سنة التسويات أم الصدمات؟
أمامنا تقريران يحددان أهم التطورات أو التوترات، التى قد يشهدها العالم، خلال السنة الجديدة، ومساراتها والعوامل التى تقف وراءها. الأول أصدره «مجلس المخابرات الوطنى الأمريكى»، تحت عنوان «التوجهات العالمية ٢٠٢٥: عالم متحول»، والثانى عنوانه «توقعات سنة ٢٠٢٥.. الانتقال إلى وضع طبيعى جديد فى ظل بيئة هشّة ومتغيرة»، وصدر عن وكالة «موديز» للتصنيف الائتمانى.
نتمنى، طبعًا، أن تشهد السنة الجديدة نهاية الأزمة الأوكرانية، ووقف إطلاق النار فى قطاع غزة، وتوقف الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضى الفلسطينية واللبنانية والسورية، وتسوية أزمات لبنان والعراق واليمن والسودان والقرن الإفريقى. كما نأمل، يأمل الجميع، أن يتحقق الاستقرار فى سوريا، الذى لن يتحقق غالبًا، خاصة بعد تأكيد على أكبر أحمديان، أمين المجلس الأعلى للأمن القومى الإيرانى، أن «مقاومة جديدة» ستظهر فى سوريا لمواجهة إسرائيل، وترجيح التقرير المخابراتى الأمريكى أن تحافظ التنظيمات الإرهابية، أو السلفية الراديكالية، وشبكات الإجرام على وجودها، وأن تتمكن من تعزيز قدراتها!
تحولات، صدمات، مفاجآت، وكوارث، يتوقعها التقرير المخابراتى الأمريكى، تبدأ باستعمال السلاح النووى، ولا تنتهى بتفشى الأوبئة، كما يرجح أن تتضاعف فرص التنظيمات الإرهابية للقيام بهجمات كيماوية أو بيولوجية أو نووية، ولا يستبعد تكرار بعض سيناريوهات القرن التاسع عشر، مثل سباق التسلح والتنافس العسكرى والتوسع فى احتلال الأراضى، ويرى أن التحول نحو استخدام الطاقة الجديدة، ستكون له انعكاسات قوية على منتجى النفط فى منطقتى الشرق الأوسط وأوراسيا، وسيؤدى إلى انهيار بعض الدول أو نهاية دورها كفاعل دولى أو إقليمى.
مؤشرات أو شواهد عديدة تؤكد زوال النظام العالمى القائم، الموروث عن حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، بفعل تنامى الدور السياسى لقوى جديدة صاعدة، والانتقال النسبى للثروة والقوة الاقتصادية من الغرب إلى الشرق. وهذا ما رجحه، أيضًا، التقرير المخابراتى الأمريكى موضحًا أن صعود الصين والهند وروسيا والبرازيل، وقوى أخرى، سيقود إلى نظام دولى جديد، متعدد الأقطاب، تتوزع فيه القوة بين الفاعلين الجدد، الذين سيحددون قوانين لعبة جديدة، تقود إلى إضعاف التحالف الغربى التقليدى.
صورة لا تقل قتامة، رسمها تقرير «موديز»، الذى أشار إلى أن معدلات النمو فى الاقتصادات الكبرى عادت إلى طبيعتها، لكنه لم يستبعد حدوث اضطرابات، نتيجة لعدد من العوامل الجيوسياسية، لافتًا إلى أن هناك قدرًا كبيرًا من عدم اليقين بشأن ما قد يبدو عليه «الوضع الطبيعى». كما توقع التقرير أن يكون النمو الاقتصادى أقل فى العديد من الدول، نتيجة عوامل هيكلية مثل ضعف الاستثمار، ومستويات الديون المرتفعة، وشيخوخة السكان، وضعف نمو الإنتاجية، والقيود المؤسسية، خاصة بعض الأسواق الناشئة.
بلوغ معدلات التضخم فى غالبية الدول مستوياته المستهدفة، أو اقترابه منها، يعنى أن العالم سيدخل فى دورة من التيسير النقدى، من شأنه أن يقلل من حالة عدم اليقين ويساعد فى احتواء التقلبات. لكن الطبيعة غير المتوقعة للتطورات الجيوسياسية، وفقًا لتقرير «موديز»، من شأنها أن تؤدى إلى المزيد من الصدمات. ومع أن الصراع الشامل فى منطقة الشرق الأوسط، يبدو أقل احتمالًا، بسبب الجهود الدبلوماسية والردع العسكرى والتكلفة العالية، يرى التقرير أن كل تبادل لإطلاق النار يزيد من مخاطر اندلاع الصراع بين إيران وإسرائيل، الذى سيجر الولايات المتحدة وحلفاء آخرين لكلا الطرفين.
يتوقع تقرير «موديز»، أيضًا، أن تتضاعف الاضطرابات فى التجارة العالمية إذا اختار الرئيس الأمريكى المنتخب دونالد ترامب فرض رسوم جمركية على مجموعة أوسع من الدول، أو إعادة التفاوض على اتفاقيات تجارية قائمة، لافتًا إلى أن الحروب التجارية عادة ما تتسبب فى خسارة للجميع، خاصة للاقتصادات التى تشكل التجارة نسبة كبيرة من حجم اقتصادها.
.. وأخيرًا، يرى تقرير مجلس المخابرات الوطنى الأمريكى أن الولايات المتحدة الأمريكية تحتاج إلى تعظيم دورها كـ«قوة وازنة»، أو إلى القيام بـ«دور المُوازِن»، متوقعًا أن تلعب قوى أخرى، مثل روسيا والصين والهند، أدوارًا أكبر، على الصعيدين الإقليمى والدولى.