالمحبة والتعاون والعمل المشترك، داعيًا الجميع إلى الالتفاف حول الوطن والعمل من أجل تحقيق المزيد من النجاحات على مختلف الأصعدة.. وأن مصر ستظل دائمًا نموذجًا للوحدة الوطنية والتعايش السلمى، وأن الأعياد فرصة لتجديد العهد بالمحبة والعمل المشترك، من أجل رفعة الوطن.
أكد الرئيس السيسى للعالم المُتربص بنا، أن أول أسباب حماية بلادنا هو محبتنا لبعضنا البعض، وأن مخزون المحبة بين كل المصريين يزيد يومًا بعد يوم، وأن حجم الوعى والفهم الموجود عند المصريين ضخم جدًا، ويجعل المصريين لديهم القدرة على التعامل مع أى أمر، سواء داخل مصر أو خارجها.. وإذ يتمنى الرئيس أن يكون هذا العام، «عام سعيد وسنة بفضل الله سبحانه وتعالى، أفضل من الأعوام السابقة»، فإنه يلفت الانتباه إلى أنه يتابع كل الأمور وكل ردود الأفعال، ويؤكد أن القلق ربما يكون مُبررًا، لكن، «نحن لا ننسى وجود ربنا، يمكن حد ينسى مع الظروف ويتهيأ له أن الأمور ليست مُسيطرًا عليها، مش بينا إحنا كبشر ولكن برب البشر.. الدنيا ليست متروكة هكذا، نحن جميعًا نؤمن بالله، ولا ننسى أن ربنا موجود، ولا أحد يستطيع أن يفعل أى شىء فى الوجود إلا بأمر الله سبحانه وتعالى».. وليس معنى هذا «أننا كمصريين لا نأخذ بالأسباب لحماية بلدنا، وأول حماية فيها هى محبتنا لبعضنا، ومخزون المحبة ورصيدها بين المصريين يزيد يومًا عن يوم، وهو أمر يجب وضعه فى الاعتبار).
وحتى لا يتصور البعض أن ما يحدث فى بعض البلدان حولنا، من الممكن أن يتكرر عندنا، فإنه أشار إلى أن مُسببات ذلك لا تتوافر لدينا، بل «إننا كدولة، وأنا كانسان مسئول عنكم، أطمئنكم أننى أتعامل مع كل الأمور بشرف كبير وأمانة ونزاهة كبيرة.. لو كان المسئول عنكم إنسان مش كويس خافوا على بلدكم، لو إيده ملوثة بدم الناس خافوا على بلدكم، ولو إيده تأخذ أموال الناس خافوا على بلدكم.. والحمد لله مفيش حاجة من هذا موجودة».. وتبقى مصر «دولة كبيرة، وإن شاء الله الأيام القادمة ستكون أفضل من الماضية، كل سنة وأنتم طيبين وعيد سعيد علينا كلنا».. ولم ينس الرئيس كعادته، أن يقدم لقداسة البابا باقة من الزهور تعبيرًا عن مشاعر المحبة والود، وأن يعبر عما لقداسة البابا تواضروس الثانى من مكانة واحترام كبير فى قلبه، داعيًا الله سبحانه وتعالى أن «يحفظه ويحميه ويحميكم».. وبمثل القُبلة التى طبعها الرئيس على جبين البابا تواضروس عند وصوله مدخل الكاتدرائية، طبع مثلها قبل أن يغادرها، متمنيًا للجميع عامًا سعيدًا.
إن مشاركة الرئيس السيسى فى احتفالات عيد الميلاد المجيد، تحمل رسالة حضارية للعالم، تؤكد ريادة مصر فى ترسيخ قيم المواطنة والتعايش السلمى بين جميع أبنائها، مهما اختلفت عقائدهم وثقافاتهم.. ويعكس حضوره هذا الحدث السنوى، التزام القيادة السياسية بدعم مبدأ الوحدة الوطنية، كركيزة أساسية لاستقرار الدولة المصرية، وقد جاءت كلمته خلال المشاركة، دعوة وطنية لتعزيز الوعى المجتمعى لمواجهة التحديات التى تسعى لزعزعة وحدة المصريين.. فمصر التى قدمت للعالم نموذجًا فريدًا فى التعايش المشترك، يتجاوز الشكليات ليصل إلى عمق العلاقات الإنسانية، التى تجمع المسلمين والمسيحيين على مائدة وطنية واحدة، كما لا يقتصر الاحتفال بالأعياد فيها على الطقوس الدينية، بل يعكس روح المحبة والتآخى التى يتميز بها الشعب المصرى، بما يجعل من مصر رمزًا للسلام والأمان، بما يعمها من روح الود والمحبة التى تربط بين مواطنيها، وما هذه الاحتفالات بالأعياد الدينية والوطنية التى تملأ البلاد، إلا وتعكس علاقة قوية وأصيلة، وإيمان من الجميع بقيمة المواطنة، والعمل معًا على أرض وطن واحد يجمعنا، لتحقيق رقى وتقدم بلادنا، ويوجه رسالة للعالم أجمع، بأن مصر بلد السلام والأمن والمحبة والاستقرار.
●●●
■■ وبعد..
فإن الرئيس السيسى يبقى أكثر رئيس فى التاريخ المصرى المعاصر، يحرص على تحقيق قيم المواطنة، بكل ما تحمله من دلالات، وما تستدعيه من برامج وخطط وآليات يعمل على تحقيقها، لوضع المفهوم موضع التطبيق، ويتجلى ذلك فى العديد من المواقف، لعل أحدها هذا الاحتفال الكبير بعيد الميلاد المجيد، وحرص الجميع على تهنئة الأقباط بالعيد ومشاركتهم الفرحة والاحتفاء بالمناسبة، ليس فقط باعتبارها مناسبة مسيحية، بل باعتبارها مناسبة وطنية بامتياز، كما يقول المستشار حسين أبوالعطا، عضو المكتب التنفيذى لتحالف الأحزاب المصرية.. فتهنئة الرئيس بالحضور الشخصى فى الكاتدرائية تصنع مناسبة مميزة للغاية، بما تحمله من زخم كبير من الحب والمودة والتقدير، وهو ما يبدو واضحًا من الحوار المتبادل دائمًا بين الرئيس وقداسة البابا تواضروس، حتى باتت هذه التهنئة من أهم طقوس العيد التى ينتظرها ملايين المصريين، وأصبحت من أهم مظاهر العيد التى أصبح لها موقع لا يدانيه شىء فى قلوب الأقباط، فى الداخل والخارج.
هذه التهنئة تؤكد أن الجمهورية الجديدة تتسع للجميع، كما تبعث بالعديد من الرسائل، مفادها، بأن مصر بلد للحلم والأمل، وأنها بوحدة أبنائها وتضامنهم، يمكنها أن تحقق كل الطموحات وتتغلب على كل التحديات.. فالمشاعر الفياضة المتبادلة بين الرئيس والمحتفلين بالعيد، برهان على أن جموع الشعب المصرى تقف خلف قيادته، وتدعم جهوده الجبارة للنهوض بمصر، والعبور بها إلى آفاق بعيدة من التنمية والتحديث عبر العلم والعمل، كما ذكر الرئيس فى أكثر من مناسبة.. ولن تنجح محاولات أهل الشر وأعداء الوطن، فى التفرقة بين المصريين أو إحداث الفتنة بينهم.. لأن مصر كبيرة، وشعبها عظيم.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.