محمد التابعي.. دخل الصحافة بالصدفة وأخطر حملاته كانت ضد السوفيت
تحل اليوم ذكرى رحيل الكاتب الصحفي وأمير الصحافة العربية محمد التابعي، والذي رحل عن عالمنا في مثل هذا اليوم 24 من شهر ديسمبر عام 1976، وفي مقال كتبه عباس الطرابيلي في جريدة الوفد عام 2008 شرح فيه كيف اتجه التابعي للصحافة.
ويقول عباس الطرابيلي:" بدأت علاقة محمد التابعي بالصحافة حين قرأ عدة مقالات في صحيفة "إيجيبشيان ميل" التي كانت تصدر بالإنجليزية، رأي فيها ظلما للحركة الوطنية في مصر.. فأرسل خطابا إلى الصحيفة يحتج فيه علي هذه الروح العدائية وكان وقتها طالبا في كلية الحقوق جامعة فؤاد بالقاهرة - وفوجئ الشاب بالصحيفة تنشر خطابه، وشجعه ذلك على إرسال عدة مقالات ساخرة بالإنجليزية التي كان يجيدها، وراح يسخر فيها من المديرين والرؤساء الانجليز، وكانت الصحيفة تنشرها تباعا وكان يوقعها بالحروف الأولي من اسمه بالإنجليزية، وتعاقدت "الاجيبشيان ميل" مع هذا الشاب ليعمل فيها مقابل ثلاثة جنيهات شهريا، كان ذلك في عشرينيات القرن العشرين، تلك كانت بدايات أمير الصحافة المصرية وأستاذ الأساتذة محمد التابعي.
مقالات التابعي
يواصل:" ثم اتفق مع جريدة الأهرام على أن يكتب لها مقالات في النقد المسرحي وكان يوقعها باسم حندس، فقد كان يخشي المسئولية لأنه كان موظفا بسكرتارية مجلس النواب، وكانت أولي مقالاته النقدية عن مسرحية "غادة الكاميليا" التي قدمها مسرح رمسيس في العشرينيات، وانتقد فيها بعنف الفنان يوسف وهبي، وشجعه نشر مقالاته في "الأهرام" علي أن يكتب مقالاته النقدية في عدة صحف مثل "أبو الهول" و"السياسة" و"النظام" بجانب" الأهرام" و"الاجيبشيان ميل" بنفس التوقي "حندس".
وأعجب يوسف وهبي بهذه المقالات رغم أنها كانت تهاجمه وكان ينتظرها ووصف كاتبها بأنه يسقيه السم في برشامة، هو محمد التابعي محمد وهبه الذي ولد عام ۱۸۹۵ في منطقة الجميل بين دمياط وبورسعيد، حيث كانت أسرته الدقهلاوية تقضي شهور الصيف في شاطئ اشتوم الجميل، وكان هناك مقام وضريح الشيخ التابعي فسمي الطفل باسمه تيمنا بالشيخ وأصبح اسمه وحده هو محمد التابعي.. والأب محمد وهبه..
وويكمل عباس الطرابيلي:" نشأ هذا الصبي بمدينة المنصورة والتحق بمدرسة المنصورة الابتدائية ثم انتقل إلي القاهرة والتحق بمدرسة العباسية الثانوية وكان الأول في شهادة البكالوريا بها، وكان أول مدرسته، والتحق بكلية الحقوق ولكنه انقطع عن الدراسة بالحقوق ليعمل موظفًا بمصلحة السجون، ثم مترجما بسكرتارية مجلس النواب وشجعه هذا على استكمال دراسته بكلية الحقوق.
اقرأ التابعي
ويتابع:" في عام ١٩٢٥ دعته السيدة روز اليوسف للمشاركة في تحرير مجلة روز اليوسف الوليدة مع العقاد وعبد القادر المازني، فاستقال التابعي من مجلس النواب ليلتحق بروز اليوسف، وعندما سافرت روز اليوسف إلي باريس أصبح التابعي مسئولا عن المجلة، ولكن المجلة تعثرت كمجلة فنية أدبية، وهنا قررت روز اليوسف تحویل مجلتها إلي مجلة سياسية، وطلبت روز من التابعي أن يكتب مقالات سياسية وانتشرت المجلة وبسبب مقالات التابعي كان باعة الصحف ينادون على المجلة باسم التابعي، وأصبح الرجل رئيسًا لتحرير المجلة من عام 1934 إلي 1938. فقد استقال الرجل ليصدر مجلة آخر ساعة باسمه في يوليو من نفس العام.
يكمل عباس الطرابيلي:" وفي عام ١٩٣٦ اتفق ۲ من كبار الصحفيين علي إصدار جريدة يومية مصرية وسط عصر من الصحافة المصرية الشامية.. هم محمود أبو الفتح الذي كان من كبار صحفيي «الأهرام، وكريم ثابت الذي كان من أبرز صحفيي المقطم وثالثهما كان محمد التابعي، ودفع كل شريك مبلغا من المال لتصدر جريدة المصري ولتصبح بعدها بفترة قصيرة لسان حال حزب الوفد.
ورغم أن التابعي جعل من مجلة آخر ساعة التي كان يمتلكها بالكامل ويساعده في تحريرها التوأم علي ومصطفي أمين ومحمد علي غريب والرسام العبقري الأرمني صاروخان مجلة راشدة، إلا أنه سرعان ما باعها للتوأم مصطفي وعلي أمين في أبريل عام ١٩٤٦ لتصدر باسم التوأم في أول مايو.
التابعي استطاع أن يقدم صحافة جديدة في آخر ساعة، فقد كان غلاف العدد الأول في ١٥ يوليو ١٩٣٤ عبارة عن كاريكاتير يجسد صورة المصري افندي والمندوب السامي البريطاني ورئيس الوزراء المصري عبد الفتاح يحيي باشا وكانت بذلك تسير علي نهج روز اليوسف التي تركها التابعي عندما اختلف فاطمة مع اليوسف، روز اليوسف، وانتقل مع التابعي للعمل في آخر ساعة فنان الكاريكاتير الكسندر هاكوب صاروخان ومصطفي أمين الذي اقترح اسم آخر ساعة وكان أجره من التابعي قرشا واحدا وكان هو أول نائب الرئيس تحريرها ثم رئيس لتحريرها والغريب أن ترويسة العدد الأول من آخر ساعة حملت اسم محمد عقيقي شاهين كصاحب لها ورئيس تحريرها المسئول.. وفي الصفحة الثالثة من العدد الأول، في الزاوية اليسري. نشر اسم محمد التابعي كمشارك في التحرير.
ويستطرد عباس الطرابيلي:" وفي عام ١٩٤٦ فكر التابعي في تطوير آخر ساعة فصدرت آخر ساعة في حجم التابلويد، واستخدم فيها اللونين الأحمر والأزرق بجانب الأسود في غلاف المجلة، واخذ يهتم بالأخبار الخارجية وأصبح لها عدد من المراسلين في العواصم الكبري. وبدأ التابعي يعيد كتابة موضوعات وأخبار المجلة بنفسه بعد أن كان يكتب المقال الافتتاحي فقط، وبدا يهتم بالصور من مصر ومن العالم فزادت مصروفات المجلة مما دعاه الي عرضها علي مصطفي وعلي أمين اللذين قبلا العرض وقاما بشرائها لتصدر تحت ملكيتهما ابتداء من أول مايو ١٩٤٦ لتصدر عن دار اخبار اليوم وعليها شعار الدار، الكرة الأرضية، بسعر ٢٠
التابعي مديرًا لتحرير الأخبار
وانضم التابعي إلي أسرة تحرير أخبار اليوم التي صدرت في ١١ نوفمبر ١٩٤٤ وأصبح في مقدمة كتابها. وعندما أصدر مصطفي وعلي أمين جريدة الأخبار في 10 يونيه ۱۹۵۲.. وتكريما له الأستاذ محمد التابعي ثم نشر اسمه مديرا للتحرير قبل وأعلي أسماء رؤساء تحريرها جلال الدين الحمامصي وعلي أمين وكامل الشناوي ومحمد زكي عبد القادر ومصطفي أمين والحقيقة أن منصب مدير التحرير كان موقعا تكريميا للأستاذ ووقتها إذا قيل الأستاذ يتجه الذهن فورا الي محمد التابعي.
واستمرت مقالات التابعي في صحف أخبار اليوم، من آخر ساعة إلي الأخبار إلي اخبار اليوم.. وكان يكتب يوميات جريدة الأخبار مرة أسبوعيا.
ويستطرد:" في مايو ١٩٦٠ وعندما تم تأميم لصحافة تحت اسم تنظيم الصحافة وبسبب خبرته الصحفية واحترام الكل لتاريخه ورأيه اختار جمال عبد الناصر الصحفي الكبير محمد التابعي ليصبح أول رئيس المجلس إدارة مؤسسة أخبار اليوم ولكن المحرك الفعلي للإدارة في المؤسسة كان لأمين شاكر الذي شغل لفترة سابقة موقع مدير مكتب عبد الناصر، فقد كان عبد الناصر بخشي دار أخبار اليوم وحب صحفييها للأخوين مصطفي وعلي أمين مما دفعه الي نقل الأخوين إلي دار الهلال، ليبعدهما عن دار أخيار اليوم التي أقاماها وأصبحت من أكبر دور الصحف في العالم العربي.
ويختتم عباس الطرابيلي:" واستمر التابعي كأبرز كتاب أخبار اليوم، وازداد توهجا في كتاباته خصوصا بعد هزيمة يونيه ٦٧ أذ شن حملات شرسة ضد الاتحاد السوفيتي واتهمها بالتخلي عن مصر، وطالبه بعد مصر بأحدث الأسلحة حتي تستطيع تحرير سيناء، ورحل التابعي عن عالمنا عن عمر يناهز ٨١ عاما، إذ توفي يوم ٢٤ ديسمبر ١٩٧٦. وما بين احترافية للصحافة عام ١٩٢٥ ورحيله عام ٧٦ عمل الرجل وقع طوال ٥١ عاما. وكانت له مواقف رائعة.. وكانت لي مواقف مع الأستاذ.. وهذا هو موضوع حلقتنا الثانية عن محمد