عظمة مصر فى سيرة "أم كلثوم"
في واحدة من الأمسيات الفريدة ضمن سلسلة سهرات "أرواح في المدينة" انطلقت أولى السهرات هذا العام في الأول من يناير لتتزامن مع ذكرى ميلاد كوكب الشرق السيدة أم كلثوم، كانت السهرة بمثابة احتفاء فني وثقافي استثنائي، حيث عكست روعة التنظيم والتقديم عمق التقدير لسيرة "الست"، وألقت الضوء على محطات حياتها الغنية التي امتدت من بداياتها فى عشرينيات القرن الماضى حتى وفاتها في الثالث من فبراير عام 1975.
تميزت الأمسية بالتنوع والثراء، إذ تناولت مختلف جوانب حياة أم كلثوم، بدءًا من طفولتها في قرية طماي الزهايرة التابعة لمركز السنبلاوين، مرورًا برحلتها الشاقة، وصولًا إلى اعتلائها عرش الأغنية العربية، وانتهاءً بإسهاماتها الفنية التي ما زالت حاضرة حتى اليوم، متحدية كل ما أصاب الأغنية العربية الحديثة من تلوث.
أدار الندوة وأعدها الإعلامي الموهوب محمود التميمي، الذي جمع نخبة من المثقفين والفنانين لإثراء السهرة بمداخلاتهم. وكان من أبرز المشاركين الفنانة القديرة سميرة عبدالعزيز، التي أضفت لمسة مميزة بحديثها عن تجربة كتابة مسلسل "أم كلثوم" الذي أبدعه زوجها الكاتب الراحل محفوظ عبدالرحمن عام 1999.
كما قدمت فقرة بصوتها الشهير من برنامجها الإذاعي "قال الفيلسوف"، ما لاقى تفاعلًا وتصفيقًا حارًا من جمهور المسرح الصغير بدار الأوبرا الذي امتلأ بالحضور المتنوع من مختلف الأعمار.
كما تحدث الأستاذ أحمد المسلماني، رئيس الهيئة الوطنية للإعلام، عن دور القوى الناعمة المصرية في دعم النهضة الوطنية، مشيرًا إلى أن نهضة مصر في عهد الوالي محمد علي جاءت بفضل تضافر جهود علماء الأزهر أمثال الشيخ حسن العطار ورفاعة الطهطاوي اللذين رسما الطريق للوالي صاحب قرارات تحديث مصر.
من بين النقاط التي أثارت الاهتمام كان حديث النقاد هيثم أبوزيد ومحمد دياب و سيد محمود عن دور كلا من الصحافة و العلماء في مسيرة أم كلثوم، حيث برز الدور المهم الذي قام به الشيخ مصطفى عبد الرازق، شيخ الأزهر في دعم أم كلثوم في بداياتها ، وكشف الناقد سيد محمود أن الشيخ أسكن أم كلثوم بالقرب من منزله بحي عابدين لتتعلم العزف على البيانو والعود من بناته، وهو ما ساعدها على الانطلاق نحو النجومية، ليطال النقاش دور الاخوين مصطفي وعلى عبد الرازق صاحب كتاب "الاسلام واصول الحكم " في الثقافة المصرية و دعمهما الدكتور طه حسين حتى حصوله على الدكتوراه الى تركهما بصمة واضحة في تاريخ الحركة الوطنية .
كما أضاء النقاش على العلاقة الفريدة التي جمعت أم كلثوم بأديب نوبل نجيب محفوظ، رغم أنهما التقيا مرة واحدة فقط في عيد ميلاده الخمسين بفضل الصحفي الكبير الأستاذ محمد حسنين هيكل رغم تضمين أعمال محفوظ لأغنيات أم كلثوم في العديد من الأعمال الشهيرة. ولم يغفل الحاضرون ذكر تأثير أغاني أم كلثوم على العلم، مثل ارتباط العالم الدكتور أحمد زويل بفنها الذي ألهمه في مسيرته العلمية وكان صوتها شريكًا له في ابحاثة حتى حصوله على جائزة نوبل عام 1999.
في نهاية اللقاء تكتشف أن سيرة سيدة الغناء العربي أم كلثوم لم تتوقف عند السيرة الفنية، بل امتدت للحديث عن الفن والدين والسياسة والآداب والشعر، إلى جانب دور الفن في الأزمات التي يتعرض لها الوطن وأبرزها دور "الست" في دعم المجهود الحربي بعد نكسة 67 وحفلاتها الداخلية والخارجية، وتفاعل الشعب العربي في كل مكان معها وهو ما يعكس قيمة مصر العظيمة في الجمع بين الثقافة والفكر والعلم والوطنية.
اختتمت السهرة بمناقشات جانبية ثرية بين الحضور، وكان منها مناقشة الكاتبة عزة إبراهيم والكاتب الصحفي أحمد أبوصالح حول غناء أم كلثوم للملوك والرؤساء، وتم التأكيد على أن أغنيتها الشهيرة "بالسلام إحنا بدينا" كتبها بيرم التونسي وغنتها عام 1958 وكانت تعبيرًا عن انتصار مصر في معركة السويس وبداية مشروع السد العالي وخطط التنمية والانفتاح على العالم، وليست لها علاقة بمبادرة السلام التي وقعت عام 1979.
وتظل أم كلثوم رمزًا خالدًا لقيمة مصر وسيرتها دليلًا على عظمة شعبها وشاهدًا على عصور من التحديات والانتصارات، وملهمة لأجيال من المبدعين في مختلف المجالات.