عن المنسى فى حكاية حرب غزة: المفاوضات تراوح مكانها.. وسيأتى ترامب بقنابل أخرى!
فى سياق مهم على المستوى الجيوسياسى والأمنى والإنسانى، برزت فى الدوحة، واشنطن، والقاهرة، وعمان، وأنقرة، وعدد غير محدود من المجتمع الدولى والأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولى، إشارات لا إيجابية ولا سلبية، عما يحدث فى جولة المفاوضات التى تجرى فى العاصمة القطرية الدوحة، بشأن إطلاق هدنة إيقاف الحرب على غزة ورفح والضفة الغربية والقدس.
التأكيدات المصرية، الأردنية، وهى ذات التأكيدات التى انتشرت خلال الأسابيع الماضية، تزيد من أهمية الجهود الإقليمية والدولية لإنجاز وقف إطلاق النار فى قطاع غزة، تزامنًا مع مفاوضات غير مباشرة تستضيفها الدوحة بين طرفَى الحرب المشتعلة منذ أكثر من عام.
.. ومن أجل أن نكتب بمقاربة وفهم سياسى وأمنى واضح أقول: ليس مهمًا، أن يعلن وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن عن أنه واثق من التوصل لوقف الحرب فى غزة قريبًا (..) فهو إعلان بليد من وزير خارجية فى إدارة اسهمت مع البنتاجون والكابنيت الإسرائيلى الصهيونى فى إبادة سكان قطاع غزة ورفح وصولًا إلى الضفة الغربية والقدس، وأيضًا لبنان والجنوب اللبنانى، والقائمة تطول، ليس آخرها سقوط سوريا مع سقوط وهروب رئيسها الطاغية بشار الأسد، تارما ساحات دمشق وحلى ومنبج وإدلب ودرعا والقرداحة وهضبة الجولان، وكل سوريا فى مواجهة حروب داخلية مختلفة، تعيد إلغاء الدولة السورية والقادم أسوأ على سوريا من الذى تلاشى.
*بلينكن.. الخارج من عبادة السفاح نتنياهو
وزير الخارجية الأميركى أنتونى بلينكن يتحدث، عن «ثقته» فى التوصل إلى وقف إطلاق نار فى قطاع غزة، سواء خلال ولاية الرئيس جو بايدن أو بعد أن يخلفه دونالد ترامب فى 20 يناير.
بلينكن سعى مرارًا وبدون نجاح العام الماضى للتوصل مع السفاح نتنياهو إلى اتفاق لا أمة حرية دولة الاحتلال الإسرائيلى العنصرية، والإصرار على أسرار لعبة ديمينو المراوحة اختراع أسباب صهيونية لقلب طاولة المفاوضات، واستمرار إطلاق نار حرب الإبادة الجماعية والتهجير ومحاولات تصفية القضية الفلسطينية، التى يقودها السفاح نتنياهو وحكومة التطرف التوراتية، تلك التى لن تؤرخ إلا بأنها أسوأ حروب الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا الاستعمارية فى فلسطين المحتلة، وإن كانت جرت بين حركة حماس ودولة الاحتلال الإسرائيلى العنصرية فى قطاع غزة، بعد معركة طوفان الأقصى فى السابع من أكتوبر ٢٠٢٣، وأيضًا ليس من نهاية سيئة تواجه إدارة بايدن، التى كرست دعمه لدولة الاحتلال التوراتية، بالتالى هى لن تعمل فى كل لحظة من كل يوم حتى نهاية الولاية الرئاسية من أجل التوصل إلى صفقة تسمح بالإفراج عن الأسرى المحتجزين فى غزة.
بلينكن فى زيارة إلى سيول، كوريا الجنوبية، يؤزم الحالة الكورية الجنوبية، وتصريحاته عن حرب غزة: «نريد بإصرار أن نعبر (بالاتفاق) خط النهاية خلال الأسبوعين المقبلين» (..) «إن لم نعبر خط النهاية خلال الأسبوعين المقبلين، فأنا واثق من أنه سيتم إنجاز الأمر فى نهاية المطاف، وآمل أن يتم ذلك عاجلًا وليس آجلًا».
* حماس تستجيب وإسرائيل تعرقل
حماس تقول، إن الحركة مستعدة لإطلاق سراح 34 محتجزًا فى «المرحلة الأولى» من اتفاق محتمل مع إسرائيل، وذلك بعدما استؤنفت المفاوضات غير المباشرة بين الحركة وإسرائيل بوساطة قطرية مصرية فى الدوحة.
.. وليس سرًا أن حركة حماس، أعلنت موقفها، وهى أمام لجان المفاوضات العاملة بين الدوحة والقاهرة، ترى تعطيلات السفاح نتنياهو لكل عملية تعاون من حماس، وانيرميا تقول:
«نتعاون بشكل مكثف» من أجل التوصل إلى اتفاق، غير أن الأمر لم يتم بعد... ونريد من حماس أن تتخذ القرارات الأخيرة الضرورية لإنجاز الاتفاق وأن تغير الوضع بصورة جوهرية بالنسبة للرهائن، أن تطلق سراحهم، ولسكان غزة، أن تدخل لهم المساعدات، وللمنطقة ككل، أن توجد فرصة للمضى قدمًا عمليًا باتجاه شىء أفضل.
.. فيما كشف مسئول إسرائيلى لهيئة البث الإسرائيلية (كان) أنه خلافًا لنفى مكتب رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، فإن حركة حماس قدّمت قائمة بأسماء محتجزين إسرائيليين فى قطاع غزة فى إطار المساعى للتوصل إلى صفقة تبادل، لكنها لم تذكر من منهم على قيد الحياة.
.. ما يتسرب إعلاميًا، أن حماس وافقت على قائمة تضم 34 محتجزًا تم تقديمها من قبل إسرائيل. ونفى ديوان نتنياهو ذلك، قائلًا إنه «خلافًا لما زُعم، لم تقدّم حماس قائمة بأسماء الرهائن الإسرائيليين فى غزة، الأحياء والأموات.
.. تتضح الصورة النهائية المفاوضات، مع استمرار الجولات دون ترتيبات أو تنازلات حقيقية؛ وسلب أى قيمة دبلوماسية أو أمنية، من السفر المكوكية باسم إبادة غزة دون إيقافه.
.. الملف، أو ورق الاتفاق، لن يستعد[ لا مع/ ولا قبل /ولابعد] تنصيب الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، فى 20 يناير.
.. أدرك وأقدر وأشعر بكل الاعتزاز من قيام وزير الخارجية المصرى، بدر عبدالعاطى، الانفتاح الواضح سياسيًا، مع وزير الخارجية الأمريكى، بلينكن، بكل ما يعالج التطورات فى قطاع غزة، مؤكدًا باسم مصر: أهمية مواصلة تضافر الجهود الإقليمية والدولية لتحقيق وقف فورى لإطلاق النار، وضمان نفاذ المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة دون عوائق، وفق بيان للخارجية المصرية، وهذا يعزز جهود القاهرة وعمان الدوحة ودول مبادرة الرؤساء الوسطاء، التى تاهت ملفاتها مع تخاذل أمريكى-إسرائيلى، أوصل المنطقة إلى صراع جبهات الحرب بين الإسناد والمقاومة.
بلينكن، مودعًا ما خلفه دعم الجيش الأمريكى لجيش الكابنيت الإسرائيلى الصهيونى قال لصحيفة «نيويورك تايمز»، أكد خلالها أن إدارة جو بايدن «أمضت أشهرًا فى العمل على خطة ما بعد الصراع مع كثير من البلدان فى المنطقة والشركاء العرب»، لافتًا إلى أنه «إذا لم تُتَح لنا الفرصة للبدء فى محاولة تنفيذها من خلال اتفاق وقف إطلاق النار فى غضون الأسبوعين المقبلين، فسنسلمها إلى إدارة ترامب القادمة ويمكنها أن تقرر ما إذا كانت ستمضى قدمًا فى ذلك».
.. عمليًا مبعوث الرئيس الأمريكى إلى الشرق الأوسط بريت ماكغورك، سيبدأ تنسيقه السياسى مع قاعة المفاوضات فى الدوحة من أجل دفع مساعى تأمين الصفقة قبل تنصيب ترامب أن يكون هناك من أى ضمانة.
المفاوضات ستبقى تراوح دائرة السفاح نتنياهو، ولن نتعرف على مكانها الموعود، ما دامت الزيارات المكوكية المتكررة خلال الفترة الأخيرة لم تنتهِ إلى ترتيبات أو مفاوضات عملية تنفيذية واضحة بأزمنة محددة.. وغالبًا وفق توقعات جيوسياسية وأمنية وعسكرية.. الواقع السرى المعلن والسكوت عنه: [وسيأتى ترامب بخطط أخرى].
*المجلس الأوروبى للعلاقات الخارجية: التعامل مع ترامب وإسرائيل وحماس.
عن الطريق إلى السلام فى الشرق الأوسط، كشف المجلس الأوروبى للعلاقات الخارجية عن دراسة استقصائية خطيرة نتائجها، عن: [التعامل مع ترامب وإسرائيل وحماس: الطريق إلى السلام فى الشرق الأوسط]، وهد دراسة أعدها خبراء فى المجلس، «هيو لوفات» زميل أول فى السياسة، و زميل زائر «محمد شحادة».
.. فى ديباجة الدراسة قال المجلس:
منذ هجمات السابع من أكتوبر، عملت الحكومة الإسرائيلية مرارًا وتكرارًا على عرقلة الطريق الدبلوماسى إلى وقف إطلاق النار فى غزة، والذى من شأنه أن يؤدى إلى إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين. ورغم هذا فليس لديها خطة قابلة للتطبيق لما بعد ذلك، والتى من شأنها أن تحل محل حماس، التى أصبحت فى حالة من الضعف ولكنها لم تستسلم.
.. وأقرت الدراسة بعمق ومقابلات ورصد المفاوضات إلى النتائجالخطيرة الأولية التالية:
* أولًا:
قد تدعم إدارة ترامب القادمة الطموحات الإسرائيلية القصوى التى تجعل حل الدولتين المتفاوض عليه بعيد المنال إلى الأبد.
*ثانيًا:
إن النهج الدبلوماسى وحده هو الذى يمكن أن ينجح فى نهاية المطاف فى إدخال ترتيبات جديدة مستقرة للحكم والأمن فى غزة. وينبغى أن يتضمن هذا عودة السلطة الفلسطينية والهياكل المحلية القائمة بالفعل على الأرض.
*ثالثًا:
إن الدول الأوروبية والعربية تتقاسم مصلحة قوية فى الاستقرار الإقليمى؛ ويمكنها أن تتعاون معًا لتقديم طريق للمضى قدمًا، وفى قلب هذا الطريق ينبغى أن تكون خطة «الرؤية العربية» لعام 2024.
*رابعًا:
يتعين على الأوروبيين أن يعملوا بشكل وثيق مع الدول العربية لتقديم صفقة للولايات المتحدة تلبى أهداف دونالد ترامب فى إنهاء الصراع الإسرائيلى الفلسطينى، وتعزيز التطبيع الإسرائيلى السعودى، وتأمين خفض التصعيد الإقليمى.
*خامسًا:
للقيام بذلك، على أوروبا المنظمات والقوى الفاعلة، العمل على فرض تكاليف أكبر على إسرائيل لإنهاء احتلالها وتمكين الفلسطينيين من تقرير مصيرهم.
*.. هل من حل دبلوماسى عادل فى الأفق؟
المجلس الأوروبى للعلاقات الخارجية، دعم الدراسة باحثًا عن أفق وإجابات، وقال:
بعد مرور أكثر من عام على هجمات حماس فى السابع من أكتوبر ضد إسرائيل، تستمر الحرب فى غزة بلا هوادة، ما يؤدى إلى تعميق الكارثة الإنسانية فى القطاع. لكن فى حين أضعفت إسرائيل حماس بشكل كبير، وقتلت العديد من قادتها ودمرت جزءًا كبيرًا من بنيتها التحتية، فإنها لم تحقق هدفيها المزدوجين المتمثلين فى:
*1:
تدمير المجموعة/ حركة حماس ومن يساندها من فصائل المقاومة الفلسطينية.
*2:
تحرير الرهائن الإسرائيليين.
.. ولكن؟!.
مع تجديد حماس لصفوفها وشن تمرد مطول، تفتقر إسرائيل إلى استراتيجية قابلة للتطبيق لتحقيق أهدافها الأساسية. وبدلًا من ذلك، تستعد للبقاء لفترة طويلة- إخلاء شمال غزة وتدميره كمقدمة محتملة لإعادة المستوطنات الإسرائيلية.
وتخاطر الإدارة الأمريكية القادمة برئاسة دونالد ترامب بتشجيع إسرائيل على الاستمرار فى ملاحقة هذه الطموحات المتطرفة.
الدراسة حددت نقاط التغيير الجيوسياسى الأمنى وفق:
*1:
ليس من المستغرب أن حرب غزة لا تجرى فى عزلة.
فهى تغذى صراعًا متصاعدًا فى الضفة الغربية، حيث تعمل إسرائيل أيضًا على توسيع مستوطناتها بسرعة، وتستغل حماس الغضب الشعبى الفلسطينى إزاء الإجراءات الإسرائيلية لتعزيز موقفها المحلى.
*2:
يوفر اتفاق وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل الذى تم التوصل إليه فى نوفمبر 2024 فرصة دبلوماسية لخفض التصعيد الإقليمي. لكن أى تقدم قد يخرج عن مساره بسبب استمرار العنف فى غزة.
*3:
على الرغم من الاتفاق على اتفاق فى لبنان، يظل رئيس الوزراء الإسرائيلى السفاح بنيامين نتنياهو وائتلافه اليمينى المتطرف يعارضون بشدة أى مسار دبلوماسى ذى مغزى فى غزة.
وقد عرقلوا مرارًا وتكرارًا مفاوضات وقف إطلاق النار التى توسطت فيها الولايات المتحدة وقطر ومصر.
*4:
تهدد رؤية اليمين الإسرائيلى لإسرائيل الكبرى فرص حل الصراع الإسرائيلى الفلسطينى من خلال حل الدولتين.
.. ولن يؤدى موقفهم إلا إلى المزيد من عدم الاستقرار.
*4:
لا يمكن إلا للدبلوماسية أن توفر السلام والأمن للإسرائيليين والفلسطينيين- ناهيك عن تأمين اندماج إسرائيل فى المنطقة الأوسع من خلال اتفاق التطبيع الذى طالما تم التبشير به مع المملكة العربية السعودية (وفق مصطلح الدراسة المدعومة أوروبا).
*5:
تتمثل الخطوة الأولى فى الحصول على اتفاق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس يضمن إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين. ومع ذلك، فهذه ليست سوى البداية.
*6:
سوف تتطلب غزة مجموعة جديدة من ترتيبات الحكم والأمن بعد الصراع والتى تعتمد على عودة السلطة الفلسطينية، ومع ذلك لن يكون أى من هذا مستدامًا دون دفع دولى متضافر لإنهاء الاحتلال الإسرائيلى الذى دام عقودًا من الزمان وضمان تقرير المصير الفلسطينى.
*6:
إن الإدارة الأمريكية الجديدة قد تدعم توسيع التطهير العرقى الإسرائيلى فى غزة وتعميق ضم الضفة الغربية.
.. ومن شأن مثل هذه السياسة أن تعمق العنف وعدم المساواة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وقد تولد موجة جديدة من عدم الاستقرار الإقليمى.
*7:
إن منع هذه النتيجة- فى العالم وكل الدول المعنية- يشكل مصلحة حيوية لمنطقة وسيادة دول المنطقة وهذا تحليلنا الخاص، وهو كما تقول أو تخلص الدراسة، مهم للأوروبيين، نظرًا للمخاطر التى يفرضها الصراع فى الشرق الأوسط على أمنهم والطريقة التى يقود بها الاستقطاب السياسى المحلى. ولهذه الأسباب:
*أ: لا يمكنهم تحمل قبول حقيقة رؤية نتنياهو وترامب.
*ب: بدلا من ذلك، يحتاج الأوروبيون إلى رسم مسار بديل قابل للتطبيق وإقناع ترامب بالانضمام إليهم فى هذا المسار.
*8:
إن هذا الطموح يتطلب تنسيقًا أوروبيًا مكثفًا مع الشركاء العرب، خاصة أن هؤلاء الشركاء سيكون لهم نفوذ أكبر بكثير على إدارة ترامب مقارنة بالدول الأوروبية. وستكون المملكة العربية السعودية عنصرًا أساسيًا، لأنها تتمتع بنفوذ اقتصادى مباشر وعلاقات وثيقة مع فريق ترامب، الذى يطمح إلى تعزيز احتمال التطبيع السعودى الإسرائيلى.
*9:
يحتاج الأوروبيون إلى مواءمة جهودهم بشكل وثيق مع الرياض، التى تقول إنها لن تبرم صفقة مع إسرائيل دون استقلال فلسطينى. وهذا من شأنه أن يرسل رسالة قوية إلى واشنطن مفادها أن المسار السياسى الفلسطينى الموثوق به هو السبيل الوحيد لإطلاق العنان لطموحاتها لتوسيع اتفاقيات إبراهيم واستقرار المنطقة، بالتالى تجنب تورط الولايات المتحدة فى المزيد من الصراع الإقليمى. وسوف يحتاج هذا إلى أن يكون مصحوبًا باستعداد أوروبى أكبر لفرض تكلفة حقيقية على إسرائيل لإنهاء الحرب فى غزة ومنح الفلسطينيين حقوقهم.
.. ونتيجة حتمية من هكذا دراسات خطيرة، فإن ارتياد المستقبل القريب، يعنى:
إن هذه الورقة تقيم ما قد يستلزمه المستقبل القابل للاستمرار فى غزة. وبناء على مشاركة مباشرة واسعة النطاق مع الجهات الفاعلة على الأرض فى غزة وممثلين عن أطراف الصراع المختلفة، فإنها ترقب محددات سياسية وأمنية، هى وفق المجلس الأوروبى للعلاقات الخارجية:
*1: رسم مسار بديل.
تدرس الوضع فى غزة بتفصيل جديد وتسعى إلى رسم مسار بديل أكثر استدامة
*2: فتح مسار سياسى.
تحث الورقة على فتح مسار سياسى قادر على ضمان الأمن والحقوق لكل من الإسرائيليين والفلسطينيين.
*3: دعم المصالحة الفلسطينية.
تحقيقًا لهذه الغاية، سوف يحتاج الأوروبيون والعرب إلى تركيز جهودهم المشتركة المتجددة على دعم المصالحة الفلسطينية من أجل الاستفادة من استعداد حماس للتراجع عن السلطة فى غزة لصالح السلطة الفلسطينية المتجددة.
*4: رؤية إيجابية لغزة
يوفر هذا فرصة مهمة، وإن كانت ضيقة، لتخفيف المعاناة الإنسانية والبدء فى تنفيذ رؤية إيجابية لغزة، للأسف دون تحديد مسارات أو أجندة زمانية، حرب إبادة تحد أو فوق طاولة المفاوضات.. والله أعلم.
*خسائر بشرية فادحة
.. مؤشرات الدراسة فى هذا المحور تؤكد مع حلول فجر السابع من أكتوبر2023، عبر أكثر من ألف عضو من الجناح العسكرى لحركة حماس، كتائب عز الدين القسام، وخمس مجموعات مسلحة فلسطينية أخرى، حدود غزة إلى إسرائيل، تحت غطاء وابل كثيف من الصواريخ وقذائف الهاون التى أطلقتها حماس. وبمجرد وصولهم إلى إسرائيل، شرعوا بسرعة فى مهاجمة القواعد العسكرية الإسرائيلية والبلدات ومهرجان موسيقى مزدحم.
* رؤية أولى: حجم المفاجأة.
فاجأ الهجوم المشترك الجيش والأجهزة الأمنية الإسرائيلية على حين غرة، وكان أكبر فشل استخباراتى إسرائيلى منذ الهجوم المفاجئ الذى شنته مصر فى حرب أكتوبر عام 1973.
*رؤية ثانية: قتلى.
بحلول الوقت الذى هدأ فيه القتال، كان 1189 شخصًا قد قُتلوا، أغلبهم من المدنيين الإسرائيليين، بما فى ذلك 36 طفلًا. كما اختطفت الجماعات ما لا يقل عن 251 شخصًا، من بينهم نساء وأطفال. واتهمت لجنة تحقيق تابعة للأمم المتحدة لاحقة بقيادة نافى بيلاى، المفوضة السامية السابقة لحقوق الإنسان، الجماعات الفلسطينية بارتكاب جرائم حرب، بما فى ذلك إعدام المدنيين و«تحديد أنماط تشير إلى العنف الجنسى» التى ارتكبها بعض المهاجمين (وفق ما جاء فى الدراسة نصًا).
*رؤية ثالثة: حملة إبادة مدمرة.
ردت، دولة الاحتلال الإسرائيلى بحملة مدمرة غير مسبوقة استمرت ستة أسابيع من الغارات الجوية على قطاع غزة أعقبها غزو برى. وعلى الرغم من أن الحكومة الإسرائيلية ادعت أنها تستهدف حماس، إلا أن السكان المدنيين تحملوا وطأة عملياتها العسكرية. حتى الآن، قُتل أكثر من 44000 فلسطينى على يد إسرائيل، ومن المرجح أن يكون 70 فى المائة منهم من النساء والأطفال وفقًا للأمم المتحدة. ومع تضرر أو تدمير 66 فى المائة من مبانى غزة بحلول سبتمبر 2024، أصبح 1.9 مليون فلسطينى (90 فى المائة من سكان غزة) نازحين داخليًا، ويعيش الكثير منهم فى خيام مؤقتة. فى نوفمبر 2024، وصف رؤساء 15 منظمة تابعة للأمم المتحدة ومنظمة إنسانية الوضع فى شمال غزة بأنه مروع.
*رؤية رابعة: إعاقة توصيل المساعدات.
لقد كان الاقتصاد المحلى فى غزة متضررًا بالفعل قبل السابع من أكتوبر، ولكنه انهار الآن تمامًا، ما دفع السكان إلى براثن الفقر. وقد تفاقم الوضع بسبب الاستهداف المنهجى الذى تقوم به إسرائيل لمستشفيات غزة، وقتل العاملين فى المجال الإنسانى والطبى، والضربات التى تشنها على مخيمات النازحين، وإعاقة توصيل المساعدات. ويتفاقم هذا الوضع بسبب إغلاق إسرائيل لمعبر رفح الحدودى مع مصر وفصل شمال غزة عن جنوبها. ولن يؤدى قرار البرلمان الإسرائيلى بحظر وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين فى الشرق الأدنى (الأونروا)، التى قادت جهود الإغاثة الدولية، إلا إلى تفاقم معاناة غزة.
*رؤية خامسة: حال أمام المحكمة الجنائية الدولية.
اتهمت لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة إسرائيل بارتكاب جرائم حرب، بما فى ذلك «التجويع كأسلوب من أساليب الحرب»، والإبادة، والقتل، والنقل القسرى للمدنيين، والعنف الجنسى الذى يرقى إلى مستوى التعذيب. فى نوفمبر 2024، أصدرت الدائرة التمهيدية للمحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال ضد نتنياهو ووزير الدفاع الإسرائيلى السابق يوآف جالانت، بخمس تهم تتعلق بجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب. كما تخضع إسرائيل للمحاكمة أمام محكمة العدل الدولية بتهمة الإبادة الجماعية التى رفعتها جنوب إفريقيا. وانضمت إلى الشكوى منذ ذلك الحين 14 دولة أخرى، بما فى ذلك بلجيكا وأيرلندا وإسبانيا.
*رؤية عاشرة: الأولوية للعمل العسكرى لإطلاق الرهائن.
تعتقد السلطات الصهيونية الإسرائيلية أن 70 رهينة فقط ربما ما زالوا على قيد الحياة. وعلى الرغم من إطلاق سراح 105 رهائن كجزء من اتفاق وقف إطلاق النار المؤقت المتفق عليه بين إسرائيل وحماس فى نوفمبر 2023، فقد أعطى- السفاح- نتنياهو الأولوية للعمل العسكرى لإطلاق سراح الباقين. وفى حين حققت قوات الأمن الإسرائيلية بعض النجاح المحدود للغاية، حيث أنقذت ثمانية رهائن فى المجموع، فقد قُتل العديد نتيجة للعمل العسكرى الإسرائيلى.
*.. والنتيجة بعد أكثر من ١٥ شهرًا من الحرب ضد غزة؟
بعد- أكثر من ١٥ شهرًا- من الهجمات غير المسبوقة على غزة، يزعم الجيش الإسرائيلى أنه نجح فى تفكيك القدرات العسكرية لحماس فى القطاع. لقد تضررت شبكة الأنفاق الضخمة للجماعة بشدة، وفى حين تحتفظ حماس بعدد من الصواريخ، فإن مخزوناتها من الأسلحة قد استنفدت بشدة.
* اعتراف مشكوك به:
تعترف الجماعة/ حماس بخسارة حوالى 6000-7000 عضو من أجنحتها المسلحة والمدنية، وبعض كبار قادتها. لكن أى احتفالات إسرائيلية قد تكون فى غير محلها.
*حماس على قيد الحياة:
إن حماس لا تزال على قيد الحياة ـ وهو ما يؤكد حدود الحل العسكرى الإسرائيلى للحرب. فقد أعادت كتائب القسام ترميم أو الحفاظ على الكثير من أنفاقها، بل وفى بعض الحالات قامت بتوسيعها، فى حين أعادت تدوير الصواريخ والقنابل وقذائف المدفعية الإسرائيلية غير المنفجرة لاستخدامها كأجهزة تفجير بدائية وإنتاج قذائف جديدة.
*ترجيحات وهمية:
من المرجح أن أغلب مقاتلى حماس الذين يقدر عددهم بنحو 25 ألف مقاتل ما زالوا على قيد الحياة- وكثيرون منهم ينتظرون انتهاء الهجوم الإسرائيلى فى «وضع السبات»- مختبئين فى المبانى والأنفاق المهجورة أو يهربون مع المدنيين الهاربين. كما نشرت الجماعة مؤخرًا نحو 6000 عضو من قوة الاحتياط التابعة لها إسناد، والتى تتألف من أعضاء حماس أو أعضاء مرشحين تلقوا تدريبًا أساسيًا على الأسلحة الخفيفة. كما تزعم حماس أنها تجند «جيلًا جديدًا» فى صفوفها، مستغلة الغضب الواسع النطاق فى غزة والرغبة فى الانتقام من إسرائيل.
*تكرار الزعمات:
من يكون من الصعب على حماس استبدال كبار الشخصيات السياسية والعسكرية، وأبرزها يحيى السنوار، العقل المدبر لهجمات السابع من أكتوبر. ومع ذلك، تعتقد إسرائيل أن المجموعة أعادت بعض سلاسل القيادة والسيطرة فى غزة. وبعد أن فقدت اثنين من كبار القادة فى تتابع سريع نسبيًا، تتحرك المجموعة الآن نحو نموذج مؤقت للقيادة الجماعية للتخفيف من تأثير الاغتيالات الإسرائيلية المستقبلية. ويشمل ذلك محمد درويش كرئيس لمجلس الشورى أعلى هيئة استشارية فى حماس، وزعماء مكاتبها السياسية الإقليمية الثلاثة: خالد مشعل «خارجى»، وخليل الحية «غزة»، وزاهر جبارين «الضفة الغربية»؛ ونزار عوض الله، الأمين العام للمكتب السياسى.
*حماس وصنع القرار داخل غزة:
بغض النظر عن هذا التأثير الخارجى، فإن قيادة حماس فى غزة وكتائب القسام سوف تمارس نفوذًا ثقيلًا على عملية صنع القرار الداخلى للمجموعة فى المستقبل المنظور، مع استعداد محمد السنوار- الشقيق الأصغر ليحيى السنوار- للعب دور متزايد الأهمية.
*حرب عصابات:
إن التركيز الأساسى لحماس حاليًا ينصب على حرب العصابات. وقد نظم مقاتلوها أنفسهم فى خلايا محلية مستقلة، وهم يشنون كمائن وهجمات منتظمة ضد القوات الإسرائيلية. ويزعم زعماء الحركة أنهم مستعدون جيدًا لخوض معركة طويلة ويعتقدون أن الوقت سوف يلعب لصالحهم. وهم يشيرون إلى التأثير الشديد الذى خلفته الحرب على الاقتصاد الإسرائيلى والضغوط المتزايدة على قوات الدفاع الإسرائيلية التى تعانى الإجهاد والإرهاق على نحو متزايد.
*مرحلة صمود:
صمدت عناصر حماس فى وجه الغارات الإسرائيلية المتكررة. فقد أعلن الجيش الإسرائيلى مرارًا وتكرارًا أن أحياء مثل الشجاعية وبيت حانون وجباليا «مطهرة»، ومع ذلك فإن الجيش الإسرائيلى يواصل العودة إليها. ويدخل مقاتلو حماس فى حالة «سبات» أثناء الهجمات الإسرائيلية ثم يعودون بسرعة لاستعادة السيطرة على تلك الأحياء بمجرد رحيل القوات الإسرائيلية.
*تنسيق مقاومة مشروع:
كما تنسق حماس بشكل وثيق مع الجماعات المسلحة الأخرى فى غزة، بما فى ذلك سرايا القدس التابعة لحركة الجهاد الإسلامى الفلسطينية، وألوية الناصر صلاح الدين، وفروع مختلفة من كتائب شهداء الأقصى التابعة لحركة فتح. وكل هذه الجماعات تواصل هجماتها ضد القوات البرية الإسرائيلية، ومن المرجح أن بعضها يحتجز رهائن إسرائيليين. ولكن حتى مع عملها معًا، فإن هذه الجماعات تسعى بالفعل إلى استغلال أى فراغ أمنى ناجم عن إضعاف حماس أو نزوحها لتعزيز مواقعها المحلية.
كما تضم غزة عددًا من العشائر القبلية، مثل دغمش والأقرع، والتى ظلت تحت سيطرة حماس حتى الآن. وهى تستغل حالة انعدام الأمن لإعادة التسلح. ويصف وزير سابق فى السلطة الفلسطينية يعمل حاليًا كحلقة وصل بين المنظمات غير الحكومية الدولية ورجال الأعمال والسلطات الإسرائيلية فيما يتصل بإدخال المساعدات إلى غزة كيف: «عندما يشن الجيش الإسرائيلى غارات على منطقة ما ويقتل مسلحين، فإنه يترك وراءه بنادق الكلاشنيكوف على جثث القتلى، ثم يعثر أفراد العشائر والعصابات على تلك البنادق ويستولون عليها بعد رحيل الجيش».
*تفكيك!:
الحكم فى غزة تحت الهجوم
بينما ركزت إسرائيل على استهداف القدرات العسكرية لحماس، فقد سعت أيضًا إلى تفكيك هياكل الحكم التابعة لحماس. فقد استهدفت إسرائيل بشكل منهجى المسئولين المدنيين من الوزارات والبلديات فى غزة. ولكن إسرائيل منعت أيضًا السلطة الفلسطينية من العودة إلى غزة، الأمر الذى ساهم فى انهيار الخدمات العامة على نطاق أوسع وتفاقم حالة الفوضى.
*رقابة إسرائيلية:
تضررت قوة الشرطة المحلية فى غزة بشكل خاص على الرغم من أنها منفصلة عن الجناح العسكرى لحماس. ويأتى هذا على الرغم من قيام إسرائيل بفحص وموافقة غالبية الموظفين المدنيين «بما فى ذلك ضباط الشرطة» على تلقى رواتب ممولة من قطر. وقد تم الاتفاق على ذلك كجزء من تفاهم وقف إطلاق النار الذى تم التوصل إليه بين حماس وإسرائيل عام 2018 من خلال الوساطة المصرية القطرية لتخفيف الضغوط الاجتماعية والاقتصادية على القطاع.
* ماذا يحدث حقًا؟
الهجمات الإسرائيلية لا تستهدف أعضاء حماس فحسب. فبعض موظفى الخدمة المدنية فى غزة ينتمون إلى الحركة، ولكن كثيرين منهم ينتمون إلى فصائل فلسطينية أخرى أو مستقلون سياسيًا. وعلى نحو مماثل، يتألف أفراد قوة الشرطة من مزيج من أعضاء حماس، وأعضاء سابقين فى قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية، وغزيين مستقلين سياسيًا تم تجنيدهم فى الدعوة السنوية التى تطلقها الشرطة لتقديم طلبات الالتحاق. والاستثناء الأساسى فى هذا الصدد هو قوة الأمن الداخلى التابعة لحماس فى غزة، والتى تتخصص فى مكافحة التجسس، واعتقال المتعاونين، وإسكات المنتقدين.
.. ولقد اعتدت إسرائيل بشكل منتظم على رجال الشرطة أثناء عملهم على حماية شاحنات المساعدات، الأمر الذى أدى إلى عرقلة توزيع المساعدات. ورغم أن إسرائيل تزعم أنها تمنع حماس من نهب المساعدات الإنسانية، فإن جنود جيش الدفاع الإسرائيلى يقفون متفرجين بشكل منتظم بينما تقوم العصابات بنهب شاحنات المساعدات، وابتزاز رسوم الحماية من السائقين، وعرقلة شحنات المساعدات فى المناطق الخاضعة لسيطرة إسرائيل فى رفح.
وعلى الرغم من هذا الاستهداف من قبل إسرائيل، فإن الحكومة التى تسيطر عليها حماس لا تزال نشطة جزئيًا، حيث تدفع رواتب رمزية لموظفيها، وتشرف على بعض الأسواق، وتنظم الأسعار، وتدير ما تبقى من قطاع الصحة.
كما تواصل الشرطة المدنية عملها فى أجزاء من القطاع مثل دير البلح والنصيرات، على الرغم من عدم قدرتها على القيام بدوريات فى الشوارع بالزى الرسمى أو المركبات الرسمية بسبب التهديد بالاغتيالات المستهدفة من قبل إسرائيل. من وقت لآخر، يقوم أفراد أمن حماس والمسلحون بقمع اللصوص والسارقين، ويخضعونهم للضرب والتعذيب العلنى، بالإضافة إلى مهاجمة المنتقدين الصريحين للجماعة.
أيضًا البلديات؛ تعمل فى مختلف أنحاء غزة. وهى مستقلة عن حكومة حماس المركزية، بل إن بعض العاملين المحليين ينتقدون حماس بشدة. وعلى مدار العام الماضى، عملت بلديات غزة مع السلطة الفلسطينية ووكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية ومجموعات المجتمع المدنى المحلية لتوفير الخدمات الأساسية، مثل المياه والصرف الصحى وإدارة النفايات، وإعادة فتح الشوارع المتضررة أو المسدودة. وعلى الرغم من هذا، كان عمال البلديات هدفًا للاستهداف والقتل على يد إسرائيل بشكل منتظم.
*أرض الحرب والإبادة.
يقرأ التقرير خطورة ما حدث فى قطاع غزة ورفح، ويكشف:
لقد تسببت الهجمات الإسرائيلية على هياكل الحكم وإنفاذ القانون فى غزة فى انهيار القانون والنظام والخدمات المحلية، ما أدى إلى زيادة السرقة، وسرقة البنوك، والقتل، والصراعات العائلية المسلحة، والعنف المنزلى. وكما قال أحد المصادر فى جنوب غزة فى مايو: «كل يوم، ترى مشاجرة فى الشارع كل بضعة أمتار، وكل بضع دقائق».
وقال مصدر آخر فى دير البلح فى سبتمبر: «إطلاق النار مستمر.. اشتباكات بين العائلات. يطلقون النار على بعضهم البعض طوال الوقت. ولكن بمجرد وصول قوات الدفاع الإسرائيلية إلى منطقة ما، تختفى كل تلك البنادق، ولا يتم توجيه أى منها إلى الجنود الإسرائيليين».
*فشل المجتمع الدولى.. السبب والنتيجة؟
عام- وأكثر- من مفاوضات وقف إطلاق النار ومع تسارع انهيار غزة، فشلت الجهود الدولية لإنهاء القتال مرارًا وتكرارًا. وعلى الرغم من أن وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن سارع إلى تحديد الشروط الأمريكية للسلام الدائم والأمن فى غزة «بما فى ذلك الحكم الذى يقوده الفلسطينيون وعدم التهجير القسرى للفلسطينيين»، فقد قضت الولايات المتحدة والحكومات الأوروبية الأشهر الأربعة الأولى من حرب غزة فى معارضة وقف إطلاق النار. ومع ذلك، حدث تحول فى المواقف مع تزايد الضغوط المحلية وبدء الولايات المتحدة ودول غربية أخرى فى استنتاج أن إسرائيل حققت كل ما فى وسعها من منظور عسكرى. وتوج هذا بإصدار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أول قرار فى 25 مارس 2024 يدعو إلى وقف فورى لإطلاق النار والإفراج غير المشروط عن الرهائن.
*مفاوضات الربيع:
طوال ربيع عام 2024، أنتجت الوساطة القطرية المصرية التى ترعاها الولايات المتحدة اقتراحًا لوقف إطلاق النار على ثلاث مراحل من شأنه أن يشهد الإفراج التدريجى عن جميع الرهائن الإسرائيليين على مدى فترة 18 أسبوعًا. وكان من المقرر أن يكون هذا فى مقابل إطلاق سراح المعتقلين والسجناء الفلسطينيين المحتجزين حاليًا فى السجون الإسرائيلية والانسحاب التدريجى الكامل للقوات الإسرائيلية من غزة بالكامل.
.. وفى ذات السياق، ومع حلول أوائل أبريل2024، توصل الوسطاء إلى نص لوقف إطلاق النار يتضمن هذه المبادئ، والتى وافق عليها المفاوضون الإسرائيليون وحماس إلى حد كبير، مع وجود عدد قليل من القضايا العالقة التى يتعين حلها. وشمل ذلك عدد وأسماء الأسرى الفلسطينيين الذين ستفرج عنهم إسرائيل كجزء من الصفقة وعدد الرهائن الإسرائيليين الثلاثة والثلاثين الذين سيفرج عنهم فى المرحلة الأولى والذين سيكونون على قيد الحياة.
*السفاح نتنياهو تقويض المفاوضات.
يعيد التقرير ما كانت تتعمد حكومة المتطرفين الصهاينة الإسرائيلية، ويؤكد: استمرت فى تقويض المفاوضات من خلال تعهدها المتكرر باستئناف القتال بمجرد أن تفرج حماس عن الرهائن المتبقين؛ وفى المقابل، طالبت حماس بإنهاء دائم للقتال. وعندما وافقت الحركة على اتفاق وقف إطلاق النار فى الخامس من مايو، والذى كان من شأنه أن يشمل إطلاق سراح جميع الرهائن الإسرائيليين، أعطت الحكومة الإسرائيلية الضوء الأخضر لغزو رفح ــ بالتالى نسف المحادثات.
.. ولفت التقرير: فى 31 مايو، حاول الرئيس جو بايدن دفع الأمور إلى الأمام من خلال تقديم ما وصفه بالخطوط العريضة لمقترح إسرائيلى لوقف إطلاق النار. «فى الواقع، عكست المبادئ التى وضعها بايدن أيضًا المواقف التى طرحتها حماس فى اتفاق وقف إطلاق النار فى 5 مايو». وقد تم ترسيخ نقاط بايدن لاحقًا فى قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2735 فى 10 يونيو.
*سردية نصر وهمية برعاية أمريكية.
عزز التقرير، ما سعى اليه الرئيس بايدن إلى صياغة الأساس لسردية النصر الإسرائيلية (..) التى قد تمنح نتنياهو مخرجًا دبلوماسيًا من الحرب. ومع ذلك، سرعان ما رفض نتنياهو خطاب بايدن باعتباره «انعكاسًا غير دقيق» للمواقف الإسرائيلية. بدلًا من زيادة الضغوط على إسرائيل، تراجعت الحكومة الأمريكية، وألقت باللوم على حماس فى الجمود- على الرغم من أن الجماعة الإسلامية قبلت بسرعة اقتراح بايدن وقرار الأمم المتحدة.
وبعد انقطاع آخر، بذلت الإدارة الأمريكية خلال الصيف محاولة أخرى للتوصل إلى اتفاق. وقد توجت هذه المبادرة الدبلوماسية الجديدة بنص معدل قليلًا لوقف إطلاق النار اتفق عليه مفاوضو إسرائيل وحماس فى الثانى من يوليو، وكل ما كان مفقودًا هو الموافقة النهائية من جانب الحكومة الإسرائيلية.
*.. ولكن السفاح نتنياهو أفشل المحادثات مرة أخرى!
مطالبًا السفاح وجيش الكابنيت الإسرائيلى بالاحتفاظ بممر نتساريم «الذى سمى على اسم مستوطنة إسرائيلية سابقة كانت تقع هناك»، والذى يقسم شمال غزة عن جنوبها، وممر فيلادلفيا، الذى يمتد على طول الحدود المصرية. وكانت هذه المطالب من السفاح نتنياهو، تستقبل بدعم أمريكا، تمثل تشديدًا لموقف إسرائيل على نحو كان من الواضح أنه غير مقبول بالنسبة لحماس، ووفقًا لمسئولين أمنيين إسرائيليين، فإن هذا المطلب ليس مهمًا فى الواقع من وجهة نظر عسكرية.
السياق، الذى تنتقدة الدراسة، وبدلًا من الرد على ما كان بوضوح محاولة أخرى متعمدة من جانب نتنياهو لعرقلة المفاوضات، تراجعت إدارة بايدن مرة أخرى. وأشارت إلى أنها ستدمج مطالب نتنياهو الجديدة فى اقتراح أمريكى مستقبلى لجسر الهوة. وكما كان متوقعًا، رفضت حماس الانخراط فى مزيد من المحادثات بوساطة أمريكية، قائلة إنها لن تناقش سوى اقتراح الثانى من يوليو.
كل الذى حدث: أعقب ذلك اغتيال دولة الاحتلال الإسرائيلى لإسماعيل هنية، كبير المفاوضين من حماس فى محادثات وقف إطلاق النار فى 31 يوليو.
وكان هنية حريصًا على التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وكان واحدًا من القلائل داخل المجموعة القادرين على ممارسة الضغط على السنوار للتوصل إلى تسوية. بالتالى فإن اغتياله أدى إلى إقصاء أحد أقوى المؤيدين لاتفاق وقف إطلاق النار وموازنة مهمة للسنوار.
وقد أشادت الولايات المتحدة باغتيال السنوار فى السادس عشر من أكتوبر باعتباره فرصة للتوصل أخيرا إلى اتفاق لوقف إطلاق النار فى غزة. وفى الواقع، لم يغير موته المطالب القديمة التى رفعتها الحركة منذ فترة طويلة. لكنه جعل التوصل إلى أى اتفاق مستقبلى وتنفيذه على أرض الواقع أكثر صعوبة فى ضوء اللا مركزية المتزايدة التى تنتهجها حماس داخل غزة. وفى غياب شخصية قوية توحد الفصائل، سوف تكافح الشخصيات المعتدلة لموازنة المتشددين فى حماس الحريصين على استمرار المقاومة المسلحة.
.. وفى 27 أكتوبر، ومع استمرار صعوبة التوصل إلى اتفاق كامل، اقترح الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى هدنة قصيرة، يتم بموجبها إطلاق سراح أربعة رهائن إسرائيليين فى مقابل عدد من المعتقلين الفلسطينيين، وزيادة المساعدات الإنسانية، واستئناف مفاوضات وقف إطلاق النار.
رفض السفاح نتنياهو الاقتراح على الفور، بحجة أنه سيمنح حماس «فترة راحة» وأصر على أن المفاوضات «لا تتم إلا تحت نيران العدو». وفى الوقت نفسه، كررت حماس معارضتها الراسخة لأى شىء أقل من إنهاء الحرب بشكل دائم وانسحاب إسرائيلى كامل من غزة.
*آفاق وقف إطلاق النار فى المستقبل.
إن التوصل إلى نهاية تفاوضية للقتال من خلال اتفاق وقف إطلاق النار يظل أفضل السبل وربما الوحيد لتحرير جميع الرهائن الإسرائيليين ومعالجة الأزمات الاجتماعية والاقتصادية الكامنة فى غزة. ويظل المدخل إلى هذا هو الاقتراح الذى قدم فى الثانى من يوليو، والذى وافقت عليه حماس والمفاوضون الإسرائيليون «وإن لم يوافق عليه نتنياهو». وقد أدى إبرام اتفاق وقف إطلاق النار المنفصل بين إسرائيل وحزب الله فى السادس والعشرين من نوفمبر إلى الضغط على حماس وجعلها أكثر مرونة، بما فى ذلك فيما يتصل بالترتيبات الانتقالية، حيث اقترح على سبيل المثال الانسحاب الإسرائيلى التدريجى من ممر فيلادلفيا.
ولكن فى حين أشارت المجموعة إلى انفتاحها «على مناقشة جميع الأفكار والمقترحات التى تؤدى إلى إنهاء الحرب»، فلا توجد أى إشارة إلى أنها ستتخلى عن مطالبها الأساسية، بما فى ذلك عودة النازحين من غزة إلى الشمال، وإنهاء الحرب، والانسحاب الإسرائيلى.
منذ أكتوبر، تمارس الولايات المتحدة ضغوطًا على قطر لحملها على طرد قادة الحركة من الدوحة. وتسعى الولايات المتحدة إلى الضغط على الحركة، وكما وصفها أحد كبار مستشارى الأمن الإسرائيليين السابقين: «محاولة إعادة كتابة التاريخ وإلقاء اللوم على حماس وليس السفاح الكاذب نتنياهو فى عرقلة محادثات وقف إطلاق النار».
.. وقد أعرب مسئولو الرئيس المنتخب ترامب عن رغبتهم فى إبقاء مسئولى حماس فى الدوحة لمحاولة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بحلول الوقت الذى يتولون فيه مناصبهم.
.. وذلك، إن انتقال حماس من الدوحة من شأنه أيضًا أن يعقد التعامل الدبلوماسى مع الجناح السياسى المعتدل للحركة- لصالح المتشددين فى غزة. وقد أوضح أحد كبار قادة حماس أن العديد من قادة الحركة من فرع غزة «مسرورون» باحتمال إغلاق مكتب الدوحة وإجبار قادة الجناح الخارجى على «العيش فى رفاهية». وهم يعتقدون أن مثل هذه الخطوة من شأنها أن تقنع الجناح الخارجى بدعم الأعمال المسلحة أكثر من الدبلوماسية.
.. وبالنايجة، أى تقدم سوف يتطلب ضغوطًا مستمرة على السفاح نتنياهو أكثر من الضغوط على حماس. وفى حين يواصل المسئولون الأمريكيون إلقاء اللوم على حماس فى الوصول إلى طريق مسدود فى المحادثات، فإنهم يدركون أن معارضة نتنياهو الراسخة لحقوق الفلسطينيين تظل تشكل عقبة أساسية أمام وقف إطلاق النار فى غزة. وكما قال أحد كبار المسئولين العرب المشاركين فى محادثات وقف إطلاق النار: «إن إسرائيل تحتاج إلى أن تُـجَر تحت وطأة الضغوط إلى وقف إطلاق النار».
وفى المقابل: يتهم العديد من الإسرائيليين، بما فى ذلك أولئك الذين يعملون فى فريق التفاوض، السفاح نتنياهو بتقويض المحادثات عمدًا. والتفسير السائد فى إسرائيل هو أن نتنياهو الذى يخضع حاليًا للمحاكمة بتهمة الفساد والاحتيال، قد حسب أن مستقبله السياسى والشخصى يعتمد على إطالة أمد الصراع فى غزة. ومن شأن وقف إطلاق النار أن يؤدى إلى سقوط الحكومة الإسرائيلية نظرًا للرفض الشديد من جانب شركائه فى الائتلاف اليمينى المتطرف للتوصل إلى اتفاق مع حماس. وقد يؤدى هذا إلى التعجيل بإجراء انتخابات مبكرة قد يخسرها الائتلاف اليمينى الحاكم، على الرغم من التحسن الذى طرأ على مكانة نتنياهو على المستوى المحلى ويرجع هذا جزئيًا إلى قيام إسرائيل بقتل كبار قادة حماس وحزب الله.
* الضغوط المتزايدة.. من من ولأجل من؟
مع رهانات العدو الصهيونى إلى جانب عودة ترامب إلى البيت الأبيض، قد تقنع الحركات الداخلية الإسرائيلية، السفاح نتنياهو بخفض القتال فى غزة. فوفقًا لاستطلاع رأى حديث، يؤيد 71% من الإسرائيليين الآن التوصل إلى اتفاق لإعادة الرهائن فى مقابل إنهاء الحرب فى غزة. بالإضافة إلى ذلك، فإن استمرار الحرب فى غزة يأتى مع تحديات كبيرة، بما فى ذلك ارتفاع الخسائر العسكرية الإسرائيلية والاقتصاد المتقلص الذى تضرر بسبب أكثر من عام من الحرب وتعبئة قطاعات كبيرة من المجتمع الإسرائيلى. وفى مايو، قدر بنك إسرائيل أن تكلفة الحرب ستبلغ 66 مليار دولار أمريكى أى ما يعادل 12% من الناتج المحلى الإجمالى لإسرائيل.
.. فى السياق ذاته، أنه فى غياب اتفاق تفاوضى مع حماس وخطة دولية متفق عليها لحكم غزة وأمنها فى المستقبل، فإن الخطر هو أنه حتى لو كان هناك وقف لإطلاق النار، فإن الإدارة الأمريكية القادمة قد تنتهى إلى منح نتنياهو غطاء دبلوماسى لفرض واقع بائس جديد من شأنه أن يعمق المعاناة الإنسانية الفلسطينية. وهذا من شأنه أن يديم دورة الاضطرابات التى تسعى إسرائيل للسيطرة عليها. وفى حين ورد أن ترامب نقل إلى إسرائيل رغبته فى رؤية اتفاق لوقف إطلاق النار للرهائن بحلول الوقت الذى يستأنف فيه رئاسته فى 20 يناير، فقد دعا هو وكبار مستشاريه إلى السماح لإسرائيل بإنهاء المهمة والقضاء على حماس. ويبدو أن الإدارة الأمريكية القادمة مستعدة أيضًا لتكرار خطة ترامب لعام 2020 لإنهاء الصراع الإسرائيلى الفلسطينى من خلال دولة فلسطينية منزوعة السلاح تتألف من بانتوستانات منفصلة فى الضفة الغربية وغزة.
*المنطلق، الخطر والدمار قادم.
من لغة الحرب على غزة ورفح والضفة الغربية والقدس إلى التطهير العرقى والإبادة الجماعية
.. بدلًا من وقف إطلاق النار، فإن الاحتمال الأكثر ترجيحًا هو المزيد من التدهور فى الوضع مع محاولات إسرائيل تعزيز وجودها فى غزة. ومع استمرار حكومة نتنياهو فى معارضة التوصل إلى اتفاق، تتجه إسرائيل نحو مرحلة جديدة فى حرب الاستنزاف فى القطاع. ويبدو الآن أن إسرائيل تريد تحويل غزة من منطقة حرب إلى منطقة أمنية لتسهيل السيطرة الإسرائيلية على المدى الطويل. وفى حديثه إلى عائلات الرهائن فى أكتوبر، شارك جالانت تقييمًا مماثلًا: «لم يتبق شىء فى غزة للقيام به. لقد تحققت الإنجازات الرئيسية.. أخشى أننا نبقى هناك لمجرد وجود رغبة فى التواجد هناك». فى الوقت الحاضر، يبدو أن الجيش الإسرائيلى يسعى إلى تحقيق استراتيجيتين متقاربتين مع إطالة فترة بقائه- وسيكون التأثير المشترك لذلك هو جعل الظروف فى غزة أسوأ.
.. الغريب، وهذا ثبته الدراسة: يروج وزراء إسرائيليون بارزون وأعضاء فى الكنيست، بما فى ذلك من حزب الليكود الذى يتزعمه نتنياهو، لفكرة دفع سكان غزة إلى مغادرة القطاع إلى أوروبا ووجهات أخرى. ومن ناحية أخرى، هناك يأس متزايد بين العديد من الشباب الأكثر مهارة فى غزة للهروب بمجرد فتح الحدود، للانضمام إلى 100 ألف شخص تمكنوا من المغادرة منذ 7 أكتوبر 2023.
وقد تحظى هذه الخطط الإسرائيلية بدعم إدارة ترامب المقبلة. فقد سعت خطة ترامب لعام 2020 إلى إضفاء الطابع الرسمى على واقع مماثل فى الضفة الغربية يقوم على التفتت الفلسطينى والمستوطنات الإسرائيلية. ويشير تعيين نتنياهو ليحيئيل ليتر، وهو مستوطن من الخليل كان نشطًا فى السابق فى رابطة الدفاع اليهودية «التى صنفتها الولايات المتحدة كمنظمة إرهابية»، كسفير جديد له فى واشنطن إلى حد كبير إلى آمال الحكومة الإسرائيلية فى ترامب. ويبدو أن الرئيس المنتخب قد رد بالمثل من خلال تعيين مايك هاكابى كسفير للولايات المتحدة فى إسرائيل- وهو مناصر قوى لضم إسرائيل للضفة الغربية والتهجير القسرى للفلسطينيين.
*الدور الأوروبى.. رسم خريطة «اليوم التالى» فى غزة.
فى مواجهة الوضع اليائس على الأرض، والعرقلة الإسرائيلية، والافتقار إلى خيارات قابلة للتطبيق لما سيأتى بعد ذلك، تحتاج الدول الأوروبية إلى العمل بشكل عاجل لخلق الظروف الملائمة لمفاوضات وقف إطلاق النار الناجحة ورؤية إيجابية لمستقبل غزة. حتى الآن، أمضى الأوروبيون الحرب فى تقديم العديد من التصريحات ولكنهم فى نهاية المطاف كانوا هامشيين تمامًا فى المحادثات السياسية ولم يساهموا إلا قليلًا فى إنهاء الصراع، على الرغم من حشد 988 مليون يورو لدعم الاحتياجات الإنسانية الفلسطينية. فى الواقع، دعمت دول أوروبية مثل ألمانيا بنشاط الحرب فى غزة ورفض نتنياهو لاتفاق وقف إطلاق نار قابل للتطبيق من خلال دعم الإجراءات الإسرائيلية وزيادة تسليم الأسلحة «التى بلغت 326.5 مليون يورو من مبيعات الأسلحة الألمانية عام 2023 - بزيادة عشرة أضعاف عن العام السابق».
الرؤية إن هذا الوضع يلحق الآن ضررًا طويل الأمد بمكانة الدول الأوروبية فى الشرق الأوسط ويثير تساؤلات حول مصداقية الاتحاد الأوروبى كجهة فاعلة دولية. [36] وفى حديثه فى يوليو، حذر وزير الخارجية السعودى الأمير فيصل بن فرحان: «غزة هى إحدى تلك الحالات الاختبارية. نحن جميعًا نراقب. نحن جميعًا نقيم ما إذا كانت أوروبا لديها موقف موحد تجاه المبادئ التى تتبناها». هذا اختبار لا يمكن للأوروبيين أن يتحملوا الفشل فيه.
.. كما أن خياراتهم ستكون مقيدة بالعنف الإسرائيلى والعرقلة، فإن الأوروبيين ينبغى لهم أن يضعوا بالفعل الأساس لخطة قابلة للتطبيق بعد يوم من التوصل إلى وقف إطلاق النار. وقد يكون وضع هذا الأساس فى حد ذاته عنصرًا حاسمًا فى تأمين وقف إطلاق النار. وينبغى لهم أن يتقدموا فى هذا الأمر بالشراكة الوثيقة مع الدول العربية التى تؤيد بالفعل هذه الرؤية. والآن يمثل الدفع المشترك من جانب الكتلتين الأوروبية والعربية إحدى الوسائل القليلة للخروج من المأزق الحالي. ويمكنهم معًا الضغط على إدارة ترامب لتخفيف أو حتى منع سياسات نتنياهو المتطرفة.
وعلى هذا الأساس، يتعين على الأوروبيين الآن أن يضغطوا من أجل تحقيق أمرين:
* أولًا:
يتعين على عباس أن يوقع على مرسوم رئاسى يقضى بإنشاء لجنة دعم المجتمع رسميًا.
*ثانيًا:
يتعين على إسرائيل أن تقبل نشر قوة أمنية تابعة للسلطة الفلسطينية لإعادة فتح المعبر، وربما بدعم من بعثة المساعدة الحدودية التابعة للاتحاد الأوروبى «EUBAM رفح» استنادًا إلى اتفاق عام 2005 بشأن الحركة والوصول ــ وهو ما أشارت حماس إلى دعمها له.
* حتى فى حين يعمل الأوروبيون على عودة حكومة فلسطينية مركزية موحدة إلى القطاع، فيتعين عليهم أن يركزوا على الحفاظ على هياكل الحكم القائمة فى غزة بهدف دمجها فى نهاية المطاف فى السلطة الفلسطينية. وهذا يشمل بلديات غزة وموظفى حماس المدنيين الذين يتراوح عددهم بين 42 ألفًا و45 ألفًا. والاحتفاظ بهم هو شرط من شروط حماس لقبول عودة السلطة الفلسطينية، وسوف يساعد أيضًا فى تجنب المزيد من الاضطرابات المجتمعية وانعدام الأمن على غرار السياسة الكارثية التى انتهجتها الولايات المتحدة فى اجتثاث البعث بعد غزوها للعراق.
تضع الدراسة، لخطورة واضحة: إن هدف الأوروبيين المتمثل فى تعزيز السلطة الفلسطينية وإعادتها إلى غزة سوف يتحقق بشكل أفضل إذا استخدموا أدواتهم السياسية والمالية لتعزيز شرعية السلطة الفلسطينية على المستوى المحلى. فبالإضافة إلى إنهاء العقوبات الإسرائيلية وعنف المستوطنين وتزويد السلطة الفلسطينية بمسار سياسى موثوق نحو الاستقلال، فإن هذا يتطلب من عباس أيضًا:
*1:
استعادة استقلال القضاء؛ ومعالجة انتهاكات حقوق الإنسان التى ترتكبها قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية.
*2:
تخفيف القيود المفروضة على التعبئة السياسية
*3:
تعزيز إعادة توحيد الوطن؛ وعقد الانتخابات التى طال انتظارها، بدءًا بالانتخابات البلدية فى غزة عندما تسمح الظروف بذلك.
إن هذه الخطوات تشكل أهمية بالغة إذا ما أرادت فلسطين أن تتخلص من الثنائية التى تفرضها حماس وفتح حاليًا على السلطة المحلية. إن هذا الوضع يضر بالتعددية السياسية والآفاق البعيدة الأمد لإعادة تشغيل الحركة الوطنية الفلسطينية على النحو الذى قد ينتج عنه زعامة أكثر تمثيلًا ومصداقية بما يتماشى مع المصالح الأوروبية.
*حماية
إن وقف إطلاق النار سوف يتطلب من حماس أن توقف هجماتها على إسرائيل وتمنع الجماعات الأخرى من القيام بذلك- كما فعلت فى الماضى. ومن جانبها، سوف يتعين على إسرائيل أن توقف العمليات العسكرية فى غزة، بما فى ذلك حملة الاغتيالات المستهدفة لشخصيات من حماس. وسوف يكون من الضرورى أيضًا ضمان الاحتياجات الأمنية الداخلية لسكان غزة، بما فى ذلك من خلال قوة شرطة محلية تستفيد من الدعم الشعبى للحفاظ على القانون والنظام.
. فى الأفق:
بعد استيلائها على السلطة فى عام 2007، لعبت حماس دورًا فعالًا فى الحفاظ على الأمن الداخلى وتقييد الجماعات المسلحة الأخرى فى غزة، بما فى ذلك الجماعات الجهادية السلفية المرتبطة بتنظيم الدولة الإسلامية. ومن شأن إزاحة حماس دون وجود بديل مناسب أن يؤدى إلى المزيد من انعدام الأمن، حيث تستغل الفصائل المتنافسة والجماعات الجهادية والعصابات الإجرامية الفراغ.
إن حماس، بعد أن صمدت فى وجه الهجوم العسكرى الإسرائيلى، ستظل الطرف الفلسطينى الأقوى على الأرض، والقادر على معارضة أى ترتيب أمنى تعتبره تهديدًا لمصالحها الأساسية. ولكن أيًا من إسرائيل، أو السلطة الفلسطينية، أو الولايات المتحدة، أو القوى الأوروبية، لن تقبل بأى ترتيبات أمنية بعد الصراع تترك لحماس السيطرة على الأمن اليومى فى غزة.
كما أن إعادة تعبئة 15 ألف فرد من قوة شرطة حماس تحت قيادة السلطة الفلسطينية من شأنه أن يوفر حلًا وسطًا لاستعادة القانون والنظام وفرض وقف إطلاق النار فى المستقبل. وقد يكون هذا الحل مقبولًا لدى حماس والسلطة الفلسطينية، فضلًا عن البراجماتيين داخل المؤسسات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية. ولكن هذا الحل لا بد وأن يستبعد بوضوح كل الأفراد الذين شاركوا فى هجمات السابع من أكتوبر.
*.. نزع سلاح حماس وكتائب القسام
إن تفكيك كتائب القسام، الجناح العسكرى لحماس، كما تطالب إسرائيل والولايات المتحدة، سوف يشكل تحديًا أعظم كثيرًا. ولكن قد يكون هناك مجال على الأقل لإجبار مقاتلى القسام على الدخول فى حالة «سبات» فى غزة، حيث يختفون إلى حد كبير عن الأنظار العامة ولا يشكلون تحديًا لقوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية. كما أشار بعض مسئولى حماس إلى انفتاحهم على دمج مقاتليهم بقوة الأمن الوطنى الفلسطينية. وألمح آخرون إلى أنهم قد يقبلون القيود المفروضة على القدرات العسكرية للجماعة كجزء من اتفاق وقف إطلاق النار بعد الصراع، مثل التوقف المؤقت عن تطوير الأسلحة الهجومية مثل المقذوفات البدائية بعيدة المدى التى قد تصل إلى تل أبيب.
.. تنبه القراءات النهائية فى الدراسة إلى أنه: ما دام الاحتلال الإسرائيلى واستعباد الفلسطينيين فى الضفة الغربية والقدس الشرقية مستمرًا، فقد أوضحت حماس أنها لن تنزع سلاحها بالكامل. وعلى مدى الأشهر الماضية أعلنت مسئوليتها عن هجوم بإطلاق النار على حافلة إسرائيلية فى وادى الأردن بالضفة الغربية، وهجوم آخر بإطلاق النار أسفر عن مقتل سبعة أشخاص فى تل أبيب، وتفجير انتحارى فاشل فى تل أبيب أيضًا. وحتى مع وقف إطلاق النار فى غزة، فقد تستمر حماس فى التحريض على الهجمات، ولكنها لن تأمر بها أو توجهها.
ومع ذلك، يمكن تشجيع حماس على المزيد من الاعتدال، بما فى ذلك التوقف عن استخدام العنف المسلح، بالفعل إن لم يكن بالقول فى مقابل تحركات دولية كبيرة. ويتعين على هذا أن يشمل فتح مسار سياسى قابل للاستمرار نحو إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية. وقد أبدت الحركة اهتمامها بمثل هذا التبادل فى الماضى، عندما شاركت فى الانتخابات الوطنية فى عامى 2006 و2021 قبل إلغاء الانتخابات الأخيرة» والتزمت بحل الدولتين عام 2017. ومع ذلك، لم تستجب العواصم الغربية بشكل إيجابى لهذه التحركات ــ الأمر الذى أدى إلى إضعاف قادة حماس المعتدلين الذين يدعون إلى هذه الخطوات.
*حفظ السلام..
نظرًا لانعدام الثقة بين جميع الأطراف، فمن المرجح أن تحتاج غزة إلى قوة حفظ سلام دولية لمراقبة تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار فى المستقبل والتسريح المحتمل لحماس، ودعم جهود نزع فتيل الصراع. وقد أبدت حماس والسلطة الفلسطينية انفتاحهما على نشر «قوة حماية» عربية بعد وقف إطلاق النار. [41] وأشارت الدول العربية إلى أنها قد تدعم هذا طالما أنه يأتى مع مسار سياسى قابل للتطبيق نحو تقرير المصير الفلسطينى.
ويمكن أن تشمل هذه القوة مشاركة قوات من مصر والمغرب والإمارات العربية المتحدة،- والأردن ربما- التى تمتلك خبرة فى حفظ السلام وتحافظ على علاقات جيدة مع إسرائيل.
كما خلصت الدراسة إلى:
إن إحياء عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية ذات المصداقية سوف يكون عملية طويلة الأمد نظرًا للوضع على الأرض، والعداء المتبادل العميق الذى أثارته هجمات السابع من أكتوبر وحرب غزة، والمعارضة الإسرائيلية للانخراط فى مسار سياسى. ولكن إذا كان الأوروبيون ملتزمين حقًا بمعالجة هذا الصراع، فإن هذا يشكل تحديًا لا يمكنهم التخلى عنه. ولكنهم ليسوا وحدهم، وينبغى لهم أن يستفيدوا بشكل كامل من التحالف العالمى لتنفيذ حل الدولتين، والذى يجمع حاليًا 94 حكومة ومنظمة إقليمية ودولية بهدف إنهاء الاحتلال الإسرائيلى وتحقيق الاستقلال الفلسطينى.
تحقيق تقرير المصير الفلسطينى
إن المسار السياسى الجديد سيتطلب استراتيجية أوروبية جديدة لصنع السلام، تتعلم من إخفاقات عملية أوسلو للسلام، والتى منحت إسرائيل حق النقض على الحقوق الفلسطينية من خلال التركيز فقط على المفاوضات الثنائية بين الطرفين. ولإنقاذ الحل السياسى، يتعين على الأوروبيين أن يبدأوا بإظهار التزام دولى واضح بهذه النتيجة. وكجزء من هذا، يتعين عليهم إيجاد السبل الفورية لإظهار دعمهم لدولة فلسطينية ذات سيادة. وهذه الخطوة الأولى ضرورية لأنها من شأنها أن تدعم اتفاق وقف إطلاق النار وتساعد فى تأمين مشاركة السلطة الفلسطينية والدول العربية فى غزة بعد الصراع.
إن إحدى الطرق المباشرة لتحقيق هذه الغاية تتلخص فى توسيع الاعتراف الأوروبى بدولة فلسطين، بما فى ذلك دعم عضوية الأمم المتحدة. وقد اعترفت 146 دولة بالفعل بفلسطين، بما فى ذلك أيرلندا والنرويج وسلوفينيا وأسبانيا. ويتعين على المملكة المتحدة وبقية الدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى مثل فرنسا أن تحذو حذوها الآن.
إن أى تحرك لدعم الحقوق الفلسطينية سيقابل بمقاومة من جانب إدارة ترامب إذا ما سعت إلى تعزيز رؤيتها الخاصة لإسرائيل الكبرى القائمة على التفوق الإسرائيلى والخضوع الفلسطينى. ولمواجهة الضغوط الأمريكية، سوف يحتاج الأوروبيون إلى تشديد تعاونهم مع مجموعة الاتصال العربية «المكونة من مصر والأردن وقطر والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية»، والتى دعت إلى الاعتراف الأوروبى والأمريكى الكامل بدولة فلسطينية على أساس حدود عام 1967. إن علاقاتهم القوية القائمة مع ترامب ومستشاريه الرئيسيين تعنى أن ممالك الخليج العربى فى وضع جيد للتأثير على السياسات الأميركية المستقبلية بشأن الشرق الأوسط- ومقاومة الضغوط الأمريكية.
.. ويبدو، جيوسياسية وأمنيًا، أن التوقع هو فى «يقين» الهدف الأكبر لهذا النهج المشترك يجب أن يكون ترامب نفسه، حيث إن الولايات المتحدة هى الجهة الوحيدة التى تتمتع بالنفوذ الكافى للضغط على إسرائيل لتقديم التنازلات اللازمة. ومن خلال العمل معًا، يجب على الدول الأوروبية والعربية أن تهدف إلى إقناع ترامب بأن هذا يمثل مسارًا ضروريًا- ولكنه جذاب أيضًا- لانضمام المملكة العربية السعودية إلى اتفاقيات إبراهيم. ونظرًا للتركيز الأساسى لخطة الرؤية العربية على إنهاء الصراع الإسرائيلى الفلسطينى الأوسع، فيجب على الأوروبيين تقديم هذا إلى ترامب كوسيلة للمطالبة بالفضل فى هذا الانفتاح التاريخى، ومنحه الإشادة التى يتوق إليها فى إبرام الصفقات- وربما أيضًا جائزة نوبل للسلام التى يسعى إليها بوضوح.
مع فرض تكلفة على إسرائيل
ورغم أن الولايات المتحدة هى الطرف الرئيسى القادر على فرض الضغوط على إسرائيل، فإن الأوروبيين لا ينبغى لهم أن يتهربوا من مسئولياتهم. ولا بد أن يقابل خلق الحوافز لإسرائيل لإحلال السلام بوسائل رادعة حقيقية لمواصلة احتلالها وحربها فى غزة. ولا بد أن تتجاوز هذه الوسائل نتنياهو.
ورغم أنه قد يكون من المغرى أن ننظر إلى أطول رئيس وزراء فى إسرائيل خدمة باعتباره العقبة الرئيسية أمام مسار سياسى قابل للاستمرار، فإن احتلال البلاد المستمر منذ عقود للأراضى الفلسطينية وإنكارحقوق الفلسطينيين يحظى بدعم واسع النطاق عبر الطيف السياسى الإسرائيلى.
واليوم، لا يدعم أى حزب سياسى يهودى إسرائيلى بنشاط حل الدولتين أو إنهاء مشروع الاستيطان غير القانونى الإسرائيلي. وقد تجلى هذا بشكل كامل فى فبراير 2024 عندما صوت 99 من أصل 120 عضوًا فى الكنيست لصالح قرار يرفض قيام الدولة الفلسطينية... إجهاض جولة المفاوضات الجارية، عملية منظور، فيها توازنات أمنية، الدافع لها خطير، يترك مساحات لحماية سرديات طويلة عن حرب غزة.. وما ادراك ماذا فعلت غزة بطوفانها.