رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حفر قناة السويس بين الحقائق والأكاذيب

كأى مشروع عظيم بدأ بمجرد فكرة كرّس صاحبها كل حياته وجهده وماله من أجل تنفيذها حتى نجح بامتياز فى ذلك.. أتحدث عن مشروع حفر قناة السويس من البحر المتوسط شمالًا إلى البحر الأحمر جنوبًا.
سعى الفرنسى فرديناند ديليسيبس جاهدًا وتحدى كل النظريات السابقة منذ فشل الفراعنة فى حفر قناة سيزوستريس حتى النظريات المعاصرة الخاطئة، التى كانت تدّعى أن منسوب البحر المتوسط أعلى من منسوب البحر الأحمر، وأن أى محاولة لإنشاء قناة بينهما ستؤدى لغرق مصر.
نجح بعد جهود مضنية مع الخديو سعيد فى أن يقنعه بالبدء فى حفر القناة وإنشاء شركة عالمية لتنفيذ الفكرة وإدارتها.. ونظرًَا للضائقه المالية وقتها اقترح الخديو سعيد أن تكون حصة مصر فى هذه الشركة هى توريد نسبة من العمالة المصرية لتنفيذ الحفر مقابل نفس أجر العمالة اليونانية والإيطالية «الحفر كان بمعدات يدوية وقتها».
وبالفعل تم الاتفاق على أن يشارك ٢٠ ألف عامل مصرى فى الحفر.. انتشر بين العمال مرض الطاعون لكثرة الفئران فى مناطق الحفر، مما أدى إلى وفاة حوالى ٢٠٠٠ عامل مصرى، وفق تقرير منظمة الصحة الفرنسية وقتها.
بدأ الحفر من منطقة الفرما شمالًا إلى السويس جنوبًا، وبالتزامن مع الحفر تم إنشاء ٤ مدن ملاصقة للقناة حملت كلها أسماء عائلة محمد على.. مثل بورسعيد وبورفؤاد والإسماعيلية وبورتوفيق.
ظل تمثال ديليسيبس شامخًا فوق قاعدته بعد ثورة يوليو ٥٢، ويحرص الزعيم جمال عبدالناصر على زيارته كلما زار المدينة المحببة إلى قلبه، إلى أن حدث العدوان الثلاثى على بورسعيد من إنجلترا وفرنسا وإسرائيل، فتذكرت المخابرات العسكرية المصرية أن هناك تمثالًا لرجل فرنسى فقامت بإسقاطه وكأنه هو مَن قام بالعدوان الثلاثى.. وهتفت المقاومة ضده وظهرت اتهامات عجيبة تصفه باللص والخائن والسكير، وبأنه قتل ١٢٠ ألف مصرى «أثناء عمل ٢٠ ألف مصرى بحفر القناة»، وأنه استخدم السخرة فى تشغيلهم «كذب وافتراء»، ونسى هؤلاء أن الرجل أسدى أجل الخدمات للشعب المصرى كله بتنفيذ حفر القناة، التى تدر مليارات الدولارات شهريًا فى خزينة البنك المركزى كمصدر رئيسى للدخل القومى.
اختصرت كثيرًا من القصة، لكننى أردت سرد بعض الحقائق حتى لا يتهم جيلنا والأجيال القادمة بنكران الجميل.
وأحيى اللواء محب حبشى على قراره الجرىء والمسئول بإعادة تمثال ديليسيبس إلى قاعدته فى بورسعيد، وصم آذانه عن الأصوات الحنجورية ذات الشعارات الكاذبة والمضللة، خاصة وأن أجندتهم مفضوحة، وشعب بورسعيد المثقف الواعى ينبذهم، والأغلبية العظمى تتمنى رجوع التمثال ليزين الممشى والقاعدة المحفور عليهما اسمه.
التاريخ لا يكذب ولا يتجمل ولا يصح إلا الصحيح.