رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الخطاب الدينى المعتدل

 فى لقاء الرئيس عبدالفتاح السيسى مع الدكتور أسامة الأزهرى، وزير الأوقاف، اطلع الرئيس على خطة الوزارة فى الاستمرار فى تجديد الخطاب الدينى، ونشر الوعى الدينى المعتدل فى ظل هذه الظروف الراهنة التى تمر بها البلاد. وفى الحقيقة فإن الوزارة السابقة التى كان يتولاها الدكتور محمد مختار جمعة، قد لعبت دورًا مهمًا فى هذا الإطار، خاصة فى عملية تطهير المنابر من جموع المتطرفين والإرهابيين الذين اعتلوا المنابر لفترات طويلة حتى جاءت ثورة ٣٠ يونيو لتطهر هذه المنابر من هذه الأشكال التى لا تعرف دينًا ولا ملة، سوى نشر تصرفات التطرف وخلافه. والحقيقة أيضًا أن الدكتور أسامة الأزهرى من الشخصيات المعتدلة جدًا التى يعول عليها فى عملية تجديد الخطاب الدينى فى ظل هذه التحديات البشعة التى تتعرض لها البلاد حاليًا.

وتلعب وزارة الأوقاف دورًا مهمًا فى تطهير المنابر من الأفكار المتطرفة، فى إطار سعيها المستمر لنشر الوعى الدينى الصحيح وتعزيز قيم التسامح والاعتدال. فقد اتخذت الوزارة مجموعة من الإجراءات الحاسمة لمواجهة هذا التحدى، بدءًا من إعادة تأهيل الأئمة والواعظين وتزويدهم بالمعارف الشرعية الصحيحة. ولا بد من تطوير المناهج الدراسية فى المعاهد الأزهرية لتشمل برامج مكافحة التطرف. كما تقوم الوزارة بتنظيم العديد من الندوات والمؤتمرات لتوعية المجتمع بمخاطر التطرف والإرهاب، وتشجيع الحوار بين الأديان والثقافات. إضافة إلى تطوير البنية التحتية للمساجد وتوفير الكتب والمواد الدعوية التى تتوافق مع المنهج الوسطى المعتدل. 

ومن أهم الإنجازات التى حققتها الوزارة فى هذا الصدد، استعادة السيطرة على المساجد التى كانت تُستخدم من قِبل بعض الجماعات المتطرفة لنشر أفكارها الضالة، وتفعيل دور الأئمة فى توجيه المجتمع نحو الخير والفضيلة. وعلى الرغم من التحديات التى تواجهها الوزارة، فإنها ماضية قدمًا فى جهودها لتطهير المنابر من الأفكار المتطرفة، وذلك إيمانًا منها بدورها الكبير فى حماية المجتمع من شرور التطرف والإرهاب، وبناء مجتمع متماسك ومتسامح.

إن تجديد الخطاب الدينى قضية ملحة تتطلب إعادة النظر فى أساليب التعبير الدينى وتحديثها بما يتناسب مع متطلبات العصر وتحدياته. ففى ظل التطور المتسارع فى مختلف المجالات، وتزايد التعصب والتطرف فى بعض الأوساط، أصبح من الضرورى تطوير خطاب دينى يقوم على الوسطية والاعتدال، ويعزز قيم التسامح والتعايش السلمى. ويتطلب هذا التجديد جهودًا مشتركة من المؤسسات الدينية والتعليمية والإعلامية، بالإضافة إلى دور الفرد المسلم فى فهم دينه فهمًا صحيحًا.

ومن أبرز التحديات التى تواجه تجديد الخطاب الدينى فى مصر، انتشار الأفكار المتطرفة عبر وسائل التواصل الاجتماعى، وتأثير بعض التيارات المتشددة على الشباب، وتراجع دور العلماء والفقهاء فى توجيه الرأى العام. ولذلك فإن تطوير المناهج الدراسية لتعليم الدين، وتشجيع البحث العلمى فى مجال الفكر الإسلامى، ودعم المؤسسات الدينية التى تعمل على نشر الوعى الدينى الصحيح، هى خطوات ضرورية لتحقيق هذا الهدف.

كما يجب أن يكون هناك حوار مجتمعى واسع حول قضايا التجديد الدينى، مع مراعاة خصوصية المجتمع المصرى وتراثه الحضارى، إن تجديد الخطاب الدينى ليس تهديدًا للهوية الدينية، بل هو وسيلة للحفاظ عليها وتطويرها، وتعزيز الدور فى بناء مجتمع متماسك ومتقدم.

وتجديد الخطاب الدينى ليس مجرد مسألة نظرية، بل هو ركن أساسى لتحقيق التنمية المستدامة الشاملة. فالتنمية تسعى إلى تحقيق التوازن بين النمو الاقتصادى والعدالة الاجتماعية والحفاظ على البيئة، وهو ما يتوافق تمامًا مع القيم الإسلامية التى تحث على العدل والمساواة والاهتمام بالخلق. ومن خلال تجديد الخطاب الدينى، يمكن تسخير القيم الدينية لدعم أهداف التنمية بتشجيع المواطنة الصالحة، وتعزيز قيم العمل والإنتاج، والحفاظ على الموارد الطبيعية. كما يمكن للخطاب الدينى أن يسهم فى مكافحة الفساد، وتعزيز الشفافية والمساءلة، وتشجيع الحوار بين الأديان والثقافات.

كما أن الخطاب الدينى يلعب دورًا مهمًا فى تمكين المرأة، وتعزيز دورها فى المجتمع، وتشجيع الشباب على المشاركة فى عملية التنمية. ومن خلال تفسير النصوص الدينية بشكل يتماشى مع متطلبات العصر، يمكن للخطاب الدينى أن يقدم رؤية متكاملة للتنمية المستدامة، تسهم فى بناء مجتمع عادل ومزدهر.. إن تحقيق هذه العلاقة المتكاملة يتطلب جهودًا مشتركة من جميع المؤسسات، فتجديد الخطاب الدينى وتسخيره لخدمة أهداف التنمية المستدامة هو استثمار فى مستقبل مصر، ويضمن تحقيق التنمية الشاملة والعادلة والمستدامة. ولذلك فإن تجديد الخطاب الدينى ضرورة مُلحة فى ظل هذه التحديات التى تواجهها مصر حاليًا.