رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التفاصيل الكاملة لفيلم "الحب فوق هضبة الهرم" كما رآها عاطف الطيب

عاطف الطيب
عاطف الطيب

في كتابه "أفلامي مع عاطف الطيب" يذكر مدير التصوير الشهير سعيد شيمي العديد من المواقف مع المخرج الراحل، وفي فصل من كتابه تحدث عن فيلم "الحب فوق هضبة الهرم".

الحب فوق هضبة الهرم

يقول سعيد شيمي: "عاطف الطيب يقرأ كثيرًا ومثقف للغاية، يحب أدب نجيب محفوظ ولقد اختار إحدى قصصه القصيرة كمشروع تخرجه في معهد السينما، وكان معجبًا كذلك حسب ما أعلم منه بقصة صبري موسى (فساد الأمكنة)، وكذلك رواية (الزيني بركات) لجمال الغيطاني، وكان يحلم بأن يقوم بنقلها إلى أعمال سينمائية".

ويكمل سعيد شيمي: "حين عرض عليه سيناريو فيلم (الحب فوق هضبة الهرم) لمصطفى محرم عن كاتبنا الكبير نجيب محفوظ فرح جدًا بهذا السيناريو، فقد كان يسعى بطريقة ما مع المنتج المرحوم عبدالعظيم الزغبي لعمل هذا الفيلم.. وعندما أرسل لي السيناريو كلمني عاطف بفرح شديد وقال لي اقرأ بإمعان فهذا فيلم جميل، وقد كنت في ذلك الوقت مشغولًا بتصوير فيلم (بيت القاصرات) للمخرج الراحل أحمد فؤاد، وكان وقتي ضيقًا جدًا لظروف التصوير.. ولكن عند أول إجازة يوم جمعة من التصوير تفرغت لقراءة النص، وكنت لم أقرأ من قبل رواية نجيب محفوظ".

عاطف الطيب

يواصل: "كان نص السيناريو من أحسن ما كتب في رأي السيناريست الصديق مصطفى محرم.. والفيلم فعلًا كما قال لي عاطف جميل ودسم في معناه، ولقد قرأته في تواصل في يوم واحد من إجازتي، ولكني طلبت من عاطف أن يمهلني بعض الوقت لأن فيه مشاهد أوقفتني واتفقنا أن نتقابل في الإجازة المقبلة أي يوم الجمعة التالية، والحقيقة أن في نص فيلم (الحب فوق هضبة الهرم) كانت هناك المشاهد التي أوقفتني بشدة أثناء القراءة منها المشهد قرب نهاية الفيلم في هضبة الهرم ليلًا، وبعض مشاهد الأب مع (أحمد زكي) ولكن مشهد الهرم هذا سبب لي قلقًا كثيرًا".

نجيب محفوظ

ويكمل: "وحين تقابلنا تكلمنا أولًا فيما يمكن أن يكون عليه الفيلم كصورة واقعية هذه المرة تمثلنا نحن الشبان المصريين الذين لا نجد فرصة للحياة الكريمة، فإذن الفيلم جزء لا يتجزأ منا، ثانيًا كان فرضًا علينا أن يكون الواقع كما نراه بصريًا أي صادق بالكامل، وهذا ما كان يحيرني في مشهد هضبة الهرم، وعندما وصلنا إلى هذا المشهد؛ لأننا كنا نقصص السيناريو مشهدًا، مشهدًا، ومن مميزات عاطف الطيب أنه لا يدخل التصوير أبدًا إلا عندما يكون قد قطع المشاهد في الفيلم بالكامل - أي الميزانسين - وعرف أين سيصور كل مشهد، قلت له أنا لا أعلم ما أفعله في هذا المشهد، لأن المفروض المكان كما نعلمه نحن كشباب مليء بالحبيبة والعشاق وفي أركان مختلفة من الهرم وفي سيارتهم وفي طيات العتمة، وحتى نحافظ على الرؤية الواقعية البصرية فأنا واقف عند هذا المشهد لا أعرف كيف أتصرف وعمومًا عندنا وقت على الأقل أسبوع حتى أنهى عملي مع أحمد فؤاد، نبهني عاطف إلى أن الفيلم سيكون أصعب ما صورنا؛ لأنه هذا المرة لن تكون الشوارع لقطات عامة أو مرور الأشخاص، بل أنه بنى عمله في الإخراج على أن يكون الشارع جزءًا من تقطيع المشهد، بمعنى أن الميزانسين بالكامل سيكون في الشوارع متحركًا بالكاميرا الحرة باليد، وبالطبع في هذا صعوبة كبيرة في التحكم الكامل بالناس والزاوية وحركة الضوء وشكل الوجوه وخلافه من مشاكل تكنيكية أخرى.

هضبة الهرم

ويكمل: "الحقيقة أن هذا المشهد في هضبة الهرم ليلًا عاش في عقلي ليل نهار لمدة ثلاثة أيام حتى أثناء العمل في فيلم (بيت القاصرات)، تذكرت ما حدث في أفلام مصرية كثيرة في هذه المنطقة، وشغلي في "سوق الأتوبيس" تحت سفح الهرم، ولكن هنا الوضع مختلف، كان التحدي شديدًا، وأنا لم أفشل من قبل في تنفيذ شيء أحلم به.. ولقد سيطر هذا المشهد على كل تفكيري حتى حين كنت أنام آخر الليل منهكًا من التصوير، وفي اليوم الثالث خطرت في رأسي فكرة تنفيذ هذا المشهد، وكم نمت وأنا سعيد بفكرة تنفيذه بشكل يحمل كل صفات واقعية الصورة والحدث، ولقد فكرت في تدرج تسلسل الحدث، بحيث يبدأ من ميدان التحرير في جو غروب ويليها مطلع الهرم أمام فندق (مينا هاوس) بحيث يكون الهرم (سلويت) في آخر ضوء للنهار (الساعة السحرية) ولأبدأ المشهد على ضوء السيارات واخترت الهرم الثاني، لأن الطريق أمامه يجعل السيارات إذا أضاءت نورها العالي تنير جزءًا مهمًا منه - بالذات عند القاعدة - وحين تتحرك إلى جهة اليمين يمر النور عرضيًا ماسحًا مساحة لا بأس بها حتى يختفي أثره".

أحمد زكي وآثار الحكيم

ويتابع: "كانت هذه هي فكرتي في بناء الضوء في المشهد، بل جعلت إضاءة صناعية حمراء ضعيفة تعطي بعض التفاصيل أو مسحة حمراء بعد مرور ضوء السيارات، وجهزت إحدى عشرة سيارة تتحرك عند النداء عليها بحيث يكون المشهد فيه الإضاءة من السيارات متقطعة تنير قليلًا وتظلم قليلًا ونرى أحمد زكي وآثار الحكيم في هذه الإضاءة المتقطعة غير السريعة، حيث إن سرعة صعود السيارات ولفها إلى اليمين يأخذ وقتًا كافيًا ولقد كان مشهدًا طويلًا يتخيل فيه أحمد زكي مع آثار الحكيم أنهما هنا في هذا الفراغ الصحراوي حجرة السفرة وهنا حجرة الصالون حتى يصلوا إلى كتلة حجرية، ويقول لها هنا حجرة النوم ويبدأ في تقبيلها يحيطهما الظلام ونور السيارات المارة حتى يفاجئهما نور قوي وقح من شرطة الآداب، ويستمر المشهد في هذا النور القوي من كشافات الشرطة، هكذا نفذت المشهد ولقد فرحت جدًا به كطفل وجد لعبته، ولقد سعد عاطف حين حكيت له خيالي قبل التنفيذ واعتبرنا ذلك (الكريمة) التي توضع على وجه (التورتة) بالطبع بصريًا وواقعيًا ودراميًا.. وأنا أعتبر هذا المشهد من أجمل ما صورت في حياتي من ناحية التنفيذ".