رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عقاب شركة مياه الشرب!

كنت وما زلت وسأظل مؤمنًا بأهمية دور مؤسسات الدولة، وسأبقى مقتنعًا بأن قوة هذه المؤسسات هى الضمانة الأساسية لاستمرار حياتى وحياة الآخرين بأمان، ومؤسسات الدولة التى أقصدها ليست حكرًا على الأجهزة الأمنية فقط، بل تشمل جميع المؤسسات التى تسهم فى استقرار حياة المواطن. فقوة مؤسسة الكهرباء وانضباطها تضمن لى خدمة منتظمة بلا عيوب، وقوة مؤسسات النظافة توفر لى بيئة صحية خالية من التلوث، وهكذا هو الحال مع كل المؤسسات التى نطمح أن تكون فى أفضل حال، لما لذلك من انعكاس إيجابى على المجتمع ككل.
انطلاقًا من هذا الإيمان، شعرت بالسعادة والاطمئنان عندما أُنشئ جهاز حكومى خصص لضبط أداء مؤسسات الدولة ومعالجة أخطاء التعامل مع المواطن، وهو ما يُعرف بـ«منظومة الشكاوى الحكومية الموحدة»، التى تتبع السيد رئيس مجلس الوزراء بشكل مباشر،  تأسست المنظومة عام 2017 لتكون الأداة الرئيسية لضبط أداء أجهزة الدولة المتعاملة مع المواطنين.
وفى تأكيد لإيمانى بهذه الأداة الجيدة، كتبت بتاريخ 26 أغسطس الماضى مقالًا بعنوان:  «منظومة الشكاوى الموحدة... سلاح المواطن لمواجهة الفساد والظلم!»، شرحت فيه الدور العظيم الذى تؤديه المنظومة فى حماية حقوق المواطنين، وضبط الأداء الحكومى، لتحقيق العدل فى التعامل مع شكاوى المواطنين، وما يزيد من قوة هذه المنظومة أنها تحسب فى أدائها على مجلس الوزراء وتخضع لمكتب رئيس الحكومة مباشرة، وهو ما دفعنى إلى دعوة الناس للتعامل مع المنظومة للحفاظ على حقوقهم.
وطوال مسيرتى الصحفية الممتدة منذ بداية التسعينات، أوليت اهتمامًا كبيرًا بشكاوى المواطنين، التى كنا نخصص لها فى إدارات التحرير صفحات خاصة، وكانت استجابات الوزارات لهذه الشكاوى متفاوتة، إلا أن وزارات مثل الداخلية والتعليم والتموين والإسكان تميزت بسرعة استجابتها بفضل قوة أجهزة المتابعة لديها. 
ومع إنشاء منظومة الشكاوى الحكومية الموحدة، كنت أظن أن الأداء قد تطور للأفضل.
فعندما تكررت شكاوى سكان أحد المجمعات السكنية فى حى 6 أكتوبر من فرض رسوم إضافية عند تركيب عداد المياه لم ينص عليها القانون.
وحين تعاقدنا على تركيب العداد تفاجأنا بنفس الطلب تطلبه شركة المياه، فأثناء التركيب يطلب موظفو الشركة دفع مبلغ 250 جنيهًا مقابل ما يُسمى فى علم السباكة تكلفة شراء «الجلب والأوكر» الذى تستلزمه عملية تركيب العداد.
لم تكن قيمة المبلغ هى المشكلة، فسعر عداد المياه ارتفع من 1500 جنيه إلى 4500 جنيه خلال أقل من عام، لكن الاعتراض كان على فرض رسوم إضافية بعد دفع التكلفة الكاملة للعداد والتركيب.
استفسرنا عن السبب، فأكد موظفو الشركة أن تكلفة توصيل العداد منصوص عليها فى أحد بنود التعاقد مع الشركة، هنا قررنا اللجوء إلى منظومة الشكاوى الحكومية الموحدة، التى نثق بدورها فى حماية حقوق المواطنين. 
قدمنا شكوى للمنظومة فى بداية شهر سبتمبر، وانتظرنا شهرًا دون تلقى أى رد، عاودنا الاتصال للاستفسار عن مصير الشكوى، فأبلغتنا مندوبة المنظومة بأن الشكوى تم الرد عليها، وأن الرسوم المطلوبة مقررة فى أحد بنود التعاقد.
أوضحنا للمندوبة أن الشكوى ليست ضد دفع مبلغ بحد ذاته، ولكن الاعترض على وجود هذا البند فى التعاقد، حيث إن المواطن يدفع رسوم تركيب العداد مسبقًا، وليس من المنطقى أن يدفع رسومًا أخرى عند التركيب، وطلبنا توجيه الشكوى ضد البند نفسه. 
ومنذ ذلك الحين لم نتلق أى رد، لكن الأغرب أنه لم يتم تركيب العداد، على الرغم أن شرط التركيب محدد خلال شهر من التقديم، وهنا يبدو إننا نعاقب لمجرد اللجوء إلى منظومة أنشئت خصيصًا لضمان حقوق المواطنين.
هذه التجربة تدفع للتساؤل: هل المنظومة قادرة على أداء دورها بكفاءة إذا كانت شكاوى المواطنين تُهمل؟ وهل يمكن لمؤسسات الدولة تحقيق العدالة إذا لم تُراجع بنود تعاقداتها بما يضمن حقوق المواطن؟ وهل يعتبر موقف شركة مياة الشرب من طلبنا– المهمل- منذ أربعة أشهر عقابًا وتحديًا لمنظومة الشكاوى الحكومية الموحدة؟ ما أثق به فعليًا أن دولة رئيس الوزراء الذى يرعى منظومة الشكاوى لن يقبل بما يحدث، ولن ينتهى الأمر عند مجرد تركيب عداد لمواطن أو مجموعة مواطنين.