كومونة باريس وتفعيل الأحزاب الوطنية
ظاهريًا يبدو الإخوان بعيدين عن الفكر الماركسى، لكن سلوكهم وممارساتهم على الأرض تكشف عن دراسة عميقة للأفكار الماركسية.. التحليلات الماركسية التى تقول إن «الحزب لا يخلق الثورة عندما يريد، فهو لا يختار لحظة الاستيلاء على السلطة كما يحب، بل إنه يتدخل بفاعلية فى الأحداث، متوغلًا فى كل لحظة فى الحالة الفكرية للجماهير الثورية، ويقدر قوى المقاومة لدى العدو، وبالتالى يحدد اللحظة الأكثر مناسبة للعمل الحاسم، فى بتروجراد تطورت الأحداث بشكل مختلف، فقد تحرك الحزب بثبات وعزم نحو الاستيلاء على السلطة، لقد كان لديه رجال فى كل مكان، يدعم ويعزز كل موقع وأيضًا يوسع هوة الخلاف بين العمال والحامية من جهة والحكومة من الجهة الأخرى».
يمكن ببساطة استبدال كلمة الحزب بالجماعة، وما قامت به بعد التفاف الشعب حول الجيش من وضع فتيل الانشقاق بينهما، وصك تعبير «العسكر» هو تجسيد لسياسة توسعة هوة الخلاف بين العمال والحكومة مع تغير القوة الفاعلة فى ثورة يناير؛ ليصبح خلق الهوة بين الشباب والجيش ضرورة حتمية لركوب الإخوان ثورة يناير والسيطرة على مقاليد الحكم.
نجاح الثورة البلشفية فى روسيا ١٩١٧.. لم يكن وليد الصدفة، بل كانت له ترتيبات واستعدادات واستفادة من دروس التاريخ، وبخاصة ما حدث فى كومونة باريس ١٨٧١.. ففى سجلات اضطرابات فرنسا الثورية، تظل ذكرى كومونة باريس، أو الثورة الفرنسية الرابعة، هى حكومة اشتراكية راديكالية ومعادية للكنيسة أدارت باريس فترة قصيرة من ١٨ مارس حتى ٢٨ مايو من العام ذاته، واعتبرت أول ثورة اشتراكية فى العصر الحديث.
أظهرت الكومونة مدى بطولة جمهور الطبقات العاملة، قدرتهم على الاتحاد فى كتلة سياسية واحدة، نبوغهم فى التضحية بأنفسهم باسم المستقبل، ولكنها تكشف فى الوقت نفسه عدم مقدرة هذه الجماهير على اختيار طريقها، ترددهم وعدم حزمهم فى مسألة قيادة الحركة، التوقف بعد النجاحات الأولى.
تمامًا مثلما حدث فى يناير ٢٠١١ حينما ترك الثوار الميدان للقوة المدنية المنظمة الوحيدة، وبالتالى استفادت الحركة الإخوانية من حسن النية لدى الجماهير، ومن رغبة الجيش فى الحفاظ على المجتمع المصرى من أى انقسامات حادة، فى لحظة الفوار الثورى.
هذه المقاربة مع الجماهير التى احتشدت فى يناير ٢٠١١ مع اختلاف النتيجة فى مصر وفرنسا، توضح ضرورة تفعيل دور الأحزاب السياسية الوطنية، حتى تكون المعبرة عن أحلام وطموحات المواطنين، وتكون ذات أرضية جماهيرية صلبة، تستطيع أن تستقطب الجماهير فى أوقات الأزمات.
فرغم ما تنعم به مصر من استقرار سياسى متين، إلا أن البركان الذى انفجر فى المنطقة ويحيط بنا من كل الجهات يستوجب علينا الحذر الشديد من أى محاولة خارجية لزعزعة هذا الاستقرار، خاصة مع تكالب المتربصين بمصر.. ولا سبيل لحماية هذا الاستقرار إلا بتشجيع مشاركة المواطنين، وبخاصة الطبقات الفقيرة والمطحونة اقتصاديًا فى الأحزاب السياسية الوطنية وفتح أفق المجال العام للتعبير الواضح والصريح، حتى لا تلجأ هذه الجماهير لأساليب التعبير السرية، وهو ما قد تستغله الجماعات المحظورة والسرية التى خفت وجودها ظاهريًا، لكنها موجودة فى الخفاء تبث سمومها، عبر قنواتها وتنتظر اللحظة التى تنقض فيها على الشعب الذى أولاها ظهره.
إن قوة وتعدد الأحزاب السياسية انعكاس لقوة النظام السياسى، لأنها جزء من النظام، والأحزاب السياسية قد يكون فيها المؤيد أو المتحالف مع الحكومة، وفيها أيضًا المعارض، لكنها المعارضة الوطنية التى تستهدف صالح الدولة والشعب، وليست المعارضة العميلة التى تنفذ أجندات أجنبية لقوى فى المنطقة لا تريد الخير لشعبنا.
فلندرب شعبنا على التعبير عن رأيه بطرق تحترم القانون والنظام، وتعلى من شأن الوطن والوطنية، من خلال وسائل الإعلام والأنشطة الحزبية العلنية.
فهذا هو السبيل لحماية دولتنا الحبيبة، وحتى لا تكون الأعباء كلها على جيشنا العظيم وأجهزتنا الأمنية المقدرة.