رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مَنْ هو الجولانى؟

هو إرهابى تعقبته معظم أجهزة المخابرات فى الشرق الأوسط، وأخيرًا أصبح زعيمًا لسوريا. هل هو فشل لتلك الأجهزة التى تتبعته، أو ترهلها ومنها مخابرات النظام السورى التى أصابها الترهل والبيروقراطية التى تفشت فى الجيش فانهار؟. 
وأصبح الشرع يرتدى البدلة الكاملة الأوروبية، ويحتفظ بلحيته، وتجرى خلفه وسائل إعلام عربية وعالميّة، ويجلس متربعًا فى بهو القصر الجمهورى فى دمشق، وتظهر صوره بجوار منبر المسجد الأموى تحت سمع وبصر كل مخابرات العالم، تختلف الآراء حول التغييرات الجوهرية الملحوظة فى صورة ومواقف الشرع، وأصبح يُلقب بعد سقوط حكم بشار بالقائد العام للإدارة السورية الجديدة، بدلًا من أمير جبهة النصرة، كما قالت قناة البى بى سى. قد تُشكّل التحوّلات التدريجية فى صورة الجولانى حالة نموذجيّة للدراسة من قبل المختصّين فى التسويق السياسى، والباحثين فى أسس صناعة الصورة العامة أو «العلامة التجارية الفارقة» للسياسيين.
وربما يكون نجاح الجولانى فى الوصول إلى حكم سوريا، لأن أجهزة مخابرات دول عربية ومجاورة قد دعمته، والتزمت الصمت على أنشطته الإرهابية التى قام بها فى سوريا، لأنها تسير فى نفس اتجاهات برنامج برنار لويس لهدم جيوش بعض تلك الدول العربية الكبرى، وسقوطها فى دائرة الترنح التى سقط فيها معظم الدول العربية التى ضربها الربيع العربى منذ عشر سنوات ومنها ليبيا وتونس والسودان وسوريا وقبلها جميعًا كان العراق، الذى بدأ سلسلة السقوط المريع بعد احتلال الكويت وتخطيط المخابرات الأمريكية لسقوطه. 
ونعود إلى الجولانى، فهو ابن أحمد الشرع، هو حسين على الشرع الذى ينتمى إلى عائلة الشرع الموجدة فى درعا، التى خرج منها فاروق الشرع وزير الخارجية الأسبق فى نظام حافظ الأسد والد بشار. 
كان والد الجولانى موظفًا فى رئاسة مجلس الوزراء فى دمشق، وفى عام 1980 غادر إلى السعودية حيث عمل هناك فى وزارة النفط، وعاد عام 1995 إلى سوريا، حيث التحق بعمله السابق فى رئاسة مجلس الوزراء، ولكن إثر خلاف مع رئاسة المجلس، انتقل للعمل فى وزارة التخطيط. وفى عام 1999 قدّم استقالته وافتتح مكتبًا عقاريًا فى مدينة دمشق حى المزة.
رصدته مخابرات النظام السورى- مخابرات النظام السورى السابق- ولكنها لم تحسم الشخصية الحقيقية لأبومحمد الجولانى حتى العام 2016، وأنها كانت حائرة بين أحمد حسين الشرع المطلوب من قبلها، وبين إرهابيين آخرين أدرجت أسماءهم فى الملف الذى أعده «فرع فلسطين» فى دمشق عن الذى أكثر ذكاءً من رجال مخابرات النظام السابق. فى أعقاب عودة أحمد الشرع من العراق حصل خلاف بينه وبين والده، وعلى إثرها غادر المنزل ولم يعد.
ثم بدأ الحديث عن تواجده فى شمال سوريا لإنشاء منظمة جبهة النصرة، الفرع السورى لتنظيم القاعدة، وفى أبريل 2013، بايع الجولانى زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهرى وامتدح التنظيم وزعيمه فى مقطع فيديو نُشر على الإنترنت، وفقًا لصفحة «مكافآت من أجل العدالة» التابعة للخارجية الأمريكية، وقام بقيادة عمليات الجماعة حتى الانفصال العلنى عن القاعدة فى عام 2016 بسبب الخلافات الأيديولوجية ومعارضة داعش.
خلال الفترة التى التحق فيها بداعش، لم يتلق أى تعليمات من قائدها أيمن الظواهرى، كما كان لا يرسل لها أى تقارير بعملياته التى يقوم بها، ثم قام الجولانى بتغيير اسم جبهة النصرة إلى هيئة تحرير الشام فى أوائل عام 2017، ليعلن استقلاله النهائى عن القاعدة. 
وعلى الرغم من جهود الجولانى لإبعاد مجموعته الجديدة عن تنظيمى القاعدة وداعش، فقد صنفت الولايات المتحدة ودول غربية أخرى «هيئة تحرير الشام» منظمة إرهابية أجنبية فى عام 2018، ووضعت مكافأة قدرها 10 ملايين دولار لمن يأتى بالجولانى. 
صُنف الجولانى كـإرهابى عالمى فى مايو من عام 2013 بموجب الأمر التنفيذى رقم 13224فى الولايات المتحدة الأمريكية، وبموجب ذلك يتم حظر جميع ممتلكات الجولانى، والفوائد العائدة عليها التى تخضع للولاية القضائية الأمريكية، وتم منع الأمريكيين بوجه عام من إجراء أى معاملات مع الجولانى، وفقًا للخارجية الأمريكية. ولكنه عندما ظهر حاكمًا لسوريا، سارعت الحكومة الأمريكية بإرسال مندوب للتعرف على أفكاره الجديدة.
للجولانى عدد من الأشقاء والشقيقات، من بينهم شقيقه ماهر الشرع الذى درس طب النساء فى روسيا، وهو متزوّج من روسية، أما صهره خالد حشيش سلامة، زوج شقيقته شاهندا، فكان موظفًا فى فرع الحزب فى درعا، تم توقيفه من قبل لحيازته كمية من الذخيرة الحربية ثم أُخلى سبيله، ووردت عنه لاحقًا معلومات تُفيد بأن مجموعة إرهابية مسلحة قامت بخطفه، ولم يُعرف عنه بعد ذلك أى شىء.
أيًا كان من يحكم سوريا سواء كان الجولانى أو غيره، المهم هو أن يتقبله الشعب السورى، ويحقق لهم ما فشل فيه حكم أسرة وحزب البعث فى السنوات الستين الماضية.